في ليلة ظلماء داكنة السواد دفن مسؤولو السودان وجنوبه منطقة أبيي بإهمالها دون إنهائها في اتفاقية أديس، لتظل لغماً يفجر الأوضاع من جديد بينهما في أية لحظة مع اطلاق أية عبارات عنترية من هنا أو هناك.. مع إهمال قضايا مصيرية في وقت لا زالت أذهان شعوب الوطن الأم حلوة دي تتذكر هجوم الجنوبيين.. إنه " دفن الليل أب كراعاً بره" .. ما دفعني للتساؤل : هل السبع جلسات في خمس أيام كافية للتوصل لاتفاقية تعاون بن السودان وجنوبه ؟، هل ثمة ضغوط مُورست على حكومتي البلدين بالإسراع في التوصل إلى الاتفاق ؟، لمصلحة من تعود هذه الاتفاقية ؟ السودان ؟ أم جنوبه ؟ أم دول أخرى لها مصالح ؟، الاسراع في توقيع الاتفاقية ألا يؤدي لتفويت الفرص على أمور مصيرية كان يجب التركيز عليها أكثر من غيرها ؟ أم أن هناك مجالات بعينها حرصت دول الغرب على تضمينها الاتفاق وتجاهلت مجالات هامة أخرى ليستمر الشقاق بين السودان الوطن الواحد الذي كان حتى وقت قريب كذلك، ولكنه تنفيذاً لأطماع غربية بحتة انشطر إلى شمالي وجنوبي ؟، هل كان الاتفاق ملبياً لطموح أبناء البلدين الشمالي والجنوبي ؟ أم كان لفائدة دولة دون الأخرى ؟، إلى أي مدى يمكن أن يؤدي هذا الاتفاق لتأمين مناخ لتعزيز التعاون بينهما بعيداً عن أية مشاحنات تعيد الكرة للمربع الأول؟. وللتأريخ نقول إنها كأي اتفاقية من أي نوع تسعد أي سوداني في بلد يتعطش للسلم والتخلص من مشكلاته .. حتى لو كانت بخبرات وحنكات سياسية خارجية تحمل في ظاهرها أجندة مطبوخة بدسم غربي .. في قراءة سحطية لهذه الاتفاقية يُلاحظ ظاهرياً أن هناك تنازلات من الطرفين لضمان حاجة كل منهما للآخر في مختلف المجالات الأمنية، الاقتصادية، السياسية، المعيشية، التجارية وغير ذلك، ولكن في قراءة لما بين السطور تتضح أبعادها جلية واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار. تضمنت الاتفاقية ثماني قضايا لفك الارتباط بين البلدين، فيما اكتفى الجانبان بإحالة قضية أبيي والمناطق المتنازع عليها إلى مجلس الأمن والسلم الافريقي ليتخذ قراراً بشأنها بعد أن قبلت الحكومة بخارطة الاتحاد الافريقي، في تجاهل لقضية هامة كان يُفترض أن تحظى بأولوية الاهتمام والعناية . ومن المهم هنا الإشارة إلى أن بطل الاتفاقية هو أميركا ومجلس الأمن الذي كان قد أمهل دولتي السودان وجنوبه ثلاثة أشهر للوصول لتسوية القضايا العالقة بينهما، وإلا سيعرضهما لعقوبات الفصل السابع، في وقت هددت فيه الدول الممولة مالياً للعملية التفاوضية، فريق الوساطة الأفريقية بوقف دعمها إذا شعرت بعدم جديتهما في الأمر، فما كان منهما إلا الانصياع للرغبة الغربية في توقيع اتفاقية سارع الأمين العام للأمم المتحدة والرئيس الأمريكي ووزيرة خارجيته كلنتون والاتحاد الأوروبي بتأييدها رغم أنها تجاهلت ما هو أهم، ما يؤكد أن الوطن الأم قدم تنازلات تمس سيادة الوطن، منها القبول بخارطة الاتحاد الافريقي، حيث جاء نص الجزئية الخاصة بذلك (توافق الأطراف على قبول تفعيل بعثة المراقبة المشتركة وفقاً للخريطة الإدارية والأمنية التي عرضتها الوساطة في نوفمبر من العام السابق دون إضافة إجراءات خاصة بمنطقة (14) ميل). قد تكون الاتفاقية بداية لسلام ننشده جميعاً .. ولكنه سلام لا يسر أحداً في وقت سيظل الجنوب وكراً للتآمر علينا وعلى الأمة الإسلامية والعربية .. إذ سيكون هذا الجنوب رضينا أم أبينا قاعدة تنطلق منها القوى الاستعمارية لضرب الأمة. عن أي سلام نتحدث في وقت لا زالت قضية منطقة أبيي لغماً ينتظر الانفجار في أية لحظة .. خصوصاً إذا بدأت ألسن الطرفين في اطلاق الكلمات العنترية التي قد تثير حفيظة أحدهما .. ما يؤدي لتعكير مزاجه .. وبعدها تسوء الأوضاع وتعود إلى المربع الأول، رغم أنهما أبديا اهتماماً كبيراً بالأمن المتبادل ونبذ أي عمل من أعمال الحرب والعنف ووقف أي عمل من شأنه أن يسهم في انعدام الأمن بالدولة الأخرى ووقف العداء بينهما ومنع إيواء ودعم المجموعات المتطرفة. لم تمض أيام قليلة على هذا الاتفاق الهش إلا وأطلقت مجموعة من المتمردين المنتمين للجيش الشعبي ثماني قذائف أودت بحياة خمس مواطنين في كادلقي حاضرة ولاية جنوب كردفان .. ما يؤكد عدم فعالية الاتفاقية في ضبط العملية الأمنية بين البلدين رغم تأكيدها على ذلك. هذا الاتفاق الموقع بين دولتي السودان وجنوب السودان، هدفه دعم دويلة الجنوب بخيرات الوطن الأم إذا كانت بترول أو غيره .. وتأتي الاتفاقية محققة لنوايا أمريكية في صنع كيان دولة وتقويتها على حساب جارتها الأم الشمال لتحقيق مصالحها الذاتية .. وهذا الرئيس الأمريكي أوباما يعلن تأييده المطلق للاتفاقية بقوله " إن الاتفاق يمثل انطلاقة قوية لقاعدة جديدة لدعم الرؤية العالمية لدولتين قابلتين للحياة، تعيش كل واحدة منهما في سلام مع الأخرى، كما يمثل تطوراً جوهرياً لحل القضايا الاقتصادية والأمنية البارزة بينهما". والله من وراء القصد [email protected]