تخسر مصر الكثير من التأييد الدولى ومن تعاطف الرأى العام العالمى مع ثورتها والمطلبية الشعبية على الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم التى عبرت عنها على وقع تفاقم أزماتنا السياسية والاقتصادية. فالدول المأزومة، حتى حين يكون لها أهمية مصر الاستراتيجية، تبتعد عنها تدريجيا دوائر التأييد والتعاطف الدولى، الحكومية وغير الحكومية، وتترك لحالها أو يقتصر التفاعل معها على الحد الأدنى الضرورى لمنع انهيار كامل أو فوضى كارثية. أسجل هذا باتجاه رئيس الجمهورية وحزبه وجماعته الذين يديرون الشأن المصرى على نحو محدود الكفاءة وقدرتهم على تجاوز الأزمات السياسية والاقتصادية تكاد تكون منعدمة. ثم يعتقدون أن دوائر التأييد والتعاطف الدولى ستستمر، وأن مصر ستحصل حتما على المساعدات والمعونات التى يطالبون بها، وأن مجرد مخاطبة الخارج باسم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية يكفى لكى تدرك الحكومات الغربية والمؤسسات الاقتصادية الدولية والرأى العام العالمى ضرورة الدعم غير المشروط لمصر التى (هكذا يقولون) لن يسمح دوليا بانهيارها. أما حقيقة الأمور فهى أبعد ما تكون عن مثل هذا التسطيح الرئاسى والحتمية الإخوانية. دعم الحكومات الغربية والمؤسسات الاقتصادية الدولية، كصندوق النقد الدولى، للاقتصاد المصرى، يرتبط بتجاوز الأزمة السياسية الراهنة عبر بناء توافق بين الحكم والمعارضة وبوضع برنامج اقتصادى واجتماعى متماسك لكى لا يتحول الدعم والاقتراض إلى أداة وحيدة لسد العجز الرهيب فى الموازنة العامة. دعم الحكومات الغربية والمؤسسات الدولية يرتبط بكفاءة الإدارة الحكومية المصرية وهذه اليوم، حتى حين ترسل وفود رسمية إلى الخارج من أجل التفاوض على الدعم والمساعدة والقروض (كحالة الوفد المصرى الذى شارك بالاجتماع السنوى لصندوق النقد الدولى)، لا تتسم لا بالكفاءة ولا القدرة على التواصل مع العالم بلغته. بل يغيب عن الإدارة الحكومية تحديد خطوط المسئولية السياسية وصناعة القرار بوضوح نظرا للصراع المستعر بين الإدارة الرسمية (الحكومة والوزراء) وغير الرسمية (جماعة الإخوان ومستشاريها فى الوزارات)، ويلحق من ثم ضررا بالغا بالمصالح الوطنية المصرية. التأييد والتعاطف العالمى، الحكومى وغير الحكومى، يرتبط باتخاذ الرئيس المنتخب وحزبه وجماعته خطوات مقنعة لبناء الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. أما حين يرتكز دورهم إلى سياسات الهيمنة والسيطرة (قانون الجمعيات الأهلية وقانون السلطة القضائية اللذان يناقشهما مجلس الشورى) وإلى تصفية الحسابات السياسية مع المعارضين (قانون السلطة القضائية مجددا والضغط المستمر على المعارضة وتشويهها) وإلى التأسيس لثنائية الإدارة الرسمية (الرئاسة والفريق الحكومى والحزب) والإدارة غير الرسمية (الجماعة وصناع القرار بها ومستشاريها)، فلا تأييد ولا تعاطف عالمياً بل قلق وهواجس وعلامات استفهام كثيرة مشروعة. نتيجة غياب التوافق السياسى وغياب الإدارة الحكومية ذات الكفاءة هى تراجع التأييد والتعاطف العالمى، الحكومى وغير الحكومى. نتيجة تفاقم الأزمات الاقتصادية دون حلول وفى ظل أوضاع سياسية داخلية يضاف إلى اضطراباتها بقرارات خاطئة وفى توقيتات خاطئة (قوانين السلطة القضائية والجمعيات الأهلية) هى تصاعد الشك فى الرئيس الإخوانى المنتخب وحزبه وجماعته. النتيجة هى أن مصالحنا الوطنية يلحق بها الكثير من الأضرار، والحكم يعتقد أن مجرد الوساطة الناجحة بين إسرائيل وحماس تكفى لضمان الدعم الغربى وأن الحصول على الأموال القطرية والتركية هو مفتاح تجاوز الأزمات. ويالبؤس وكارثية ما يعتقد الحكم!