مناوي: قمت بتنوير الخارجية الألمانية بموقف الحكومة السودانية    بسبب ليونيل ميسي.. أعمال شغب وغضب من المشجعين في الهند    فريق عسكري سعودي إماراتي يصل عدن    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    ترامب يلغي وضع الحماية المؤقتة للإثيوبيين    كارثة إنسانية قبالة اليونان وغالبية الضحايا من مصر والسودان    إحباط عمليه إدخال مخدرات الى مدينة الدبة    المريخ " B"يكسب ودنوباوي بخماسية نظيفة والقائد يغادر إلى القاهرة    كورتوا ينقذ الريال من هزيمة كبيرة    السعودية والأردن إلى نصف النهائي    مقتل قائد بالجيش السوداني    شاهد بالفيديو.. آخر ظهور لفنان "الدعامة" إبراهيم إدريس يظهر وهو يحتفل وسط جنود المليشيا قبل أيام قليلة من إغتياله    شاهد بالفيديو.. آخر ظهور لفنان "الدعامة" إبراهيم إدريس يظهر وهو يحتفل وسط جنود المليشيا قبل أيام قليلة من إغتياله    الإعلامية والشاعرة داليا الياس ترد على إتهام الجمهور لها بالتسبب في فصل المذيع الراحل محمد محمود حسكا من قناة النيل الأزرق    شاهد بالصور.. فنان الثورة السودانية يكمل مراسم زفافه بالقاهرة    عثمان ميرغني يكتب: المفتاح الأساسي لإنهاء حرب السودان    تجمع الأطباء السودانيين بالولايات المتحدة (سابا) يقود مبادرات لإنقاذ المؤسسات الصحية    في أقل من شهر تلقى قطاع الطاقة والنفط في السودان ثلاث ضربات موجعة    بين الغياب كعقاب والغياب كحاجة نفسية    بعد مباراة ماراثونية.. السعودية تقصي فلسطين وتحجز مقعدها في نصف نهائي كأس العرب    رئيس الوزراء يشهد تدشين الربط الشبكي بين الجمارك والمواصفات والمقاييس    لجنة التحصيل غير القانوني تعقد أول اجتماعاتها    أطعمة ومشروبات غير متوقعة تسبب تسوس الأسنان    جود بيلينغهام : علاقتي ممتازة بتشابي ألونسو وريال مدريد لا يستسلم    إليك 7 أطعمة تساعدك في تقليل دهون الكرش طبيعياً    شاهد بالفيديو.. بطولة كأس العرب تشهد أغرب لقطة في تاريخ كرة القدم    والي الخرطوم يبحث مع بنك السودان المركزي تمويل إعادة تأهيل مشروعات البنى التحتية والتمويل الأصغر    محمد صلاح.. الجانب الخفي في شخصية لا تعرف الاستسلام    الدونات واللقيمات ترفع خطر السكري بنسبة 400%    الإعلامية سماح الصادق زوجة المذيع الراحل محمد حسكا: (حسبي الله ونعم الوكيل في كل زول بتاجر بي موت زوجي.. دا حبيبي حتة من قلبي وروحي انا الفقدته وفقدت حسه وصوته وحبه)    حَسْكَا.. نجمٌ عَلى طَريقته    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    وفاة إعلامي سوداني    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    هيئة مياه الخرطوم تعلن عودة محطة كبيرة للعمل    شاهد بالفيديو.. العروس "ريماز ميرغني" تنصف الفنانة هدى عربي بعد الهجوم الذي تعرضت له من صديقتها المقربة الفنانة أفراح عصام    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    رئيس مَوالِيد مُدَرّجَات الهِلال    تنويه عاجل لهيئة مياه الخرطوم    تصريحات ترامب المسيئة للصومال تثير غضبا واسعا في مقديشو    قرار عاجل لرئيس الوزراء السوداني    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    إدارة التعدين بولاية كسلا تضبط (588) جرام و (8) حبات ذهب معدة للبيع خارج القنوات الرسمية    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    إحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات والمواد الخطرة بنهر النيل    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    إحباط تهريب أكثر من (18) كيلوجرامًا من الذهب في عملية نوعية    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    إحباط تهريب أكثر من (18) كيلوجرامًا من الذهب في عملية نوعية    وصول 260 ألف جوال من الأسمدة لزراعة محاصيل العروة الشتوية بالجزيرة    شاهد.. بعبارة "كم شدة كشفت معادن أهلها" صورة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تزين شوارع العاصمة السودانية الخرطوم    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيكولوجية فرض الكفاية و اسْتِبْهَامِ * الثورة السودانية !
نشر في سودانيات يوم 20 - 08 - 2013


(1)
التراكم المعرفي هو أحد أهم العوامل التي تحدد سمات وطبيعة العقل الجمعي للشعوب، هذا بالإضافة لعوامل أخرى منها الإرث المدني والحضاري وانتشار الوعي والتعليم في المجتمع وفعالية المواعين السياسية والاجتماعية والثقافية المنظمة لحياته، فالعقل الجمعي للمجتمعات المدنية المستقرة يختلف بدرجة كبيرة عن تلك الرعوية الراحلة وهو أمر بديهي، ويتجلى أكثر ما يتجلى في اختلاف النفسية أو السيكولوجية للفرد داخل كلا المجتمعين الذي أثرت في كل منهما جملة عوامل ومؤثرات مختلفة، وتخلقت نتيجة لهذا ما يمكن تسميتها بسيكولوجية "فرض العين" لدى المجتمعات المدنية وسيكولوجية "فرض الكفاية" لدي البدوية.
(2)
ووِفْقا لهذا التصنيف يمكن قراءة وتحليل كثير من الظواهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكذا يمكنا عبر هذا التصنيف أن نحدد طبيعة أي مجموعة بشرية بمراقبة سلوكها وممارستها؛ لنكتشف بيسر إن كان إرثها حضري أم بدوي، وهذا التصنيف على بساطته يمكن عبره تحليل ظواهر تبدو في غاية التعقيد مثل مسألة تعثر الثورة السودانية، رغم توافر ظرفها الموضوعي وتقديم الإجابة على السؤال المحير "لماذا لا نثور دون العالمين؟!" وقد ثارت شعوب تعيش في ظروف اقتصادية وسياسية أفضل في كل من " تونس ومصر".
(3)
السمة الملاحظة في المجتمعات الرعوية حديثة الاستقرار هو ضعف الإحساس بالوثاق الوطني، فنجد مغالبة الإرث البدوي لعوامل المدنية يحد من عملية الانصهار العرقي ويعطل بلورت الهوية الوطنية ويجعل أمر التوافق عليها عسيرًا ومراحل بنائها بالغة التعقيد، فقوة اللحمة في معادلة صياغة الهوية في تلك المجتمعات البدوية تتمحور حول مركز النواة المجتمعية "الأسرة" عكس ما عليه الحال في المجتمعات الحضرية التي تتمكن بيسر من التراضي على طبيعة هويتها الوطنية بسبب تلاشي الحمية البداية وسيادة الوثاق الوطني بمفهومه الحضاري الشامل وابتعاد مفهوم صياغة الهوية عن مركز النواة المجتمعية.
(4)
فالحمية البداية في المجتمعات البدوية تظل تراوح عند حدود العشيرة، ومبلغ تقدمها بلوغ تخوم القبيلة، والتي عندها يتعطل تماما الشعور بوجود "الآخر" من غير منسوبي القبيلة، ويغدو أمر إيجاد قواسم مشتركة معه تأسس لبلورة هوية وطنية أمرًا شديد العسر وبالغ التعقيد، يحتاج لجهد خرافي في ظل تجمعات بشرية غير مستقرة أو حديثة الاستقرار، تعاني من الجهل وانتشار الأمية، فالعلاقة بين العقل الجمعي البدوي والهوية الوطنية علاقة "عكسية"، عكس تلك "الطردية" التي تميز العقل الجمعي الحضري.
(5)
فالإرث البدوي يجعل متانة اللحمة الاجتماعية عكس تطور أواصر الهوية الوطنية وينحو بها نحو النواة المجتمعية الأولى، فنجد الوثاق العائلي أرقي مرتبة يليه العشائري ثم القبلي بينما يظل الوثاق الوطني الشامل باهتًا وضعيفًا، وفي مؤخرة اهتمامات الفرد، وعلى هذا الفهم قامت معظم المواعين التنظيمية المنظمة لحياة وحركة المجتمع السوداني.
(6)
فبالنظر للأحزاب السياسية مثلا نجد ثقلها الجماهيري يعتمد بصورة مطلقة على هذا الفهم، خاصة الأحزاب التقليدية؛ فالأعضاء فيها غير معنيين ببرنامج الحزب ولا سياساته، فالولاء والطاعة يحكمهما الانتماء للطائفة ولزعيمها الذي أسبقت عليه الصدفة نوعا من القداسة، والعجيب في الأمر أن هذا النهج قد انتقل بصورة من الصور للأحزاب الحديثة في اليمين واليسار، الشيء الذي افقدها الرؤية الشاملة والثاقبة، وحدَّ من واقعية برامجها فأضحت أيضا عبارة عن تجمعات طائفية وقبلية ذات هياكل حداثوية.
(7)
مثل هذه الأحزاب المشبعة بالثقافة البدوية عادة ما تسقط في امتحان القضية الوطنية، ففعاليتها تظل محدودةً ورهينة العقل العشائري، ويصعب عليها الانفلات من هذا الأفق المحدود الذي يرمي بظلاله على البرامج والسياسات النابعة أصلا من سيكولوجية "فرض الكفاية" عديمة الأفق والخيال شديدة التقاعس في قضاء حوائج الشأن العام.
(8)
سيكولوجية "فرض الكفاية" وسلوكياتها الكامنة في العقل الجمعي هي الإجابة على سؤال "لما لا نثور دون العالمين؟" كما أن استبهام الفعل الثوري السوداني يعود لنفس السبب، والدليل على ذلك ما حدث أثناء وبعد الانتفاضتين الشعبتين في أكتوبر 1964م وإبريل 1985م من تفريطٍ أدى لسرقتهما من قبل قوى الثورة المضادة، بينما لا نزال نتغنى بمجدهما ونباهي الأمم؛ وهما لم يرقيا في حقيقة الأمر لمستوى الفعل الثوري الكامل الدسم، ولم يحققا من أهداف الثورة وشعاراتها سوى هدف إسقاط النظام، الذي أجهض بدوره سريعا بإنتاج نظم ديمقراطية كسيحة سلبياتها تفوق سلبيات النظم الدكتاتورية المسقطة.
(9)
ولا مخرج للوطن من هذه "الترترة التاريخية" و"الحلقة الشريرة" دون تحديث المواعين المنظمة لحياة المجتمع، أو إعادة إنتاج مواعين تنظيمية جديدة إذا ما تعذر التحديث؛ تكون مواكبةً لروح العصر، ولها القدرة على التعاطي الايجابي مع الشأن العام وفق سيكولوجية "فرض العين" الحضرية، تأسس لأحزاب ومنظمات سياسية ينبثق فكرها وبرامجها من الواقع ، في توافقٍ تام مع معايير العصر التي بدأت تتبلور في العقل الجمعي للأجيال الحديثة، التي تخلصت بقانون التراكم من شوائب وأدران مجتمعات البداوة، وراكمت من المعارف والوعي ما يؤهلها للانتقال لحلقة تاريخية جديدة ونفض اليد كليا من المورث القديم.
(10)
وفي هذا السياق يمكن النظر وفهم مبادرة شباب "نفير" التي أدهشت المجتمع، وانفعل معها كمؤشر حقيقي يشير لبداية حدوث هذه النقلة التاريخية المهمة، التي يجب أن تلتقط لحظتها وتستكمل دورتها الأجيال الشابة بالعمل على بناء تنظيمات سياسية واجتماعية جديدة، غير تلك التي هرمت وشاخت وانتهى دورها التاريخي، باضمحلال الثقافة الرعوية والبدوية التي كانت تغذي وتهيمن على سيكولوجية الفرد و العقل الجمعي.
. اسْتِبْهَامِ الأمرِ يعني ارْتِباكِهِ )القاموس المحيط(
** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.
27/06/2013م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.