المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    تعادل باهت بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    تقرير مسرب ل "تقدم" يوجه بتطوير العلاقات مع البرهان وكباشي    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    بعد الدولار والذهب والدواجن.. ضربة ل 8 من كبار الحيتان الجدد بمصر    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وانا اصدق كل ما قال النبيذ
نشر في سودانيات يوم 12 - 05 - 2013


خارج الدوام
وانا اصدق كل ما قال النبيذ
محمد عثمان ابراهيم
www.dabaiwa.com
شكراً جزيلاً لأبي عمر، فقد برع نزار قباني حين جعل للنبيذ ضعف مصداقية حبيبته المتخيلة (مايا) إذ قال:
مايا تقول بأنها لم تبلغ العشرين بعد
وإنها ما قاربت أحداً سوايا
وأنا اصدق كل ما قال النبيذ وكل ما قالته مايا
...
مايا تكرر أنها ما لامست أحداً سوايا
وأنا أصدق كل ما قال النبيذ ونصف ما قالته مايا
خلال اجازتي قبل الأخيرة رأيت رأي العين كيف هي الخرطوم آمنة: توقف سيارتك فتجدها بلا مرايا ثم تذهب بحثاً عن مرايا فتشتري من (سوق الحرامية) ذات الزوج من المرايا الذي سرق منك. حدثني صديق قبل سنوات انه اشترى بنطالاً مسروقاً منه في وسط الخرطوم وإنه حين حاول مواجهة البائع غالظه بعبارة (وبنطلونك دة في السوق مافي زيو؟). خلال إجازتي الماضية ايضاً روى لي اكثر من سائق خاص كيف يوقف بعض اللصوص السيارات بذريعة توسل فضل الظهر ثم يخطفون الموبايل او اللابتوب ويغافلون صاحب الظهر وينزلون أو يقفزون إن واتت الفرصة. إذا سرق منك شيء ثمين فإن أول مكان تذهب للبحث فيه هو (سوق الحرامية) الذي ترعاه مؤسسات بعينها بذريعة الحفاظ على مصادرها فيه. في الأول من فبراير 2010، نشرت الزميلة (الأهرام اليوم) أن مدير عام قوات شرطة السودان الفريق أول هاشم عثمان تعرض لسرقة ألف جنيه من سيارته. المدير العام السابق لجهاز المخابرات د.قطبي المهدي تعرض لحادثة سرقة شهيرة فقد فيها حزمة من أوراق البنكنوت المحلية والأجنبية. هذا أمر ليس للضحك مثل نكتة حسن مصطفى في مسرحية مدرسة المشاغبين عن عادل امام الذي سرق سيارة رئيس مكتب مكافحة سرقة السيارت. الخرطوم جادة تماماً وأمام لصوصها يستوي الغني والفقير، والسلطان النافذ بمن لا يملك بطاقة انتخابية. كاتب هذه السطور اكتوى من لصوص الخرطوم لذا فإنني اتخذت من التدابير ما يجعلني في حصن منهم. في المرة السابقة سرقوا ذاكرتي المعدنية وذاكرتي الشخصية بما احتوته من أوراق عزيزة وصور وذكريات لا تقدر بثمن كانت مخزونة في الكمبيوتر المحمول والهاتف الذكي والكاميرا. الحقيقة كانت تدابيري سلبية وهي ألا أحضر معي ما اخشى عليه من الممتلكات وأن اترك حقائبي في دبي ثم اعود اليها في طريقي الى تكملة إجازتي بالمملكة المغربية.
الأصدقاء داعبوني بتجربتي المفزعة في إجازتي الخرطومية السابقة فقلت لنفسي المزيد من الحذر واجب وقررت تفادي الخرطوم تماماً هذه المرة كما فعلت في مرة سابقة إذ جئت لبورتسودان من القاهرة وعدت اليها دون أن أمر بالعاصمة (الآمنة)!
حسناً إذن فعلت بالسفر مباشرة الى بورتسودان من دبي هذه المرة وهذه مزية نباهي بها أهل عواصم الولايات الأخرى إذ يتحتم عليهم جميعاً دخول السودان عن طريق الخرطوم. أقول حسناً فعلت لأنه في نفس اليوم الذي توجهت فيه طائرتي لبورتسودان، نشرت وسائل الإعلام تصريحات والي الخرطوم عبدالرحمن الخضر والتي يقول فيها إن حكومته أصبحت أكثر اطمئناناً على الأحوال الأمنية فزايد عليه نائب مدير عام الشرطة الفريق العادل العاجب بأن الخرطوم اكثر عاصمة آمنة في العالم. الحقيقة انني استمعت للفريق العاجب عدة مرات في مناسبات سابقة واعتقد أنه قد خانه التعبير هذه المرة فهو رجل مثقف ومنضبط ودقيق لكنني أصدق كل ما قال النبيذ ولا شيء مما يقوله الوالي الخضر!
الخضر لديه مخزون مكثف من التصريحات لا مؤاخذة الكاذبة (بلغة الراحل محمد مستجاب) من نوع الخرطوم من أكثر المدن أمناً على المستويين العالمي والإقليمي (الصحافة 28/11/2011) ومثل أن الخرطوم آمنة (تماماً) وليس فيها “مجرد شخشخة" (السوداني 26/12/2012). من لديه وقت عليه مراجعة احصائيات الجريمة في الفترة ما بين التصريحين وهي شهر واحد. لسنا بصدد حصر تصريحات الوالي (البمبية) لكننا نريد منه رداً على ما يثار الآن على الإنترنت حول ظاهرة سرقة حقائب القادمين في مطار الخرطوم فلربما اتحفنا بتصريح من على شاكلة أن مطار الخرطوم هو المطار الأكثر أمناً في العالم! ربنا قادر.
وما دمنا جئنا على سيرة المطارات فينبغي ألا ننسى مطار بورتسودان حيث عربات الترولي لا تصلح لشيء وحيث دورات المياه طافحة وتؤذي برائحتها كل المكان وحيث التأخير هو سمة كل الخدمات. إن العدو الرئيسي لتشجيع الإستثمار في السودان، يا دكتور مصطفى عثمان اسماعيل، هو هيئة الطيران المدني فهي قادرة على طرد كل قادم و(تمريره بتجربة) سيظل يذكرها الى الأبد. المطار يقدم للزائر الإنطباع الأول وهو إما ان يجعل الزائر يحب البلاد أو يكرهها. هيئة الطيران المدني في السودان قادرة ليس فقط على حيازة كراهية الزوار فقط للبلاد بل هي قادرة على طرد المواطنين أيضاً.
في 15 يوليو 2012 الماضي، عقد وزير السياحة بولاية البحر الأحمر عبدالله كنة مؤتمراً صحفياً عاصفاُ طالب فيه سودانير بالإنسحاب من الولاية وترك المجال لطيران الشركات الخاصة الذي أثبت قدرته على تقديم خدمة أفضل وأرقى. ليته طالب بإغلاق مطار بورتسودان أو أيلولته لسلطات الولاية التي بدأت منذ سنوات التحليق في فضاء الإنجاز بالرغم من محاولات الطيران المدني وسودانيره جر الولاية كلها خارج التاريخ. كل شيء لا يصلح في مطار بورتسودان ولو كانت الحكومة جادة في عمل شيء، عليها ان تبعث أحد مساعدي الرئيس ممن لا يفعلون شيئاً سوى السعي لاقتناص الصحفيين، فيسافر ويرى بعينه كيف يطلق الطيران المدني الرصاص على قدمي الوطن كله.
أيها الحكومة اسمعي: الحل في خصخصة المطارت كلها ومنح امتياز ادارتها لشركات خاصة، لا مناص! ولتفادي أي اشكالات أمنية محتملة، يمكن منح كل مطار لشركة مختلفة عن الأخرى بحيث يستحيل تعطيل حركة كل المطارات في وقت واحد في حالة حدوث نزاعات ذات صلة ب(البيزنس) أو حقوق العمال أو غيرها.
***
لكن السودان غني بثروته الأغلى وهي البشر. ينبغي ان اسجل انبهاري الشديد بالتطور الهائل الذي طرأ على شرطة السودان. كانت لدي ثلاث تجارب مع الشرطة اود الإشارة اليها بكثير من الإعتزاز وفائض من الفخر.
في دبي ذهبت لمبنى القنصلية السودانية في دبي بغرض استخراج تأشيرة دخول لزوجتي التي تحمل جوازاً أجنبياً وطفلي الصغير الذي لم يتيسر لنا اضافته الى جواز سفري مع إخوته الأكبر. كنت قبلها قد طلبت من صديقنا الأديب والشاعر د.خالد محمد فرح، سفير السودان في باريس، أن يتكفل بالتصديق على تأشيرات (كاونتر) لكنه أبلغني بأنهم لا يعملون بهذا النظام في فرنسا وأنه واثق ان الإخوة في دبي سيعملون اللازم وإن الأمر لا يحتاج لشيء. ليطمئن قلبي أرسل لي رقم هاتف السفير محمد الحسن ابراهيم، القنصل العام لجمهورية السودان في دولة الإمارات ويبدو أنه أبلغ صديقه السفير بحضوري. المهم ذهبت الى مبنى القنصلية مبكراً وقدمت طلبي مباشرة في نافذة الخدمة المخصصة للجمهور كما ينبغي لي بالطبع. التعامل الراقي لافت مع الجميع. الموظفون يبتسمون في وجوه مقدمي الطلبات بالرغم من ازدحام العمل حيث تقوم هذه القنصلية بخدمة 90 ألف مغترب هناك. كنت قد أكملت معاملتي ولم يتبق لها غير توقيع ضابط الجوازات حين وصل القنصل. قدرت أن للرجل موقع رفيع من طريقة تحية الموظفين له. بادل بعض منهم تحيات الصباح فقمت بالإتصال بهاتفه النقال وتعرفنا على بعض. الحقيقة أكرم الرجل وفادتي واستضافني بمكتبه العامر وتعرفت بسرعة على عدد من دبلوماسيي السفارة سواء بالطواف على مكاتبهم أو ممن جاءوا الينا في مكتب القنصل. قلت لمرافقي: في هذه السفارة ومع هذا الفريق لا أحد يحتاج لواسطة. الحقيقة تعاملت خلال إقامتي بالخارج مع عدد محدود من سفارات بلادي ووجدتها دائماً باستثناء سفارة القاهرة كأرقى ما تكون البعثات المشرفة. ترى من الذي يفسد طريقة تعامل الموظفين مع الجمهور داخل السودان؟ وهل سنحتاج يوماً لنبعث كافة العاملين في الخدمة المدنية في السودان في دورات تدريبية بسفاراتنا بالخارج؟ عرفت من السفير محمد الحسن أن هناك فريق من الشرطة السودانية يزور الإمارات حالياً بغرض استخراج الرقم الوطني. ودعت السفير فقد بدأ مكتبه في الإزدحام وبدأ هاتفه في الرنين المتصل. من مكتبه ذهبت لغرفة استخراج الرقم الوطني لأرى العمل دون وساطات. لا أحد هنا يقرأ الصحف ولا أحد يعرفني ثم إن الكثيرين ممن يعرفون اسمي، لا يربطون ذلك مع شخصي. اتخذت مكاني في الصف حيث الجميع جلوس في القاعة الرحبة. سمعت أحد الضباط يحكي لواحد من المراجعين انهم كانوا يعملون ليل امس حتى الثانية صباحاً في إمارة رأس الخيمة ثم عادوا بعدها لدبي ليبدأوا العمل هنا منذ التاسعة صباحاً. لم يبد على اي من الفريق ارهاق يؤثر على عملهم. لطيفين جداً كانوا مع الجمهور وبارعين كانوا في التعامل مع الكمبيوتر ومهذبين على النحو الذي يتعامل به السودانيون الأسوياء. حين وصلت لنقطة الختام في اجراءات استخراج رقمي الوطنين اخرجت محفظتي لدفع ما توقعته من رسوم فأبلغني الموظف أنه لا توجد رسوم وان كل هذا من الحكومة مجاناً! قلت له ضاحكاً لا بد أن الحكومة "مغروضة" جداً في هذا الرقم الوطني إذ لم نعتد منها خدمة مجانية! يا أهل السودان تبيعون الدواء وتقدمون الرقم الوطني مجاناً؟
يستحق فريق الشرطة في الإمارات وطاقم القنصلية الإشادة والتقدير، اما رئيسها القنصل العام السفير محمد الحسن ابراهيم فيستحق فصلاً في كتاب الدبلوماسيين المحترمين، شكراً سعادتك!
***
الموقف الثاني مع الشرطة كان في جوازات بورتسودان حيث صديقنا العقيد بابكر أونور. اعرف الرجل مذ كان ملازماً وطالباً زميلاً في جامعة النيلين. خدم بابكر في مثلث حلايب وبقي خمس سنوات هناك ضمن قوة سودانية كلفت بالحفاظ على مكانها بعد دخول الجيش المصري!
بعد سنوات الحصار في حلايب عاد بابكر لعمله فاصاب الناس خيراً كثيراُ من بره، ثم أوفد الى ليبيا في أصعب لحظات العلاقة بين البلدين حيث كان بحكم وظيفته على صلة بأحد أكثر الملفات تعقيداً هناك وهو ملف تهريب البشر من السودانيين ومن ينتحلون الهوية السودانية الى أوروبا. تجولت في مبنى شرطة الجوازات الجديد فرأيت قاعة باسم الراحل العظيم الشهيد اللواء طاهر بخيت أبكراي ومكاتب انيقة، وأجهزة كمبيوترات تجلس عليها موظفات يقمن على خدمة الجمهور ببراعة، وسرعة، واتقان. ها قد انقضى زمن الصفوف الطويلة، والحشود المتكاثرة، والسماسرة الذين كانوا يقضون يومهم أمام مكاتب الشرطة وهم يعلنون عن قدرتهم على الحصول على توقيع جنابو فلان أو علان. إذا ارادت الشرطة في السودان ان تكون شرطة حقيقية فلتفعل كما تفعل الشرطة في جوازات بورتسودان. علق مرافقي أن أغلب الموظفين في مكاتب بورتسودان من النساء فقلت الحمد لله أن هيأ لأمهاتنا وإخواتنا رزقاً حلالاً كريماً وآمل ان تتسع مكاتب المدينة وظلالها ليتفأنها فهن مستحقات لا مراء في ذلك.
الفريق الثالث من الشرطة الذي يستحق الإشادة هو فريق شرطة مطار بورتسودان من جمارك وشرطة مدنية. احتجزت شرطة الجمارك إحدى حقائبي للفحص ولم تجامل الشرطة نفراً من الرجال ذوي الهيئات كانوا في استقبالي. تم تفتيش حقيبتي وعاملتنا رئيسة الفريق وهي شرطية برتبة رائد بكل مهنية واحترام. يا للهول ضابط شرطة في السودان يعامل مواطناً باحترام؟ الدنيا فعلاً تغيرت فسبحان مغير الأحوال! رجال الشرطة يقدمون لك الخدمة ويدعون لك بسلامة الوصول ويداعبون اطفالك بحنو ومودة. شكراً للمساعد شرطة السر الذي تفانى في خدمتي دون أن يعرفني وشكراً لصالة كبار الزوار التي كانت مغلقة والتي حرمتنا سابقاً من التعرف على بهاء هؤلاء الرجال والنساء في شرطة المطار.
النماذج التي ذكرتها هي صورة مصغرة للسودان العظيم ورأسماله الأغلى: الإنسان.
***
كتبت عدة مرات عن ولاية البحر الأحمر وقلت أكثر من مرة إن الوالي محمد طاهر ايلا يقود مشروعاً ثقافياً وحضارياً بامتياز نجح في اعادة تقديم الولاية وأهلها بصورة مختلفة للشعب السوداني كله. كثيرون من الولاية والمركز مشفقون على المشروع من أعداء النجاح المنتشرين في بورتسودان والخرطوم على السواء. المشروع الثقافي في البحر الأحمر بات (نمطاً) تسعى لتقليده الولايات الأخرى دون اعتبار لإمكانياتها الخاصة أو قدراتها مثل ولاية كسلا التي بدلاً من أن تقدم للسودان مشروعاً لصناعة الأغذية، أو لإنتاج محاصيل ذات عائد نقدي قامت باستنساخ مهرجان البحر الأحمر للسياحة والتسوق البورتسوداني! يا له من خيال قاصر أنتجه قادة أميون! سمعت ان نهر النيل أيضاً استنسخت المهرجان وحسناً فعلت الحكومة اذ اقالت والي جنوب دارفور الذي دعا مواطني السودان للسياحة في ولايته.
بورتسودان جميلة لكن الصحة العامة في الولاية تحتاج الى جهد كبير. تحتاج الى جهد لا يحتاج لإمكانيات كبيرة لكنه يحتاج لرؤية من قبل وزارة الصحة ولجنة الصحة بالمجلس التشريعي ومعتمدي المحليات. البقية نكتبها إن شاء الله في صحيفة (برؤت) المحلية التي تصدر في بورتسودان.
كان علينا ان نبقى بالطائرة لأكثر من ساعة ونصف تقريباً في بورتسودان بسبب وجود راكب أجنبي قدم لبورتسودان دون ان يحمل تأشيرة دخول مسبقة. الطائرة التي أقلتنا من دبي لبورتسودان كان أغلبها من السواح الأوروبيين والطائرة العائدة الى دبي كانت كذلك. السياحة في بورتسودان حقيقة ووجود (الخواجات) ماثل للعيان لكنهم سيتوقفون قريباً عن زيارة البحر الأحمر اذا بقيت سلطات المطار على حالها.
ترى لماذا يصر السودان على ضرورة حصول الزوار الأجانب على تأشيرات مسبقة؟ هؤلاء الأوروبيون يدخلون الى الإمارات العربية وقطر مثلاً دون تأشيرات مسبقة وإنما يحصلون عليها في المطار لأن حكومات الإمارات وقطر تعرف مصالحها ومصالح شعبها. إن دخول الأوروبيين للسودان أمر مطلوب وهو يقدم للدولة والحكومة خدمات كبيرة أقلها الحصول على دولاراتهم. دخول الأوروبيين غير الرسميين يعني تقديم الصورة الإيجابية للشعب السوداني عوضاُ عن تلك الصورة التي تصر حكومة الإنقاذ على الصاقها بنا. موضوع دخول الأوروبيين كله فائدة اذا نظرت اليه من اي جانب ويمكن لهواة السفر من المسئولين الحكوميين أن يسافروا لدراسة التجربة الجزائرية أو الكينية ليتعرفوا على كيف استفادت الجزائر وكينيا من دخول الأوروبيين في تثبيت استقرارها ودفع رخائها وخدمة مصالحها الدولية!
في الطائرة كان هناك ايطالي قلق يهدد بتقديم شكوى إن فاتته الطائرة المتجهة من دبي الى روما، وعلى مقربة منه كان هناك مستثمر اردني يتحدث بغضب لصديق له عبر الهاتف وكل مرة يستخدم مفردة شديدة البذاءة لكنني كنت في وضع ضعيف جداً لا يسمح لي بالدفاع عن سلطات المطار.
اليوم التالي كنت في الدار البيضاء. نمت مطولاً ثم بدأت في مشاهدة التلفزيون وقراءة الصحف. المغرب كلة مقلوب رأساً على عقب بسبب اقتراح امريكي بتوسيع مهمة بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الإستفتاء في الصحراء (المينورسو) لتشمل حماية حقوق الإنسان.
الحكومة اتخذت اجراءات دبلوماسية قاسية ضد الولايات المتحدة، والإعلام كله (يساراً ويميناً) يقف ضد أمريكا، والبرلمان يعقد جلسات لمناقشة الأمر تتبارى فيه الحكومة والمعارضة واليمين واليسار على رفض التدخل الدولي. المعارضة لم تتخذ الأمر للمزايدة على الحكومة وتحميلها وزر الإخفاق بل وقفت معها وأيدتها بالرغم من أن القضية كانت كلها مجرد مقترح عير رسمي تبنته الولايات المتحدة في مجلس الأمن.
تذكرت بلادي العزيزة حين تكون على خلاف مع دولة أجنبية. الأمر يتحول عند المعارضة الى أزمة تسببت فيها الحكومة وكثير من قادة المعارضة يقفون الى جانب الدولة الأجنبية! هل تريدون أمثلة؟
انتهت الإجازة والحديث لم ينته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.