........ حقيقة صار المرء في حيرة من الأمر بشأن الصادق المهدي، إمام طائفة الأنصار. جاء في حديثه بالأمس أنه “يسعي لجمع الحكومة وجميع معارضيها لجهة التراضي الوطني." ومصدر الحيرة هو أن الوسيط، كما هو معلوم، إما أن يكون محايداً، أو علي علاقة متساوية ومتوازنة مع الطرفين، علي أقل تقدير. ومصدر الحيرة، ثانياً أن الإمام يدرك أن الحرب التي تدور رحاها في القطر هي بسبب ما يمارسه نظام الخرطوم من قمع للحريات قائلا “بوجود علاقة طردية بين الحرب والتضييق علي الحريات." وهي ممارسة يعاني منها الإمام المهدي نفسه. واللافت للنظر، ويدعو للحيرة، إن لم يكن للشك، هو ولع وحرص الإمام علي عدم تفكيك النظام لم يجتهد في تبريره حين نادي ب “إقامة نظام جديد بدلاً عن المطالبة باسقاط النظام، لأن ذلك موقف أنضج لأنه يتجاوز الاسقاط إلي تحديد معالم البديل" لكأنهما نقيضان ولكأن القوي السياسية ستعجز عن رسم معالم البديل متي ما تم اسقاط النظام، وكما لو أن تاريخنا يخلو من اسقاط نظامين وأخيراً لكأن القوي السياسية التي فرضت التغيير في الربيع العربي قد وقعت في مأزق وحار بها الدليل نتيجة لعدم اتفاقها علي البدائل قبيل اسقاط أنظمة الطغاة. بيان كوادر وشباب حزب الأمة القومي (16/1/2012). سودانايل شن هجوما عنفيا علي ما أسمهاهم معارضة ال (24 ساعة) موجها حديثه لأبي عيسي “براعة من أصبحت لديهم رشاقة العصافير في التنقل بين المواقف لن تمحو من ذاكرة الشعب السوداني ماضيهم في تدبير الانقلابات ودعم الشمويلات ...في مايو." مبارك “لا يعترف بالذين لا يقدسونه" الفريق صديق كان في جهاز أمن نميري ثم ضابط أمن في الانقاذ تغيير ديمقراطي بدلا عن إسقاطه (ندوة واشنطن 13/11/2011) ورأي أن إسقاط تعني القضاء عليه ثم تأتي مرحلة البحث عن بديل. تغيير النظام بالتحول الديمقراطي كما حدث في البرازيل فشل الصادق في الحكم والمعارضة “قوي التغيير – حزب الأمة" تعيين عبدالرحمن المهدي كمساعد للرئيس تم بموافقة الصادق جنيف جيبوتي التراضي الوطني ماذا يريد الصادق المهدي؟ أعتلي شاب دون الثلاثين من العمر المنصة الرئيسية صائحاً: “يكفي عشرون سنة من الكلام، علينا أن نخرج، هيا إلي الشارع" الصادق أسهب في سرد وتشريح وسرد ما يعانيه مجتمعنا ووطننا من كوارث بسبب هذا النظام، ولكنه لم يخطو خطوة واحدة تعمل علي اسقاط النظام، كطبيب يفلح في تشخيص داء مرِيض ثم يقول له عليك بالصبر شفاك الله! ديسمبر 2011) تتدخل القيادية في حزب الأمة مريم الصادق “لم يحن بعد أوان الخروج إلي الشارع." لا ندري ما هو المنحي من مناحي مجتمعنا ووطننا الذي لم يمسه دمار كامل وشامل، ومتي يحل أوان الخروج للشارع. الجبهة الثورية ترتكز علي المقاومة المسلحة التي من شأنها أن تعيق عملية التغيير بالوسائل المدنية، وتحول المنطقة إلي حرب شاملة في المنطقة." حسناً، كيف يحدث التغيير بالوسائل المدنية، أو في تساؤل آخر، ما هي آليات برنامجه “الجهاد المدني" الذي أِطلقه منذ سنين عددا، وماذا ينتظر لتطبيقه؟ يحتار المرء كثيراً بشأن الصادق المهدي الذي صار يطلق تصريحات متناقضة، وأخري بلا معني لقد “نهج الصحوة الإسلامية" لم يعدو أن يكون كالمشروع الحضاري، كونه كان مجرد اسم ليس إلا. من ورفع شعار (الشعب يريد نظاماً جديداً) بدلاً عن الشعب يريد اسقاط النظام هذا هراء شبيه بالوهوهة لأن الجماهير التي خرجت في تونس مصر اليمن وحتي عندما يجد الإمام نفسه في حالة تحد من نظام البغي فهو لا يحرص علي عدم التفكيك فحسب؛ بل يسعي للحوار من نظام حتي لو من كال له السباب يحرص علي عدم الاسقاط حين أعلن عبدالرحمن الخضر، والي الخرطوم، بأن الحكومة ستسلم السلطة في حالة خروج 650 ألفاً ضد النظام. قبل حين تحدي والي الخرطوم، المعارضة قائلاً انها لن تستطيع إخراج 650 ألفاً، رد عليها الإمام المهدي قائلاً إن حزبه فقط قادر علي إخراج هذا العدد لاسقاط النظام، لكنه أعلن عن “نية التحاور مع المؤتمر الوطني وتحويل دولة الحزب إلي دولة الوطن." نظام تحداك شن هجوماً علي تحالف قوي المعارضة والجبهة الثورية (خطاب الاستقلال) وقال عن الجهاد المدني “من لا يتفق معانا يمشي في دربو" انتقاد الصادق للجبهة الثورية يقول انها ترتكز علي المقاومة المسلحة التي من شأنها تعيق عملية التغيير بوسائل سلمية صار الصادق عاجزاً عن الفعل فلا فعل هو ولا ترك الآخرين يفعلون إن الذي يحصر اللائمة فيما حاق وطننا من انفصام عراه علي النظام الحالي لقد كان النظام المدني الذي رأسه الصادق (أبريل 1986 – يونيو 1989) نظاماً كسيحاً منفصلاً عن تطلعات الجماهير سقط خلاله عدد من المواطنيين قتلي في مظاهرات سلمية استنكرت الضائقة المعيشية؛ الأمر الذي لم يحدث في النظام الذي سبقه وجد انقلاب حزيران الصادق المهدي كان يعتقد خلال الانتخابات الأخيرة، التي شاركت فيها الحركة الشعبية قبل انفصال الجنوب، ذكر الصادق أن فوز الحركة الشعبية فيها سيؤدي إلي إخلال بالأمن القومي للسودان. أي أن فوز الحركة كان سيؤدي إلي تهميش “العرب" وربما تقوم الحركة “الأفريقية" بحربهم، في حالة فوزها. هذا الحديث ذو مضامين خطيرة، لأنه يعني أن حكم هذا السودان ينبغي أن يكون حكراً ل “العرب" حتي في حال شكَّل الأفارقة أغلبية انتخابية، وكل ذلك لضمان سلامة هؤلاء “العرب." وعلي أخف تقدير ينطوي علي حكم مسبق وسوء نية بالأفارقة والتوجس منهم، لأنه يدرك في قرارة نفسه أنه لعب دوراً كبيراً في تهميشهم أثناء حكمه، وتحالفه مع صهره لوأد اتفاقية الميرغني 1988 التي كانت ستحقق السلام. وإن تركنا جانباً سياسة “الإنقاذ" مع الجنوب – بشقيها الجهادي والفهلوي – هل كنا نتوقع أن يختار الجنوبيون الوحدة، والصادق يصدر تصريحاً بأن حكم الحركة سيخل بالأمن القومي لجمهورية السودان العربية، حتي وإن جاء ذلك عبر صناديق الاقتراع؟ والحاصل أن الصادق المهدي لا يختلف عن (الخال) الطيب مصطفي، إلا في كونه يحاول تغليف العنصرية بغلاف من عبارات يعتقد أنها معقدة. ولم يستفد من الدرس، كعادته، لأنه كرَّر نفس الرأي مؤخراً. تأمَّل حديثه العنصري عن تحالف كاودا “إن تحالف كاودا يمكن أن يسقط النظام، ولكن مع وجود استقطاب إثني يمكن أن يعيد إنتاح بروندي ورواندا" (خطبة عيد الأضحي). حسناً أيها الصادق الهاشمي القرشي ما هو بديلك؟ هل هو الجهاد المدني؟ حسناً نحن في انتظاره. الصادق صار كطبيب يجيد تشريح المرض ثم يوصي مريضه بالصبر والشاهد أن اليأس من عجز الصادق عن الفعل قد طال حتي أسرته، حسبما جاء في مقال ابنته رباح ‘لا خير فيهم سيدي الإمام وكلفتهم الأكبر' “سودانايل" (7/9/2011)؛ حين عمد إلي اللين مع حكام الخرطوم في ظروف شرحت فيها ما عانيناه كشعب من أزمات معيشية طاحنة، وحروب النيل الأزرق، وتوقعت فيها الفعل السياسي الواضح بدلاً عن الرمادية. تشخيص المرض دون وصف العلاج الناجع لم يفصل ابنه من الحزب عزا ذلك لأن الحزب لم يفصل مجموعة الإصلاح والتجديد عندما شاركت في النظام “تعامل حزب الأمة مع العضوية كالجنسية لا تُسحب من أحد" بعد أن وقَّع أبوعبدالله، آخر ملوك غرناطة، صك تسليمها، قالت له أمه: " ابكِ كالنساء علي مُلك لم تستطع المحافظة عليه كالرجال." لذا كان منطقياً أن يواجه الصادق العقوق السياسي لابنه عبدالرحمن أرسل له صهره، ابن العاص يستشيره في الانقلاب، أي أن يكون الصادق جزء من الانقلاب علي نظامه. هل توجد مهزلة أكبر من تلك؟ والصادق ينبغي أن يُحاكم في أي نظام قادم، لأنه أدرك نوايا صهره الانقلابية ولم يفعل شيئاً تجاهها. الشعارات الجذابة والمفردات البراقة التي كان أحدثها “الشافي" سفينة نوح التراضي وهلم جرا نطالب الإخوة الذين يجرون اللقاءات الصحافية معه أن يوجهوا له في اللقاء القادم سؤالاً واحداً مكوناً من أربع كلمات لن يستطع الرد عليه ثرثرة “ماذا قدمت لهذا الوطن؟" ولئن لم يقدم الصادق شيئاً لهذا الوطن فهو ليس مؤاخذاً لأنه ليس بفرض عين. ولكنه ساهم في دمار هذا الوطن، بدءاً برعايته لشلة صهره منذ ستينيات القرن الماضي، إلي رفض اتفاقية الميرغني – قرنق عام 1988. د الجهاد المدني وهو أيضاً من الأمور الهلامية كنهج الصحوة، لا يوجد شيئاً بهذا الاسم ولما لم يجد سوقاً لبضاعته الكاسدة، لجأ لإثارة الفتاوي التي يشترك فيها مع صهره ابن العاص. مما حدا بالشيخ أبو زيد حمزة أن يصفها ب “قلة الأدب" ولئن كانت هنالك جائزة العبارات البراقة “إلقاء قوانين سبتمبر في مزبلة التاريخ" “سفينة نوح" “الجهاد المدني" “الشافي"