رأي الحال الذي يغني عن السؤال في الجامعات الولائية الرسالة الثانية إلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي د.أحمد عثمان خالد: كتبت مقالاً في الأيام الماضية عن عوامل هجرة الكفاءات العلمية بالتعليم العالي والجامعات الولائية على وجه الخصوص، بجريدة الصحافة الغراء فوجد استحسانا كبيرا وسط الاساتذة والزملاء بالجامعات الولائية لانه لامس حقائق ومشاكل يعانون منها بالجامعات، واتصل علي عدد منهم وكانوا يقولون لي كأنك تعنينا بهذا المقال لان هذا هو واقعنا المعاش لكن كنت اقول لهم انا لا اعني جامعة بعينها، ولكن قولي وصف عام وهو (كالطاقية) في السوق فمن كانت على قدر جمجمة رأسه فليلبسها، ويبدو أنَّ رؤوساً في الجامعات متساوية الى حد كبير، والحديث عن الجامعات الولائية ذو ابعاد ذكرت هذه الابعاد في مقالي السابق، واليوم نواصل الحديث عن الحال في الجامعات الولائية من زوايا وابعاد اخرى ذات صلة بالسوء والتردي الذي وصلت اليه بعض الجامعات، وأتمنى من وزير التعليم العالي والبحث العلمي والمهتمين بامر التعليم العالي وعلى رأسهم السيد الرئيس مراجعة أمر التعليم العالي بالولايات من حيث الادارة ومن حيث وضعية الاستاذ والعاملين والموظفين باعتبارهم كوادر مساعدة بالاضافة الى معرفة حالة الطلاب ذوي الحاجات الخاصة الذين تبرأت منهم بعض الجامعات تماماً، واصبح التعامل مع الطالب تعاملاً مادياً من الدرجة الاولى لا يخضع لاي معايير انسانية او اخلاقية رغم المناشدات المتكررة من السيد نائب رئيس الجمهورية الشيخ علي عثمان محمد طه في اكثر من مناسبة. فلولا وجود الصندوق القومي لرعاية الطلاب واهتمامه الشديد بقضايا الطلاب ومشاكلهم لا ندري كيف يكون الحال للطلاب ذوي الحاجات الخاصة والسؤال الذي يطرح نفسه ما هو دور عمادة شؤون الطلاب بالجامعات نحو الطلاب؟ علماً بان معظم طلاب الجامعات الولائية من ابناء الاقاليم الاقل نمواً ولأن ادارات الجامعات الولائية تبحث عن المال بكل السبل وليس لها سبيل سوى رسوم الطلاب بشقيها الدراسية والتسجيل. والتي بلغت في بعض الجامعات اكثر من (90) جنيه رسوم التسجيل فقط، بمعنى ان الطالب في الفصل الدراسي الواحد يدفع قرابة المائتي جنيه هذا غير الرسوم الدراسية التي تجاوزت ال (400) جنيه في الكليات الادبية رغم هذه الموارد الضخمة والبعيدة كل البعد عن وزارة التعليم العالي ووزارة المالية الاتحادية وغياب بعض مجالس الجامعات وعدم وجود بعضها اصلاً، وعدم وجود لجان مالية منبثقة عن مجلس الجامعة تراقب وتحدد شكل الصرف المالي بعدم وجود هذه الآليات كيف نطمئن على سلامة وصحة ادارة المال جباية وصرفاً؟ في تقديري هناك اسئلة لابد من طرحها ولا بد من الاجابة عليها أولاً كم هي المبالغ التي تجبى سنوياً من الطلاب بالجامعات؟ وكيف تصرف؟ وهل وزارة التعليم العالي تعلم ان بعض الجامعات تسير بدون مجالس ولجان مالية؟ واذا كانت الموارد المالية للجامعات بهذا الحجم فلماذا لم تعدل مرتبات الاساتذة في بعض الجامعات؟ كما هو الحال في بعض الجامعات الاخرى؟ ولماذا تؤخر استحقاقات الاساتذة لدرجة تجفيف العرق من كورسات وتصحيح ومجالس ومراقبة وتذكرة وهلم جرا.... هذه الاستحقاقات هي يتمدد فيها الاستاذ راحة بحلحلة ديونه وقضاء حاجاته الأولية التي لا يسعها المرتب الذي صار كثوب ابي ذر اذا غطى رأسه بدت رجلاه. ونحن نوصف هذا الحال بالجامعات الولائية لا شيء فقط من اجل التذكير ومن اجل الوقاية والحماية لجامعاتنا من التردي وليس من ترد أسوأ عما نشاهده اليوم من هجرة الاساتذة الى الجامعات الخليجية وغيره. والمؤسف حقاً أن النقابات بالجامعات سرت فيها حمى التسييس فأصبحت جزءً من المنظومة الادارية التي تتمتع بكافة مخصصاتها المالية خاصة المأمورية ذات الشهر والشهرين والثلاث. الأجدر بالنقابات ان تلعب دور الوسيط بين العامل والتجارة وتنحاز للعامل في قضاياه ومشاكله وطرحها على كافة المستويات عسى ولعل أن تجد الحل أو على الأقل تبرئ ذمتها أمام العاملين الذين انتخبوها. ثم هناك قضايا بالجامعات تتعلق بكيفية تعيين الاساتذة، ومدى الالتزام بالمعايير المحددة في كيفية التعيين، في غالب الأحيان يتم التعيين عن طريق المدير مباشرة دون لجان معاينات او دون الرجوع الى القسم وعميد الكلية في اختيار المبرزين بالكليات كما هو العادة في الجامعات العريقة وهناك مثال واقعي ثلاثة طلاب في قسم في احدى الجامعات تقدموا لملء وظيفة مساعد تدريس اثنان بدرجة الامتياز وواحد بدرجة جيد جداً، تم اختيار الاخير لأنه يحمل تزكية وتوصية من حاكم كبير بالولاية تربطه صلة قرابة بالطالب وهكذا الحال في جامعاتنا المغلوب على امرها. أقول إنه لا بد من لجان تخصصية من وزارة التعليم العالي تراجع مسيرة الجامعات الولائية خلال الفترة الماضية وتقف على السلبيات لتعالجها وتدعم الايجابيات والمشرقات ان كانت موجودة واذا ارادت الوزارة ان تعرف الحقائق فلتجلس مع العاملين مباشرة وبدون وجود المديرين وأركان حربهم حتى تعلم الوزارة الأمور على حقيقتها وينكشف الستار وربما يتعالج الحال لكن سير الجامعات على هذا الوضع ينذر بالخطر. لا يعقل ان يكون رئيس في جامعة وادي هور على سبيل المثال ويدير عمله من الخرطوم ولا يتصور ان يكون عميد الكلية مغلول الايدي الى حد عدم معالجة مشكلة طالب في حدود (20) جنيهاً ولا يعقل ان يتعامل مديرو الجامعات مع عمداء الكليات كما يتعامل الضابط مع جنوده افعل ولا تفعل.. كيف تتطور الجامعات بهذه العقليات الكلاسيكية؟؟ المؤسف والمخجل في بعض الجامعات ان مشاكل الطلاب في التسجيل تحل عبر موظفين صغار بالحسابات حتى وان كانوا كباراً نساء او رجالاً فالصورة مقلوبة، ينبغي أي اجراء يتعلق بالطالب يمر عبر ثلاث قنوات عمادة الطلاب والقسم وعميد الكلية هذا هو الاجراء الصحيح الذي يترك في نفس الطالب أثراً حميدا ينمي علاقته بالكلية والقسم والعمادة، والجهات الأساسية المسؤولة عن الطالب من دخوله الى الجامعة حتى خروجه منها، تصور أن طالباً ذهب الى عميد الكلية او رئيس القسم او عميد الطلاب لتقسيط الرسوم أو الاعفاء الجزئي منها او مجرد توصية للادارة المالية لتقدير حال الطالب ففوجئ الطالب بأن ثلاثتهم بدون صلاحيات ماذا يتصور الطالب في هذا الحال؟ وما هي الصورة النمطية التي تتكون عنده تجاه هؤلاء؟ بالتأكيد تتكون عنده صورة سالبة واول سؤال يسأله لنفسه كيف يرضى هؤلاء ان يكونوا مجرد دمى وما فائدة العلم اذا لم يصنع من الرجال مواقف ورؤى ذاتية تحدد معالم الشخصية وسماتها الأساسية دون ان تتعارض مع لوائح المؤسسة. ان المناهج الادارية المتبعة في بعض الجامعات الولائية لا تساعد على التنمية الادارية بالجامعات وتقف حجر عثرة للوصول الى الجودة الشاملة في العمل. القرار الأخير الذي اصدره السيد الرئيس حول تعيين مديري الجامعات عبر مجلس الاساتذة الخطورة فيه ان المديرين سيقومون بخطوات استباقية في تعيين العمداء ورؤساء الاقسام (الموالين) لدعم العملية الانتخابية للمدير لذلك لا بد من لائحة تفسيرية تحدد عضوية مجلس الاساتذة الذين يحق لهم التصويت، وتحدد كذلك وضع العاملين والموظفين بالجامعة في الاختيار باعتبارهم فئة لها وزنها بالجامعة، والا اصبح القانون الجديد تكريساً لنمط الدكتاتوريات الادارية بالجامعات. نحن في الجامعات نحتاج الى ثورة تعليم جديدة ليس بمعنى فتح مزيد من الجامعات لمزيد من المعاناة ولكن ثورة تصحيحية ادارية شاملة تطال كل الرؤوس الادارية وتمنع منعاً باتاً وجود المدير او الوكيل خارج الجامعة لاكثر من اسبوعين، وكذلك امين الشؤون العلمية والعمداء الا لعمل رسمي يتعلق بالجامعة، وتقلل من الصرف الاداري (المأموريات) التي ربما تصل في العام لعشرات الملايين دون عائد ملموس للجامعة. أخيراً، نمى الى علمي ان احد الموظفين الصغار باحدى الجامعات اشترى عربة بمبلغ يقارب الخمسين ألف جنيه وتزوج بإحدى الحسناوات والجامعات كلها تسأل من اين له هذا؟ ونحن نسأل السيد ابو قناية أليس هذا من اختصاصكم؟ ونواصل خواطرنا في الملفات المالية بالجامعات الولائية في الايام القادمة بإذن الله. الصحافة