اعتمدت كل من دولتي السودان وجنوب السودان اتفاقية الترتيبات الأمنية التي وقعت ضمن (6) اتفاقيات مختلفة، عالجت (8) قضايا متباينة، وكان واضحاً أن بعض هذه الاتفاقيات حملت بنوداً جديدة، بينما تكررت بعض الاتفاقيات السابقة، وتعتبر اتفاقية الترتيبات الأمنية التي وقع عليها وزيرا الدفاع في البلدين، الأهم نظراً لطبيعة الصراع ذي البعد العسكري والأمني، والذي غالباً ما يمثل إما عامل سلام دائم، أو حرباً مشتعلة تقضي على المقدرات الاقتصادية، وتعمل على تفتيت أواصر الصلات الاجتماعية المشتركة التي تكونت عبر مئات السنين في وطن ظل بلداً واحداًَ لعشرات السنين، إلا أنه بات اليوم يعيش في واقع جديد كدولتين متجاورتين تجمع بينهما صلات ومصالح بأكثر من الألغام المتفجرة. تفاصيل ماحدث واتفاقية الترتيبات الأمنية التي أشرف عليها رئيسا البلدين حتى أجيزت أخيراً، أقرت بالتأثير السالب للعنف على المواطن والعلاقة بين الدولتين.. وبالنظر لأهمية الأمن، دعت إلى نبذ أي عمل من أعمال الحرب، ووقف أي عمل يسهم في انعدام الأمن بالدولة الأخرى، كما أقرّت بالتأثر السالب للعنف على المواطن وعلاقة البلدين، وفيما جدّد الطرفان التزامهما بمذكرة العاشر من فبراير الماضي، الخاصة بوقف العدائيات والتعاون، التزما بوقف إيواء ودعم المجموعات المتمردة ضد الدولة الأخرى، ووقف الدعاية المعادية عبر وسائل الإعلام، وتوافقا - وفقاً للاتفاقيات السابقة - على انسحاب قواتهما دون شروط من حدود الدولة الأخرى، إضافة لتفعيل بعثة مراقبة الحدود المشتركة، وسحب القوات منها، كما اتفقا على تفعيل بعثة المراقبة المشتركة وفقاً للاتفاقية التي وقعت في (30) يونيو من العام الماضي، بالإضافة لتفعيل بعثة المراقبة المشتركة وفقا للخريطة الادارية والأمنية التي عرضتها الوساطة في العام المنصرم، وذلك دون إضافة إجراءات خاصة بمنطقة (14) ميل، فيما أبقت على القوات التابعة للشمال والجنوب بالمنطقة المنزوعة السلاح بقواعدها الراهنة. حلول ممكنة وفق ضغط محلي وخارجي يقول الخبير الأمني والسفير "عثمان السيد" إن ما تم التوصل إليه خاصة في جانب الترتيبات الأمنية، هي الحلول الممكنة في الوقت الحالي، فهنالك معطيات ومستجدات داخلية خاصة بدولة الجنوب، فمنذ وفاة الدكتور "جون قرنق" لم تعد قيادة ذلك البلد على قلب رجل واحد، وبالتالي عملت القيادات العليا في الحركة الشعبية التي تنتمي إلى (دينكا نوك) ولفترة طويلة على ربط مسألة "أبيي" بمصير الجنوب كله، وأرادوا حل هذه القضية أولاً، وهنا كان الرأي السائد حتى لدى الوسطاء من الولاياتالمتحدة ودول أوروبا الغربية، أن قضية "أبيي" إنما هي قضية منفصلة، وحمل هذا الفهم آخرون من الحركة الشعبية خاصة من (دينكا بحر الغزال) الذين يقولون بأنهم أول من أتى إلى "أبيي". أما العميد أمن. (م) "حسن بيومي"، فيقول إن المناخ بالداخل والخارج كان يحمل (عصا مرفوعة) للطرفين، إلا أنه بالنتيجة فإن "اتعاظا" مما مر به البلدان الخاسران فيما كانوا يقومون به من أفعال، هو ما أفضى إلى هذه النتائج، فجاءت وفقا لروح عالية يمكن أن تفضي لحلحلة كل المسائل العالقة، وبالطبع فإن أهم (بروتوكول) في هذه الاتفاقيات، هو (البروتوكول الأمني)، وعموما فإن الاتفاقيات بشكل عام حملت نقاطاً إيجابية كثيرة خاصة اتفاق الحريات الأربع فيما يتعلق بحركة المواطنين والتجارة، والذي سيستفيد منه الشمال أكثر، وبالنسبة للجوانب السلبية في البروتوكول الأمني - وفقاً لإفادة العميد "بيومي" - هي ما يتعلق بمنطقة (14) ميل؛ وذلك لأن هذه المنطقة هي منطقة شمالية وليست منطقة نزاع، وكان يفترض ألا تدخل التفاوض، هنالك أمر آخر، وهو طبيعة الترتيبات الأمنية للفرقتين (9) و(10)، حيث حدد فك الارتباط ب(لجنة) وتم السكوت عن طبيعة هذه اللجنة، هل الارتباط هنا عسكري أم سياسي أم اقتصادي، هذا بالإضافة للجنة فك الارتباط نفسها من أي طرف تتكون، هنالك يضيف "بيومي" مسائل مازالت تحتاج إلى جهد للوصول إلى اتفاق. أما "أبيي"، فالحل الوحيد لهذه المنطقة هو في تغيير نمط الحياة عبر تحويل النشاط الاقتصادي من رعوي زراعي إلى صناعي زراعي. خروقات واردة وفي السياق، يبدو احتمال وقوع خروقات أمراً وارداً سواء في "أبيي" أو (14) ميل، أوالفرقة (9) و(10)، ويقول بهذا الرأي العميد "بيومي" الذي تحدث عن ضرورة عمل آليات لحراسة هذه الاتفاقية الأمنية من قبل فنيين وطنيين حريصين على علاقات الدولتين في الشمال والجنوب. وبدا واضحاً تناغم رؤية الخبراء العسكريين والأمنيين، فبالنسبة للعميد "عبد الرحمن فرح" أن هذه الاتفاقيات تتطلب الكثير من المحاذير كما قال، وذلك قياساً إلى ما سبق في "نيفاشا"، التي تمت تحت ضغط محلي من قبل "القوات المسلحة" التي أرهقت، بالإضافة للضغط العالمي الذي يدعو لتغيير سياسات الحكومة. ورأى "فرح" أنه كان يفترض أن يتم الاتفاق الأمني من قبل نخب فنية عسكرية مؤهلة من عاملين بالقوات المسلحة أو من المتقاعدين. وأخيراً، لابد أن تخضع هذه الاتفاقية الأمنية للتشريح من قبل المجلس الوطني، وعمل استفتاء شعبي عام ليتم قبولها أولاً، وعن المستقبل، فإن العميد "فرح" توقع وقوع "خروقات" للاتفاقية الأمنية بسبب الأطماع الشخصية، إلا أن عزل قضية "أبيي" عن اتفاقيات "أديس أبابا" يعتبره انجازاً - كما يقول - حققه الشمال، أما كيفية التغلب على الخروقات الأمنية فإن ذلك يتم عبر ممارسة الضغوط علي الطرف الذي ارتكبها. رقابة دولية ضعيفة من جانبه، لم يستبعد حاكم "أبيي" الأسبق الفريق "عبد الرحمن حسن عمر" ارتكاب (الحركة الشعبية) الحاكمة في الجنوب لخروقات أمنية ما. وذكر بمحاولات مستميتة لقيادات (دينكا نوك) للدفع بقضية "أبيي" أولاً، ووضح جلياً - كما يقول - أن الرقابة المطلوبة لتنفيذ اتفاقية "نيفاشا" كانت ضعيفة قياساً إلى الحماسة التي أبدتها الأطراف عند التوقيع. في حين رأى السفير "عثمان السيد" أن الضمانات موجودة ويمثلها الاتحاد الأفريقي، وتبني مجلس الأمن للاتفاق والإشراف على متابعته، كما أن الولاياتالمتحدة نفسها أيدت، كما رحّب الاتحاد الأوروبي بما تم التوصل إليه.