العشماوي الذي توفي عن سن ناهزت الحادية والثمانين بعد صراع مع المرض، سبق وأن تعرّض إلى تهديدات عدة بالاغتيال. الحبيب الأسود في صمت ودّعنا المفكّر والكاتب العربي المصري المستشار محمد سعيد العشماوي، أحد أبرز من درسوا ظاهرة الإسلام السياسي، بل وكان أول من ابتكر عبارة الإسلام السياسي في كتابه الذي يحمل ذات العنوان ومن خلال نحو 30 كتابا جعلت منه أبرز من بادروا بمواجهة الفكر الديني المتطرف، وعملوا على كشف الجماعات المتسترة بلبوس الدين، وحذروا من خطر الإنسياق وراءها. والعشماوي الذي توفي عن سن ناهزت الحادية والثمانين بعد صراع مع المرض، سبق وأن تعرّض إلى تهديدات عدة بالاغتيال، ولكن الله كتب له أن يموت على فراشه. وكتب له أن يعيش لحظة انهيار حلم جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان في مصر. وكتب له أن يرى المصريين البسطاء وهم ينتفضون على المتاجرين بالدين، ويطيحون بمشروع الأخونة والهيمنة والتمكين. وكتب له أن يرى المفردات التي استنبطها، والمواقف التي اتخذها، والرؤى التي رآها، والدراسات التي أعدّها، وقد تحولت إلى مراجع مهمة في مواجهة المشروع الجهنمي الإخواني بكل تفرعاته ووجوهه وأشكاله وتحوّلاته. ولكن وفي ذات الوقت كتب لنا الله أن نكتشف هذه الحالة السائدة من الجهل برموز الفكر لدى وسائل الإعلام العربي، ومنها وسائل الإعلام المصرية وخاصة التليفزيون وبرامجه التي تبيّن أنها لا تعرف العشماوي ولا تعرف دوره في مواجهة جماعات الإسلام السياسي أيام كانت لهم سطوة في الشارع، وهي تردّد مفرداته ومصلحاته دون أن تردّ الفضل لصاحبه، وتستضيف من يستنجدون بأفكاره ورؤاه دون أن يعترفوا بحقوق الملكية الفكرية التي تحظى باحترام العالم المتقدم وتعاني من التحقير في وطننا العربي المنكوب. وعندما توفي العشماوي منذ أيام قليلة، لم ينتبه إليه أحد، فنحن في وطن من غاب فيه، حتى ولو لأسباب قاهرة، غاب سهمه ونصيبه، وهذا ما حدث مع مفكّر كبير، نجحت طروحاته، وانتصر فكره، ونسيه الإعلام يوم ودّع الحياة. العرب