وتستمر الأمواج الصاخبة تتلاعب بسفينة الانقاذ الهالكة المهلكة , وكلما أوشكت على الغرق تقومِ بقذف المزيد من صناعها ثم تواصل مسيرها وسط ذات الأمواج , ولا ينفك جميعنا يمارس هواية الثرثرة والتحليل بمعطيات لا زالت غامضة ومربكة لا تسمح بتحليل منطقى يسير فى خط مستقيم , فلا نخرج الا بحديث الأمانى وما تهوى الأنفس أو يؤذيها. فى المقابل ربان السفينة يجلس فى هدوء مصطنع ويمسك بدفتها وأمامه هدف واحد هو الاستمرار فى الامساك بالدفة الى ان يجد من يملك صك الأمان . والربان يعلم أنه وحتى اشعار اخر , لا المعارضة المسلحة ولا السلمية , تملك ذلك الصك وان تسربلت بسربال العدالة الانتقالية والحكومة القومية التى لا تستثنى أحد . والحال كذلك سيبقى شراع السفينة مفتوحا على كافة الاحتمالات والاتجاهات , بما فى ذلك تجاه من قذفت بهم خارجها , فالربان نفسه وحتى الآن لا يعلم أين سيكون مرساها.!! والى ذلك الحين سيظل السيد جلال الدين محمد عثمان رئيسا للقضاء والسيد عبد الرحمن الخليفة نقيبا للمحامين , ابى من ابى وشاء من شاء . هذا ليس بحديث اليأس أو التخذيل , لكنها رؤية واقعية للأمور تقوم على شواهد معلومة ومنظورة لا زالت قائمة . وكلنا يعلم كيف ولماذا ظل الحزب الحاكم مسيطرا على نقابة المحامين طوال سنوات حكمه الشمولى . كلنا يذكر الطريقة المضحكة المبكية التى جرت بها انتخابات المحامين عام 1997 , عندما خطف منسوبو الحزب الحاكم صناديق الانتخابات وهربوا بها عبر طريق محروس برجال الأمن الذين قاموا باحتجاز من حاولوا اللحاق بالصناديق . وكانت النتيجة ان تم استبدال الصناديق وتم اعلان فوز قائمة الحزب الحاكم وسط صيحات التكبير والتهليل والاشادة بنزاهة القضاء فى مراقبته للانتخابات .!! وكان دورنا مجرد "كومبارس" خلق زخما لذلك الكرنفال .! كلنا يعلم ان الحزب الحاكم لم يعد فى حاجة لهذه الأساليب المكشوفة فقد اكسبته السنوات الخبرة فى كيف يتم التزوير فى هدوء بكشوفات تحمل أسماء ناخبين لا علاقة لهم بمهنة المحاماة ! وكيف يتفادى مشكلة الطعن فى تلك الكشوفات .! وكيف وكيف .!! عفوا , هذه ليست دعوة لمقاطعة الانتخابات احتجاجا على نية مبيتة لتزويرها , فتزوير الانتخابات باتباع كافة الأساليب أمر معلوم , بل "حق مشروع" للأنظمة الشمولية , فهو من مستلزمات ومتطلبات بقائها . ولا يستقيم منطقا ان تطلب ممن اغتصب السلطة عنوة واقتدارا ان يمارس الأساليب الشريفة فى قواعد اللعبة الانتخابية لكى تفوز أنت وبرنامجك يقوم على اسقاط سلطته .! فاذا كانت هناك دعوة لمقاطعة الانتخابات , فيجب ان لا تأتى احتجاجا على أساليب النظام الشمولى فى الفوز بها , بل يجب ان تأتى احتجاجا على على الشمولية فى ذاتها . وحتى يكون للمقاطعة أثرها ومغزاها يجب ان تأتى مبكرا لا بعد الشروع فى المشاركة أو أثناء التصويت أو لحظة اعلان النتيجة . غير أن هذا المقال لا يهدف الى هذا ولا ذاك , بل هو دعوة للذات وتذكير للاخوة المحامين فى قيادة وعضوية التحالف , لممارسة حقهم وواجبهم فى التصويت انصياعا لرأى الأغلبية وترسيخا للديمقراطية , حتى لا تكون الديمقراطية مجرد كلمة رنانة نلقيها فى وجه الآخرين وحياتنا العامة والخاصة تخلو منها تماما .! ترسيخا للديمقراطية علينا المشاركة فى الانتخابات ونحن عاجزون عن فك الحصار الخرصانى المضروب على كافة أشكال ووسائل التعبير عن الرأى ، فلا يكون فى مقدورنا ان نجعل حتى من انتخاباتنا مناسبة نقيم فيها الندوات أو ننصب سرادقا نتلقى فيه العزاء على ما أصبح عليه الحال فى بلادنا .! ترسيخا للديمقراطية علينا المشاركة فى الانتخابات ونحن عاجزون حتى عن اقامة ولو ندوة واحدة داخل دارنا المشيدة بحر مالنا .!! ترسيخا للديمقراطية علينا المشاركة فى الانتخابات ونحن عاجزون نفسيا وماديا عن القيام بابسط متطلباتها , والحسرة تملأ قلوبنا على وطن تحصد أهله الحروب والمرض والجوع , والمال العام يهدر فى تجديد الرخص واستخراج بطاقات المحاماة لغير منسوبيها , وفى ارسال المناديب للأقاليم لجلب الأصوات بالطائرات .!! ترسيخا للديمقراطية علينا المشاركة فى الانتخابات والصورة المحزنة وحالة التمزق التى عمت احزاب التحالف السياسى العام , فيما بينها وفى داخلها منعكسة داخل تحالف المحامين .! وذات المحنة وحالة التمزق , بل وبصورة أسوأ , يعيشها الحزب الحاكم ومن خلفه منسوبيه من المحامين .! ليصبح كل ذلك مؤشرا واضحا على تمزق البلاد باكملها .!! فاذا نجحنا فى ممارسة حقنا وواجبنا فى الادلاء باصواتنا نكون قد حققنا النجاح بغض النظر عن النتيجة , فالمقصود هو التمرين الديمقراطى فى ذاته والذى مفاده طرح المسألة للنقاش وممارسة حقك فى الادلاء برأيك , أصالة أو تمثيلا , ثم الالتزام برأى الأغلبية ولو جاء مخالفا لرأيك , فاذا ثبت لاحقا ان رأيك كان هو الأولى بالاتباع فلا تتشدق أو تتباهى به , ولكن تباهى بأنك التزمت برأى الأغلبية فلم تنسحب لتجلس غاضبا فى منزلك أو تقود فصيلا معارضا .! اذا نجحنا فى هذا التمرين الصعب يجب علينا الاستمرار فيه والاقتداء به داخل احزابنا وأسرنا وكافة تجمعاتنا العامة والخاصة , ليصبح فى يوم ما هو سلوك الجميع فى كافة مناحى الحياة , وعندها فقط نكون صادقين وأمينين عندما نتحدث عن الديمقراطية وسيكون فى مقدورنا أن نصد من يعتدى عليها . غير أن بلادنا فى رمق لا يحتمل انتظارنا لحين التعافى من امراضنا . جميعنا الآن فى حيرة وارتباك وخوف وهزيان ، فالذى يتحدث حشرجة بأنه سيحكم حتى صفارة اسرافيل يعلم تماما ان مبررات ومقومات حكمه قد تلاشت تماما ، والذى يتحدث تجعرا باسقاط النظام واستعادة الديمقراطية يعلم تماما بأن الأمانى شيئ والعمل على تحقيقها شيئ آخر .! لذلك لم يتبقى أمامنا الا حديث المصائب تجمع المصابين ، بأن يجلس الجميع ودون ملل , للبحث والتفكير فى مخرج يحقق التعافى الوطنى والسلام والأمن الاجتماعى ، وعن مشروع قومى لحل كل مشاكل السودان . لا شك انه عمل شائك ومعقد ، ذو جوانب دستورية وقانونية ووقائعية ، تحتم ان يكون للسادة المحامين وعموم أهل القانون داخل وخارج السودان ، بمختلف احزابهم وتوجهاتهم , دورهم الرائد فى تحقيقه . من هنا يبقى المأمول هو ان لا ينفض تحالف المحامين فور اعلان النتيجة فلا نسمع به الا فى موسم الانتخابات القادمة . ختاما هذا رأى قال ويقول به الكثير من الناس ، اذا وافق رأيك انضم وكن فاعلا ، واذا كنت ترى غير ذلك فروض نفسك على قبول الرأى الآخر ، وهذه فى ذاتها خطوة أساسية نحو الخروج من الأزمة . عبد القادر محمد أحمد المحامى [email protected]