ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    السعودية..فتح مركز لامتحانات الشهادة السودانية للعام 2025م    كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    شاهد بالفيديو.. شباب سودانيون ينقلون معهم عاداتهم في الأعراس إلى مصر.. عريس سوداني يقوم بجلد أصدقائه على أنغام أغنيات فنانة الحفل ميادة قمر الدين    الجزائر تتفوق على السودان بثلاثية نظيفة    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    شاهد بالفيديو.. الطالب صاحب المقطع الضجة يقدم اعتذاره للشعب السوداني: (ما قمت به يحدث في الكثير من المدارس.. تجمعني علاقة صداقة بأستاذي ولم أقصد إهانته وإدارة المدرسة اتخذت القرار الصحيح بفصلي)    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    البرهان يزور تركيا بدعوة من أردوغان    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    تقارير: الميليشيا تحشد مقاتلين في تخوم بلدتين    شاهد بالصورة.. الناشط محمد "تروس" يعود لإثارة الجدل ويستعرض "لباسه" الذي ظهر به في الحفل الضجة    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    سيدة الأعمال رانيا الخضر تجبر بخاطر المعلم الذي تعرض للإهانة من طالبه وتقدم له "عُمرة" هدية شاملة التكاليف (امتناناً لدورك المشهود واعتذارا نيابة عنا جميعا)    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    مكافحة التهريب بكسلا تضبط 13 ألف حبة مخدرات وذخيرة وسلاح كلاشنكوف    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    وفاة مسؤول بارز بناد بالدوري السوداني الممتاز    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    تونس.. سعيد يصدر عفوا رئاسيا عن 2014 سجينا    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسرح سعدالله ونوس
نشر في سودانيات يوم 21 - 01 - 2014


" الحلقة الأولى "
حفل سمر لأجل 5 حزيران في المسرح السوداني
بقلم : بدرالدين حسن علي
أستطيع أن أقول أن أعمال سعدالله ونوس المسرحية تستحق أن تدرس في أكبر معاهد وأكاديميات المسرح العربي أ وأن نسميه " المسرح الونوسي " لما يمتاز به من خط مسرحي واضح بالإنحياز إلى الإنسان العربي بالوعي والفهم وليس التعاطف والعبارات الجوفاء
الطنانة ،وهو لم يكتف بالتأليف المسرحي بل إهتم أيضا بالتنظير لمسرح عربي ثوري .
أعمال سعد الله ونوس المسرحية تتميز بكونها وليدة تجربة في الممارسة المسرحية، ولم تكن نتاج تأملات ذهنية فارغة، يعتقد أصحابها أنها صالحة لكل زمان ومكان، وفي أعماله التي أبدعها خلال سنوات عمره القصيرة، يتبين للمتابع حرارة الواقع وعمق التجربة وصدقها.
فالكاتب مثقف وطني عربي في المقام الأول، والمسرح عنده شكل من أشكال التعبير الفني، يعبر من خلاله عن همه الثقافي وعن طموحه في تغيير الواقع وتعميق الوعي الجماعي بالمصير التاريخي للأمة. وقد احتل التاريخ في أعماله مكانة مهمة إذ حرص أن تكون بعض أعماله تأملاً في التاريخ، بهدف حث القارئ والمشاهد إلى مباشرة تأمله الخاص في هذا التاريخ.
هذا الفنان المسرحي الكاتب الكبير سعدالله ونوس لن أنساه أبدا " 1941- 1997" إنسان رائع بمعنى الكلمة ، تعرفت عليه في زيارة خاطفة إلى دمشق وأنا في طريقي إلى ليبيا ، كان يومها النقاش السياسي حاميا ، كان ذلك في ستينات القرن الماضي والعالم العربي يفور ويغلي ، والمثقفون العرب في جدال ومناقشات حامية حول المصير .
إلتقيته ثانية في طريق عودتي للخرطوم تناقشنا نحو ساعتين حول واقع المسرح العربي ، ووجدته عاشقا للمسرح وفي صدره وقليه إيمان لا يتزعزع بأن المستقبل رغم ضبابية المواقف لا بد من الإنتصار والتقدم نحو مستقبل أفضل .
فارقته وأنا مشدود إليه وإلى أفكاره النيرة وكان لقائي بالشاعر والمسرحي السينمائي الكبير علي عبدالقيوم الذي قال لي أنه ينوي إخراج مسرحية سعدالله ونوس " حفل سمر لأجل خمسة حزيران "
كنت قد قرأت المسرحية في الطائرة ، وأعجبت بها أيما إعجاب ، وتمنيت أن أخرجها للمسرح السوداني ، فوقفت إلى جانبه ، وبالفعل بدأ علي عبد القيوم بروفات المسرحية واختارني مساعدا له ، علي عبد القيوم كان يمتاز بقدرات غير عادية في التعامل مع الممثل ، واجتاز الكثير من الصعاب التي وقفت في طريقه ، وخاصة المسرحية كان مغضوبا عليها في الكثير من البلدان العربية ، كانت لدي بعض رسائل متداولة مع سعد الله ونوس ، وعندما علم أننا سنقدم مسرحية " حفل سمر لأجل خمسة حزيران " طلب مني دعوته ، لم أتمكن من تلبية دعوته ، ولكن المسرحية أخرجت وقدمت عام 1970 ، وهي عن نكسة يونيو 1967 وكانت ممنوعة في معظم البلدان العربية .
سعدالله ونوس
أبو المسرح العربي بلا منازع "الحلقةالثانية "
بقلم : بدرالدين حسن علي
سعد الله ونوس ، (1941-1997) مسرحي سوري ولد في قرية حصين البحر القريبة من طرطوس . تلقى تعليمه في مدارس اللاذقية، درس الصحافة في القاهرة (مصر)، وعمل محرراً للصفحات الثقافية في صحيفتي السفير اللبنانية والثورة السورية ، كما عمل مديراً للهيئة العامة للمسرح والموسيقى في سوريا في أواخر الستينات، سافر إلى باريس ليدرس فن المسرح.
مسرحياته كانت تتناول دوما نقدا سياسيا اجتماعيا للواقع العربي بعد صدمة المثقفين إثر هزيمة1967 ، في أواخر السبعينات، ساهم ونوس في إنشاء المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، وعمل مدرساً فيه ، كما أصدر مجلة حياة المسرح، وعمل رئيساً لتحريرها ، في أعقاب الغزو الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت عام 1982، غاب ونوس عن الواجهة، وتوقف عن الكتابة لعقد من الزمن ، عاد إلى الكتابة في أوائل التسعينات.
في 15 مايو 1997، توفي ونوس بعد صراع طويل استمر خمس سنوات مع مرض السرطان
مسرحياته :
حفل سمر لأجل خمسة حزيران
الملك هو الملك
منمنمات تاريخية
الفيل يا ملك الزمان
مغامرة رأس المملوك جابر
طقوس الإشارات والتحولات
رحلة حنظلة
الإغتصاب
مقطع من مسرحية " حفل سمر لأجل 5 حزيران
نعم انا كذلك .. واحد من هولاء الذين يقرؤون +كتبا نظرية عن الثورات والشعوب
من الذين لم يكونوا في قرية امامية . واحد من الذين يجترون الاحلام الوردية واحد
واني مثلهم . انظر كيف اري الاشياء . اني هروبهم . انك هروبهم . اننا هروبهم ، اننا الهرب ذاته .. انني مسئول . انك مسئول .. كلنا مسئوولون. مامن احد يستطيع ان يجد هذه المرة مخبا من المسئولية
أوردت هذا المقطع ليكون مدخلي لمسرح سعدالله ونوس ، ولأن أيضا مسرحيته " حفل سمر لأجل 5 حزيران " تعتبر علامة فارقة في المسرح العربي .
يقول شهريار نيازي
" لا تزال توجد علاقة وطيدة بين الأدب والمنعطفات السياسية والإجتماعية الكبرى طيلة العصور الأدبية ، فالمسرحية هي من أشد الأجناس الأدبية إلتصاقا بحياة الشعوب في شتى مناحيها وأكثرها إتصالا بهمومها وانشغالاتها" .
تعد نكسة 1967- أو ما درج الناس على تسميته " نكسة حزيران " –أحد الأحداث التي هزت كيان الأمة العربية وأقلقت وجودها ، فدخلت في الساحة الأدبية ، وخلقت هزة عنيفة في عالم المسرح العربي ، فقدمت عددا كبيرا من الكتاب ذوي الأصوات المتميزة في المسرح العربي عامة والمسرح السوري خاصة ، وأسرعت في إنضاجها وإعطاءها ثراء في الإنتاج وإتساعا في الرؤى ، ووثقت صلة المسرح بالسياسة ، فاتجه غالبية الكتاب نحو المسرح السياسي وتبني المفاهيم والأفكار السياسية .
وساعدت النكسة في خلق فاعلية جديدة وجادة للمسرح العربي ، ومنحته فرصة للإنطلاق والكشف عن آفاق جديدة وأساليب حديثة لإستيعاب هذه القضية المترامية .
كما أثرت النكسة في كاتب مسرحي مرموق مثل سعدالله ونوس وجعلته يبدل أدواته المسرحية والفنية متخذا صيغا جديدة بعيدة عن المسرح التقليدي
الجاهز .
فعلى صعيد البنية المسرحية الونوسية فقد أثارت مسرحية حفل سمر لأجل 5 حزيران ضجة كبرى ، لأن البنية المستخدمة فيها هي تهديم القواعد المسرحية التقليدية ، وتحويل المسرحية إلى شكل تنعدم فيه الحكاية ، وتصبح مجالا لتبادل الأفكار وصراع المواقف .
مسرح سعدالله ونوس
مغامرة راس المملوك جابر " الحلقة الثالثة "
بقلم :بدرالدين حسن علي
في هذه المسرحية يقوم صراع بين الخليفة (شعبان ) ووزيره ( محمد العلقمي ) ، الخليفة يريد ازاحة الوزير لانه يشكل خطراً على وجوده ، و الوزير يطمح لتحقيق حلمه بالاستيلاء على الخلافة ، و كل واحد منهما يعد العدة لازاحة صاحبه ، فيأمر الخليفة بتفتيش الخارج من المدينة و الداخل إليها، خوفاً من خروج رسالة من الوزير العلقمي الى قائد المغول ، يتطوع احد مملوكي الوزير و هو ( جابر ) الذي يعرض خدماته على الوزير فيقوم الاخير بتكليفه بالمهمة التي كانت على الشكل التالي و هي فكرة ( جابر ) :
"أن يقوم الوزير بكتابة الرسالة على رأس جابر بعد حلاقته جيداً و حينما ينمو الشعر ثانية و يغطي الرسالة ، آنذاك يستطيع الخروج الى حيث يريد ، و طلب ثمن ادائه لهذه المهمة ان ينال حريته و يتزوج من ( زمردة ) جارية الوزير ، و فعلاً يتم ارسال جابر الى قائد المغول و لكن الوزير يطلب من ذلك القائد ان يقتل حامل الرسالة " جابر" الذي حمل موته تحت فروة رأسه و لم يدر .. كما قال سعد الله في المسرحية – سنلقي الضوء هنا على شخصيات المسرحية و هي :
الخليفة – الوزير – منصور – الرجل الرابع – المملوك جابر .
الخليفة و الوزير : و هما شخصيتان سلطويتان تتفردان بالحكم الذي لا هم لهما سواه و تضطهدان بسببه افراد الشعب عموماً .
فالخلفية يريد توطيد حكمه و تثبيته من خلال البعد و التباعد عن الشعب و التخلص من وزيره الذي يهدده بغية الخلاص منه بالتعاون مع اعداء البلاد المغول لينصبوه على العرش و النتيجة هي ضياع الوطن والمواطن .
شخصية منصور : المواطن نصف الواعي ، ثرثار من الناحية السياسية و الناس يحسبونه مخبراً بسبب ثرثرته .
الرجل الرابع :
شخصيته متممة لمنصور ، و هو رجل واع سياسياً و اجتماعياً و فكرياً .
المملوك جابر : شخصية تمتاز بالذكاء و الفطنة ، و هو انتهازي ، باعتماده على الفطنة و التقرب من الوزير ( العلقمي ) يريد ان يصل مآربه و لكنه يدفع ثمن انتهازيته غالياً.
ان ونوس في مسرحيته هذه يؤكد على دور الجماعة في العمل السياسي إذ لا جدوى من العمل الفردي كمطلب للخلاص ، و الانسان غير المسيس ستستغله السلطة و تسحقه كما حدث للمملوك جابر الذي اراد ان يتحرر من عبوديته بطريقة الخيانة فكان الثمن ان ضيع رأسه .
و المسرح السياسي لا يهتم بالشخوص كأفراد او انماط
فقط ، و انما يشبعها بالقدرة على الترميز لان المسرح يعتمد في احايين كثيرة على الايحاء و الرمز و الدلالة لا على التحديد و التعيين فقط ، فقد ركز ونوس على جابر مثلاً باعتباره رمزاً للطبقات المضطهدة و الفقيرة غير القادرة على المطالبة بحقوقها مع كونها تفكر بها سراً و هي مستعدة لفعل كل عمل شائن في سبيل تحقيق طموح ذاتي .
إن خيبة جابر لاتعني إحباطاً لطموحات الجماعة بقدر ماتعني خلق حافز ورافد ذاتيين لدى أفراد المجتمع لتبصر أمورها ومصيرها .
وسعد الله لايتدخل في إيجاد مصائر لشخوصه أو تفسير قضاياها.
أن استخدام ونوس الحكاية التراثية وإظهاره لطريقة استغلال السلطة للمواطن غير الواعي وغير الفاعل بهذه الصورة البشعة له مدلول عظيم (كتابة رسالة الخيانة على رأس جابر ومن ثم قطعه بطريقة بشعة ) على تفاهة الإنسان الانتهازي وأن نهايته ستكون بهذه البشاعة والمأساوية ، وإن كان قطع رأس جابر أثار مكامن الحقد والكراهية على الجلاد ، لكن التسييس والشحن والتحريض هي مرتكزات سعد الله ونوس الأساسية في مسرحه الذي يقول : (أريد مسرحا يعلم ويحفز على العمل ،أي أن يزيد احتقان المتفرج وهو يعلمه ) .
إن موضوع لامبالاة الجماهير وسلبيتها موضوع أثير لدى ونوس ،فلا مبالاة الناس بما يحدث يجرّهم الى الويلات والدمار والضرر حتى على الصعيد الفردي ،فهو يؤكد أن كل ما يجري في المجتمع بالنسبة للجماهير عليها أن تعيه (الرجل الرابع في مسرحية مغامرة رأس المملوك جابر) وعليها أن تنخرط فيه وتؤدي دورها الفاعل وإلا حل فيها البلاء وهكذا نستطيع أن نقول:
إن سعد الله ونوس أسس لمسرح سياسي في سورية خصوصاً وفي الوطن العربي عموماً جسد من خلاله علاقة المواطن بالسلطة ،من خلال ما ذكرناه من خصائص لبعض مسرحياته حيث رأينا أن هذه العلاقة كانت صراعاً دائماً بين المواطن والسلطة فهي تأخذ منه كل شيء وأهمها حريته وكرامته ، باختصار إنها تسلبه كل مايمت الى إنسانيته بصلة .
هل استطاع ونوس إيصال ما أراد إيصاله من خلال مسرحه الى الجماهير ؟
ً لقد حاول سعدالله ونوس أن يخلق من خلال هذا المسرح وعياً جماهيرياً عن طريق التعليم والتسييس والتحريض مستخدماً كلّ ماأتيح له من تقنيات مسرحية فنية حديثة في العالم ،ولكنّ مسرحاً مثل مسرح ونوس يحتاج الى جمهور من نوع خاص ، الى جمهور يمتلك مقومات متلق يعمل ذهنه فيما يرى ويسمع ، ولكن هيهات أن يجده ونوس أوغيره .
سعدالله ونوس أبو المسرح العربي " الحلقة الرابعة والأخيرة "
بقلم : بدرالدين حسن علي
من المقولات الشائعة لسعدالله ونوس ما جاء في مسرحية " الملك هو الملك " :
"-أن نتخيل
مسموح
أن نتوهم
مسموح
أن نحلم مسموح ولكن حذار
أن يتحول الخيال الى واقع
ممنوع
أو يتحول الوهم الى شغب
ممنوع
أو تتحد الاحلام وتتحول الى أفعال
ممنوع
مسرحيات سعدالله ونوس
مسرحية الملك هو الملك
مسرحية عذبه فيها يوظف ونوس أفكاراً قديمة مادتها التراث القديم، ضاماً إياها بشكل حكاية شعبية مادتها مستقاة من إحدى حكايات ألف ليلة وليلة ، وفيها يروي بلباقة فنية كبيرة قصة ملك عبث برعيته وبأحوالهم، مقرراً في إحدى الليالي اختيار احد الأفراد وهو تاجر سابق خانه الدهر، وركبته الديون، وتآمر عليه شهبندر التجار، والقاضي والنظام نفسه، فتمنى أن يصبح سلطان البلاد ليشدد قبضته، ولو ليومين .
منمنمات تاريخية
منمنمات تاريخية تنتمي لهذا النوع من الأدب الذي يطالب بإعادة النظر ليس فقط بالقناعات التاريخية السائدة والمستقرة، بل ويطالب أيضاً بمناقشة: المواقف الأخلاقية التي يجب أن تتسم بها الثقافة، العلاقة بين المعرفة والسلوك، دور الثقافة والمعرفة، وهل يجب أن يكونا في خدمة القوة والسلطان، أم في زيادة وعي الناس وصقل أرواحهم، العلاقة بين الطموح المشروع للمثقف وإغراءات السلطة .
كثيرة هى المواقف التى رأيتها أو قرأت عنها والتى تحمست فيها جموع العرب وبلغ غضبها الجبال,واتحدت بكلمة واحدة خلف قائدها المقدم,ولكن حين يجد الجد يتخاذلون ويترددون ويتقهقرون للوراء محنية رؤوسهم,وفى أوقات أخرى غريبة يفيض بهم الكيل فتتفجر غضبتهم وتطيح بالكبير والصغير فلا تبقى ولا تذر.
رحلة حنظلة
حرفوش: (... يقفز بخفة مواجهاً الجمهور ...) بؤس وتعاسة... هذا هو طالع صاحبنا حنظلة. يعيش الآن في محنة وستشتدّ عليه المحن، وتزيد... إنه لا يعرف سبب مصائبه ولا يدرك سر محنته.
إذن عليه أن يتحمل العذاب فوق العذاب، وأن يمشي طويلاً على درب الآلام. لا أحبّ الشماتة كما لا أحبّ الشفقة. أن يكون المرء أعمى هذا شيء، وأن كون له عينان سليمتان ولا يبصر فهذا شيء آخر
لا شك عندي أن هذا العمل يدلل على عبقرية ونوس وبراعته في رسم المشهد المسرحي من خلال تنوع شخصيات المسرحية، وتنوع أدوارها، والعلاقة التي تربط الشخصيات بعضها ببعض والإطار الزمني الذي حصلت فيه الأحداث...
إلا أن عبقريته تتجلى بشكل رئيسي في فلسفة المسرحية وطريقة إيصال هذه الفلسفة إلى الجمهور من خلال حوارات ذكية تعكس بشكل دقيق الجوانب أو الكوامن النفسية للشخصيات وترصد تحولها من حال إلى حال. لذا كان اشتغال ونوس على الحوار أكثر من اشتغاله على الصورة والديكور و الإيماءات .
هذه المسرحية نص مفتوح. أي انه قابل للزيادات والتعديلات التي تمليها التطورات التاريخية. ان الرواية الفلسطينية لا تختم قولها، بل تتركه مشرعا على افق مفتوح. ولهذا فان الاضافات والتغييرات التي تحقق راهنية العرض ممكنة. وحتى الرواية الاسرائيلية - وان كان بدرجة اقل- هي نص غير مكتمل. والنقاش فيها يحتمل المزيد من المحاججة والتوتر.
الأيام المخمورة
مسرحية الأيام المخمورة يمكن أن نقول عنها " كان زواجا فاترا ومخيبا " ، جاءت تحمل روحا مسيحية متواضعة , وجسدا طفلا ينفر من الرغبة, ويخاف دنس المتعة . كانت خيالا لا تشهق فيه عروق ولا تصخب دماء .
" ومع ازدياد نهمي وخيبتي كنت أندس في الكراهية والصمت . وكان يمكن أن أوالي انزوائي في الكراهية والصمت لولى أن الموت عاجلها ، كان رحيلها مباغتا ، حتى أني لم أستوعبه ، والآن أذكر جيدا ، ذلك الوقت الذي كنت عائدا فيه من المقبرة" .
عن الذاكرة والموت
ربما ليس من نوعية المسرحيات التي تعجبني خصوصا في بدايتها و نهايتها .
بعد أن انهيت قراءة المسرحية ليلا استيقظت صباحا و قرأت بعض المقاطع مجددا...فازداد إعجابي بهذه المسرحية .
عندما يعاني الإنسان يستطيع أن يفكر بعمق أكثر و يدرك معاني الحياة بمفارقاتها.
كم هو رائع مشهد الذباب و الإنسان... و هذه بعض الأسطر:
"كنت طفلا..فشعرت بالغيظ و بدأت أطاردهما ، و ما يدهش في الأمر أنهما تحملا كل المطاردة ، و هما متلاحمان يطيران بأجنحة أربعة ، و أخيرا استطعت أن أهرسهما بضربة من شحاطتي ، قد يكون الذباب مزعجا و ربما ضايق الإنسان .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.