الكيزان يتلاعبون بهذا الشعب المسكين ويتبادلون الادوار ، لهم الحق في ذلك طالما نحن فرطنا في الكثير لقد كنت – يا أستاذ حسين – طيلة سنوات حكم الإنقاذ تدافع عن النظام الذي كمَّم الأفواه , واخترع بيوت الأشباح سيئة الذكر, وفصل وشرَّد آلاف الموظفين دون جريرة, وشنَّ حرباً ضروساً تحت رايات الجهاد في جنوب السودان, فما الذي يدعوك الآن لإنتقاده وليس في ممارساته و سلوكه شىء جديد يذكر ؟ إنَّ مسؤوليتك – يا أستاذ حسين – بوصفك مثقفٌ وإعلامي صاحب تأثير كبير على قطاعات مؤثرة في المجتمع مضاعفة في تحمُّل أخطاء النظام, ولن يعفيك منها توجيه إنتقادات ما عادت تفوت على "راعي الضان في الخلاء", بل يجب عليك في البداية أن تنتقد تجربتك الشخصية كأحد دعامات النظام والمروِّجين لأفكاره وممارساته, وكذلك تجربة صحيفتك منذ أن ظهرت في فترة الديموقراطية الموؤدة وحتى اليوم. ليس مطلوباً من الأستاذ حسين إنتقاد السياسات الحكومية الفاشلة فهذه أضحت معروفة للكل, ولكن المطلوب منهُ إنتقاد الأفكار الأساسية التي تولدت عنها هذه السياسات, لضمان عدم تكراراها في المستقبل, وحتى تتجنب الأجيال القادمة ظهور دعوات وأحزاب يدَّعي أصحابها أنهم مناديب السماء ورسل العناية الإلهية . لقد سمعنا من قبل نقداً لسياسات الحكومة وممارساتها شبيهاً بنقد الأستاذ حسين من أشخاص مثل الدكتور الحاج آدم و محمد الحسن الأمين وبدرالدين طه وحاج ماجد وغيرهم, ولكنهم ما لبثوا أن أصبحوا جزءاً من نفس الحكومة مع أن سياساتها لم تتغير, ذلك لأنهم لم ينفصلوا عنها "فكرياً" بل تخاصموا معها في قضايا غير مبدئية عابرة, فكيف يضمن الناسُ أن لا يُطل عليهم الأستاذ حسين في الغد القريب من قناته التليفزيونية ليحدثهم عن سياسات النظام الإسلاميَّة وأيادي قادته المتوضئة والشريعة و "لا لدنيا قد عملنا " ؟ إنَّ الإقرار بالخطأ يُشكل الأساس والبداية السليمة للتصحيح والتغيير, و هو فضيلة تنبىء عن قوُّة ولا تعبِّر عن ضعف, وإنَّ من يتدارك خطأهُ هو أكثر المستفيدين من ذلك الإعتراف, وإنَّ مراجعة الأفكار هو الضمان لعدم العودة للسياسات التي عصفت بالبلد وتوشك أن تضيعه إلى الأبد.