................ وصلت الجنينة بالامس بعد رحلة جميله زاد من نكهتها صديق انتهت علاقتنا منذ زمن الجامعة ... تجرعنا الذكريات وكان المبتدئ والمنتهي محمد عبدالسلام, تارة نخوض في أدبه الجم بحزن وتارة اخري نتحدث عن اغتياله اللئيم بغضب, وبين الادب والغضب هنالك وهنالكات من الاحداث, خوف البعض منا, الانكسار والهزيمة التي لم تفارق كل من عاصر 98 بجامعة الخرطوم. وبعدها ولجنا في موضوعات كثيرة لا يربط بينها سوي خطلنا المشترك انا وهذا الصديق الذي يسمي ابو بكر. ابو بكر نزل في نيالا وواصلت رحلتي الي الفاشر ثم الجنينة بصحبة كتاب الخطة اللانهائية لايزابيلا الليندي ... وصياغة خطوط عامة لعملي الجديد. لا شئ تغير في هذه المدينة اللعنة سوي نصف كيلو من الشارع المسفلت " وهذا كل ثمار اتفاقية سلام مني اركوي" .... فالنساء دائماً ثريموتر الحضارة واي تغير يحدث ينعكس بشكل مباشر علي اوجه النساء ... ففي اوجه النساء فقط رأيت مزيداً من الزبول والحزن... الطباخات وعاملات النظافة بالمكتب ذابلات منكسرات... بدأت السلام وكان احر منه من الطرف الاخر رغم كل الاحزان.... وبين عاملات النظافه كنت ابحث عن مريم الرشيد صديقتي اللدودة كما كنت اناديها... هذه المريم اكثر ما يميزها ضحكة مجلجلة كصهيل خيل الصحابة. ولكن للاسف الشديد كانت اكثرهن ذبولاً وحزناً... مريم لا تعرف الابتسامات ...فقط خبرت ضحكات غير محدودة... ولكن استقبلتني بابتسامة اجهضت قبل ان تري النور .... وتبعتها دمعة منكسرة, بقوه عانقت هذه المرأة ... ولكن هذا العناق فتح شهيتها للنحيب. وبعد العناق ونحيبها... سألت عن طباخة اخري تدعي حبسه... حبسه تجيد الصمت والرقص في ان واحد.... كنت اول حضوري المكتب تجلب القهوة المصنوعة من الزنجبيل... فطعم واريج البن يختفي خوفاً من الزنجبيل, أداعبها بمرح عن الزنجبيل وترد بابتسامة ماكره اعرفها جيداً... ولكن تمادياً في المكر أسالها:والله يا حبسه انتي قاصداني ... ليه بتجيبي قهوة زنجبيل... انتي شايفه علي شنو؟هاي هافس وكت تأرس تأرفي ترا......نضحك مع بعضنا .... وتدندن قليلاً مع صوت طه سليمان وتواصل روتينها المعتاد.بعد ان شفيت مريم الرشيد من موجة النحيب... بخراقتي المعهودة سألت:انتو وين حبسه ولا شافت ليها زبون غيري؟....هنا عم صمت لا ارادي المحل ولكن هذا المره كان صوت نعمات .... نعمات كبيرة الطباخات ... كل ما اسمع اغنية مصطفي الحزن النبيل اتذكرها... فلهذه المرأة وجه تعلوه غلالة سميكة من الحزن النبيل... ومن اين اتيت بهذا الوصف لا ادري... قطع الصمت صوت نعمات وكان مخنوقاً بالبكاء ( يا حليل حبسه يا حافظ) ... وانفتح العزاء مره اخري وعندها عرفت كل شيئ ولكني لم أسال عن شيئ. لم اسأل عن:كيف ولماذا ماتت حبسه؟...ولمن تركت صغيراها حمودي ومريم؟لم أسال عن شئ فقط اكتفيت بان حبسه سافرت دون عودة ولا قهوة زنجبيل بعد اليوم.حبسه امراة داكنة السواد شديدة الصمت والكل يفسر هذا الصمت مكرا ... عندما غادرت الجنينة العام السابق اهدتني قارورة عطر ودموع لم تجف حتي تواريت عنها... في ذاك اليوم علقت لصغيرها قائلة همودي انا دايرك تبقي لي زي هافز دي)عليك الله يا حبسه اتمني للولد حاجة كويسة هسي ما شفتي ليكي اي زول غير حافظ هكذا رديت.حبسه متمسكة بلهجة دارفور الي حد الايمان ... نزحت مع بدايات الحرب الي الجنينة ,,, ودوما تحكي عن قريتها ابو سروج... وعندما تحكي عن هذه القرية تخال انك تسمع عن قرية في الريف الانجليزي... حبسة تقاتل كل شي في ان يتعلم حمودي ومريم صغيراها و لكن القدر كان أسرع... وحتي كتابة هذه الورقة لا ادري ما مصيرهم وداخلي اصرار عنيد علي ان لا اعرف عنهم شئ.الاحوال تغيرت الي ما هو أسوأ ... نعم بدأت طلائع جيوش الاممالمتحدة في الوصول ... لكن فقط تغيرت خوزات جنود الاتحاد الافريقي ... اما الباقي فكما هو ... فما زال زوار الليله علي انتظام في عادتهم القديمة .... نهب موظفي المنظمات... سرقة العربات... تصفية الخصوم ومصطلح الخصوم هنا لا يعني الخصوم السياسيين فقط , ولكن اي نوع الخصومة قد تلحق باحد اطرافها الموت,,, فالانسان هنا لا يكلف سوي طلقة ب 2 دولار. كما لا يزال الاغتصاب واهانة الانساء في مكانه وربما تغير الي الأسوأ... الكل في انتظار معجزة ما ولكن الكل في شك حول تحقيق تلكم المعجزة