[email protected] ينسب هذا التساؤل إلى الأستاذ محمد حسنين هيكل الذي استخدمه بعد ثورة أكتوبر كعنوان لمقال تساءل فيه عن مستقبل السودان بعد ثورة أكتوبر على حكومة انقلاب نوفمبر بعد أن تجول كثيراً بالتحليل والتعمق في أبعاد الصورة التاريخية وعقد المقارنات بين ثورة يوليو في مصر وحركة يوليو العراقية وانقلاب نوفمبر في السودان، وقد قوبل وقتها باستنكار شديد من المؤيدين للثورة باعتبار أن هيكل كان يتشكك – وإن لم يقلها صراحة - في قدرة الثورة على الثبات لاعتقاده بأن ظروفاً وتداعيات صدفية خدمت الثورة أكثر من التضحيات التي قدمها ثوار أكتوبر والتي قال أن الشهداء فيها لم يكونوا أكثر من ثلاثين، أي أقل مما قدم السودان لكي يحقق استقلاله من الانجليز مع اقتناعه بأن أكتوبر حققت انتصاراً شعبياً لكنه معلق بتوازن دقيق وخطير، ولعلي أوجز بتصرف خلاصة لعباراته التي جاءت بما يرجع الأمر إلى رفض أغلبية كبار ضباط الجيش ضرب الشعب رغم أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد أن تردد في البدء في توجيه ضربة قهر كاملة إلى الشارع قرر لاحقاً الضرب بيد من حديد مما أوجد وحدة تلقائية نفسية ملائمة للشارع إزاء انقسام الجيش0 ومن تساؤله يدرك المرء أن أي ثورة شعبية تطمح في التغيير لابد أن تكون ظروفها الموضوعية ناضجة ومسارات مستقبلها سالكة0 لا أود أن أقول ثم ماذا بعد الثورات العربية – ويحق لمن يشاء أن يقول ذلك - وهي التي قدمت عدداً كبيراً من الشهداء بعد ثبات جماهيري وتماسك في الجبهات الشعبية لكي تزيح أنظمة طاغية، ولكن الساحة في تقديري لم تتعمق بعد إن لم أقل أنها بحاجة إلى تحليلات من واقع الحال وما أفضت إليه هذه الثورات وهل حققت المأمول أم أنها أزاحت شخوصاً من سدة الحكم لتقع في متاهة البحث عن البديل المعبر لطموحاتها0 وما من شك أن سحابة مطالب وتساؤلات طافت في سماء تونس وستظل عالقة حتى تتنزل مطر خير وفير، وهناك بوادر انقسامات بدأت تظهر في ليبيا يتوجب تجاوزها بروح التناغم الثوري الأولى، كما أن هناك معالم خيبة أمل أصابت ثوار ميدان التحرير في مصر كنتيجة لتمخض الانتخابات عن كيانات حزبية كانت تعمل في صمت بينما اعتمد الثوار على علو الصوت فوق أرضية لم تتحسس مواقعها الأرضية0 وهناك أيضاً ذلك التراخي والقبول ببعض التغييرات في اليمن بما لا يعدو أن يكون تغييراً لرأس الدولة بنائبه مع إشراك قوى المعارضة في الحكم0 ويصح رفع ذات السؤال مبكراً للقوى السورية التي لا زالت تناضل وقدمت الكثير بحثاً عن التغيير0 وما لم تكن الصورة المستقبلية لمختلف الحركات المطالبة بالتغيير واضحة المعالم وما لم يتجرد صناع الثورات عن الصغائر والطموحات الفئوية سيظل سيف التنازع حول التغيير الأمثل مسلطاً على الرقاب0 ونحن الذين توقفنا كثيراً عند سؤال هيكل ولم يتبين لنا مدلوله إلا بعد بضع سنوات أفضى بعده الحال لانقلاب مايو ثم حين استقوى عضدنا نجحنا في إزاحته شعبياً بما يماثل تجربة أكتوبر لكن ذات السؤال فرض نفسه علينا مرة أخرى ولم نستوعب الدرس فجاءت الإنقاذ برؤى مغايرة لمفهوم الانقلابات السابقة الشيء الذي مكنها من الاستمرارية فترة أطول من سابقاتها حيث أن تلك التجارب الثورية ومآلاتها جعلت الناس يفكرون في البحث عن إجابة لسؤال هيكل قبل التفكير في أي خطوة أخرى0 وما دام أننا نفتقر للمنهجية وبعد النظر فليكن ديدننا العمل على الإصلاح الداخلي من بوابات القبول المتاحة ورؤى المتطلعين0