د .زهير السراج * جاء فى بيان الشرطة الذى نشرته صحيفة (الجريدة) إن أحد أسباب اتهام المهندسة (أميرة عثمان حامد ) بارتداء (زى فاضح) هو لون الزى وان البلوزة بدون أكمام، واكرر بأن تهمة (الزى الفاضح) توجد فى القانون الجنائى العام (المادة 152 ، 1 ) وليس قانون النظام العام الذى لا يحتوى على أية اشارة للزى، ولكن خُصت شرطة النظام العام بتطبيق هذه المادة ضمن مواد أخرى من نفس القانون بالاضافة الى قانون النظام العام وذلك من أجل إخضاع المجتمع وإذلاله كوسيلة من وسائل السيطرة السياسية عليه، إذ ان تطبيق شرطة النظام العام للقانون فيه الكثير من الغلظة وسوء الفهم والتجاوزات مما يخيف العامة من مخالفة اوامر الدولة مهما كانت مجحفة وظالمة. * بالتحديد اورد البيان إن (اميرة) كانت ترتدى "بلوزة مطاطية بلون بنفسجى بدون اكمام واسكيرت بلون سماوى"، وبما أن البلوزة كانت بأكمام طويلة تغطى معظم اليد تقريبا (الى ما بعد العضد والكوع) فان هذا يجعل اى شخص يفهم ان (لون الزى) قد دخل اخيرا الى حلبة تحديد مواصفات الزى الفاضح، بينما هى مسألة ذوق ومزاج، ولا دخل للقانون بها، ولا توجد فى اى قانون سودانى اشارة لها، ولا حتى فى اللائحة التى اصدرها مدير شرطة النظام العام قبل سنوات لتحديد مواصفات الزى الشرعى (فى تجاوز واضح لحدود إختصاصاته)، وبالتالى لا يجوزمعاقبة المواطن على لون الزى الذى يرتديه الا إذا أصبح لون الزى جريمة بدون ان ندرى، وليس مستغربا ان يحدث ذلك ما دمنا نعيش تحت ظل (دولة) النظام العام التى تحكم السودان ، أو كما وصف احد الصحفيين البريطانيين أجهزة الشرطة فى بعض الدول العربية بأنها ليست (شرطة دولة)، ولكن (دولة لها شرطة). * المبدأ القانونى الراسخ ان لا جريمة من غير نص، وفى القانون السودانى يوجد ما يؤكد ذلك، بل هو مبدأ ربانى قبل ان يكون مبدءاً قانونيا، حيث نزل فى الكتاب العزيز " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" الاسراء، الاية 15، ولكن شرطة السودان لها رأى آخر فوق القانون بل وفوق القرآن، إذ انها تتهم الناس وتحاكمهم بدون وجود نص قانونى على ذلك، والدليل هو بيان الشرطة الذى أشارت فيه الى لون زى (أميرة) وقت ساعة القبض عليها وتوجيه تهمة ارتداء الزى الفاضح لها بما يعنى ان اللون كان له دور فى توجيه التهمة. * تنص المادة (152 ،1) على: " من يأتى فى مكان عام فعلا او سلوكا فاضحا او مخلا بالآداب العامة او يتزيا بزى فاضح أو مخل بالآداب العامة يسبب مضايقة للشعور العام يُعاقب بالجلد بما لا يجاوز اربعين جلدة أو بالغرامة او بالعقوبتين معا" .. وكما تلاحظون فهى مادة غامضة ومطاطية كواضعها (دكتور الترابى) الذى قصد بهذا الغموض، ان يترك مجالا واسعا للشرطة التى تطبق القانون للتحرك فيه، وإعطاءها سلطات اوسع لارهاب المجتمع وإخضاعه للسلطة الحاكمة، أى ان تصير الشرطة أداة طيعة فى يد السلطة لتحقق بها ما تريد وليس أداة لتنفيذ القانون، ولكن اراد (الترابى) ان تكون الشرطة خاضعة للسلطة تنفذ ارادتها وذلك بوضع مادة غامضة جدا يحار اى انسان فى تفسيرها وبالتالى لا يكون امام الشرطى الذى ينفذ القانون سوى تقديره الشخصى لتطبيق القانون، وغالبا ما يكون هذا التقدير ضد المواطن. * لقد طالبت عشرات المرات بضرورة تفسير المادة بواسطة الجهات المختصة، الا ان مطالباتى ذهبت أدراج الرياح حتى تظل المادة على ما هى عليه من اجل ارهاب واذلال المجتمع وإخضاعه لأهواء وتحكم السلطة ..!! * وعودة لأميرة، فلقد تأجلت محاكمتها التى انعقدت اولى جلساتها بمحكمة جبل الأولياء فى التاسعة من صباح يوم الأحد الماضى 1 سبتمبر، 2013، الى يوم التاسع عشر من سبتمبر فى نفس الموعد، ومما يفرح ويطمئن الشخص على قدرة الشعب السودانى على انتزاع حقوقه مهما كانت الدولة فاسدة وظالمة وجبارة وكانت القوانين معيبة ومفصلة لارهاب الشعب، هو العدد الهائل من الناشطين والجمهور الذى شهد المحاكمة وهتف ورفع اللافتات ضد ارهاب الدولة، ولا بد لليل ان ينجلى وللقيد ان ينكسر ما دام الشعب صاحيا وصامدا ..!! زهير السراج [email protected]