سنحت لي الظروف أن يدرس معي طلاب من الأقاليم الجنوبية في المدرستين الثانويتين اللتين حظيت بمقاعدها في المرحلة الثانوية ... وهما مدرستا رفاعة وحنتوب الثانويتين ... وقد كان الطلاب الجنوبيين يعاملون معاملة جيدة كأنهم طلاب في دراسات عليا مبتعثين ... وكان الود بيننا قائما ... وعشنا معهم فترات جميلة جدا ...ولم نلحظ تلك النظرة الدونية التي يتداولها بعض السياسيين منهم قبل وبعد الإنفصال ( اللعنة التي أصابتنا ) ... إن حكومتنا الحالية حملت عبء ووزر هذا الإنفصال ، رغم أن جميع أحزابنا كانت قد سبقت الإنقاذ في إعطاء الجنوبيين حق تقرير المصير ... كما ظهر ذلك في إتفاق أسمرا ، يوم منح أفورقي مبنى سفارتنا لقوى التجمع إبان العداء الذي نشب بين الدولتين سابقا ... كما أن حزب الترابي ( المؤتمر الشعبي ) لم يسلم هو الآخر من عقد المفاوضات السرية مع قادة الحركة الشعبية لمنحهم هذا الحق ... وأقول هذا الحق ، لأن حق تقرير المصير حق منح للجنوبيين من قبل الإستقلال ... ولكن لا أدري سبب تأخيره حتى مرور هذه السنوات الكثيرة والتي فقدنا فيها بشر يفوق المليون من الجانبيين ... فضلا عن المليون دولار الذي كان ينفق يوميا للمعارك بين أبناء الشعب الواحد ...لقد خسرنا الكثير في حرب الجنوب ... وقد كان يمكن تلافيها من أيام الإستقلال الأولى ... بل من قبل أن ينال السودان إستقلاله في العام 1956 م ... لن نعذر كل الحكومات السابقة ( الحزبية والعسكرية ) ... فهي على السواء في عجزها حلحلة مشكلة الجنوب من أول قبل تفاقمها ... وقبل أن نخسر هذه الملايين من المال والبشر ...والآن وقد تم الإنفصال بصورة ( دراماتيكية ) غريبة ... رضينا أو أبينا ...فنأمل وبنفس الطريقة أن نعمل ونسعى ... ولكن بلطف ولين ومحفزات وإيمانيات أن نعيد اللحمة مرة أخرى كما كنا ...وعلى الجميع حكومة ومعارضة الدعوة لمؤتمر مشترك لوضع خطط تصلح أن تكون منطلقا للوحدة بين شطري السودان ... أسوة بتجربة شطري اليمن العربية .. وتجربة شطري ألمانيا الأوربية ...حتى ولو يدعو الأمر ببعث الوفود لدراسة هاتين التجربتين في كل من اليمن وألمانيا ...و يجب ألا نلتفت لأي مثبطات من هنا أو هناك ...و ﻻ نأبه باي عراقيل يضعها الأعداء ...و ﻻ ننظر لحداثة الإنفصال الذي لم يتعدى السنة إلا بقليل ..فلم ﻻ نعود ونتحد من جديد ؟؟؟؟ وليس هنالك مستحيل أبدا ...فلو إنبثقت من كل حزب من أحزاب البلدين لجنة خاصة بعودة الشطرين إلى سابق عهدهم ... ﻻ أظن سنخذل مع صدق النوايا ...ونبذ الخفايا ...وبدلا من مناقشة القضايا العالقة في أديس ... خلونا نعمل على مسح القضايا العالقة ... أو نسيانها تماما لمصلحة العودة للوحدة ...وان تكون الحدود الآن بين البلدين كالحدود بين ولايات البلدين ... ﻻ نشهد فيها أي مظاهر للتسلح .. أو التشنج ..بالضبط كما هو الحال بين المسيرية ودينا نوك في منطقة أبيي ..وعلى سلفا أن يتراجع عن مقولته إبان إحتفال التنصيب مخاطبا ناس النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور : ( لن ننساكم !!!! ) فعودة الوحدة تبدأ من هنا لو كانوا يفقهون ...