الزمالة يبدأ مشواره الأفريقي بخسارة أمام ديكيداها الصومالي    تدشين أجهزة مركز عمليات الطوارئ بالمركز وعدد من الولايات    ترمب .. منعت نشوب حرب بين مصر و إثيوبيا بسبب سد النهضة الإثيوبي    جامعة وادي النيل تعفي أبناء الشهداء والمتفوقين من المصروفات الدراسية    المفوض العام للعون الإنساني وواليا شمال وغرب كردفان يتفقدون معسكرات النزوح بالأبيض    الارصاد تحذر من هطول أمطار غزيرة بعدد من الولايات    استشهاد أمين عام حكومة ولاية شمال دارفور وزوجته إثر استهداف منزلهما بمسيرة استراتيجية من المليشيا    وزارة الطاقة تدعم تأهيل المنشآت الشبابية والرياضية بمحلية الخرطوم    "رسوم التأشيرة" تربك السوق الأميركي.. والبيت الأبيض يوضح    إدانة إفريقية لحادثة الفاشر    دعوات لإنهاء أزمة التأشيرات للطلاب السودانيين في مصر    د. معاوية البخاري يكتب: ماذا فعل مرتزقة الدعم السريع في السودان؟    مياه الخرطوم تطلق حملة"الفاتورة"    الاجتماع التقليدي الفني: الهلال باللون باللون الأزرق، و جاموس باللون الأحمر الكامل    يا ريجي جر الخمسين وأسعد هلال الملايين    ليفربول يعبر إيفرتون ويتصدر الدوري الإنجليزي بالعلامة الكاملة    الأهلي مدني يبدأ مشواره بالكونفدرالية بانتصار على النجم الساحلي التونسي    شاهد بالصور.. المودل السودانية الحسناء هديل إسماعيل تعود لإثارة الجدل وتستعرض جمالها بإطلالة مثيرة وملفتة وساخرون: (عاوزة تورينا الشعر ولا حاجة تانية)    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    شاهد بالفيديو.. طفلة سودانية تخطف الأضواء خلال مخاطبتها جمع من الحضور في حفل تخرجها من إحدى رياض الأطفال    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرية
نشر في سودانيات يوم 12 - 04 - 2014

رأى مثقّفون كبار أنّ الفكر السياسيّ برمّته يقبل التقسيم، وإن بشيء من التعميم، إلى عائلتين كبريين: عائلة تقول بالخلاص وأخرى تقول بالحرّيّة. أمّا الأولى فمفاد دعوتها أنّ انتصار قضيّة ما (دينيّة، قوميّة، اشتراكيّة، محافظة...) يحلّ المشكلة التي تعانيها جماعة بعينها ويقيم لها ما يشبه الجنّة على الأرض. وأمّا العائلة الثانية فتذهب إلى أنّ حلاًّ خلاصيّاً كهذا لا وجود له أصلاً، لأنّ الحياة نفسها مشكلة تتفرّع إلى مشاكل. فالذين حُلّت مشاكلهم هم الجدران والطاولات والحيوانات، لكنّ ما يستطيعه البشر، عبر امتلاكهم حرّيّاتهم، هو تحسين الشروط التي بموجبها يواجهون مشكلتهم الملازمة لوجودهم.
بتطبيق هذا التعريف على العقود العربيّة الأخيرة، يتبيّن أنّ الصراعات الحاسمة والبارزة لم تكن بين دعاة العائلتين الفكريّتين، بل داخل العائلة الخلاصيّة الأولى، أي بين القوميّين والإسلاميّين، والبعثيّين والشيوعيّين، والناصريّين والبعثيّين والشيوعيّين...
ذاك أنّ أبناء العائلة الثانية، عائلة الحرّيّة، لم يكونوا مرّة على القوّة التي تجعلهم طرفاً أساسيّاً في الصراعات الكبرى. فهم ليسوا محرّكي الجماهير «ضدّ» عدوّ ما، كما أنّهم، بفعل أفكارهم، لم يكونوا من المتسلّلين إلى المؤسّسات العسكريّة لتنفيذ انقلابات تطيح عهوداً قديمة.
فأبرز هؤلاء «الحرّيّين» العرب كان المصريّ أحمد لطفي السيّد الذي، وإن سُمّي تكريماً «أستاذ الجيل»، لم يفز بمقعد انتخابيّ فيما ظلّ حزبه، «حزب الأمّة»، طرفاً أقليّاً في الحياة السياسيّة المصريّة. أمّا العراقيّان، كامل الجادرجي ومحمّد حديد، فانزلقا إلى التعاون مع النظامين العسكريّين لبكر صدقي في الثلاثينات وعبدالكريم قاسم في الخمسينات. ولئن جعل «حزب البعث العربيّ» من «الحرّيّة» أقنومه الثاني، بعد «الوحدة» وقبل «الاشتراكيّة»، إلاّ أنّه أزال كلّ التباس بتوضيحه أنّها حريّة «الأمّة» قبل أن تكون حرّيّة الأفراد.
في 2003، حين أطيح صدّام حسين الذي احتُفل قبل أيّام بالذكرى الحادية عشرة لإطاحته، دلّل العراقيّون على أنّ طلبهم المؤكّد على الحرّيّة مشوب بطلب مؤكّد، هو الآخر، على الخلاص. كان هذا إيذاناً بأنّ الواقع العربيّ لا يحتمل التقسيم الكلاسيكيّ بين العائلتين: فالسنّيّ والشيعيّ والكرديّ تجمعهم الحرّيّة ويفرّقهم افتراض واحدهم أنّ الآخر شيطانه.
بطبيعة الحال انحطّت خلاصيّة السرديّات الكبرى التي وعدت، ما بين الخمسينات والسبعينات، بنصرة الله أو الوحدة العربيّة أو ديكتاتوريّة البروليتاريا. هكذا بتنا أمام خلاصات لا تتكتّم على تجزيئيّتها ورثاثتها وخروجها من وضاعة التاريخ، نُصُبها العبوات والسيّارات المفخّخة في طول العراق وعرضه.
ثمّ انفجرت «الحرّيّة» والطلب عليها، بعيداً عن الصيغ الحزبيّة والنخبويّة، انفجارها الكبير مع ثورات «الربيع العربيّ». وبدا مؤكّداً أنّهم أرادوا الحرّيّة ويريدونها، لكنْ بدا أيضاً أنّهم يسعون إلى الخلاصيّة البائسة إيّاها. وفي سوريّة تحديداً، كان لعنف النظام واستجابته بالعسكرة أن زوّدا نزعة الخلاص مزيداً من الأنياب تعضّ بها الحرّيّة.
غنيّ عن القول إنّ هذا التجاور، المتناقض ذاتيّاً، بين الحرّيّة والخلاص حدّ من قدرة الأولى على التحوّل إلى ديموقراطيّة، بقدر ما ساعد الثانية على التحوّل موتاً معمّماً. وفيما يُحسم الصراع بينهما اليوم، وتُنكّس رايات الأمل، لا بدّ من أن تتقدّم مراجعة الأسباب التي تجعل مطلب الحرّيّة عندنا مطلباً خلاصيّاً، أو متداخلاً فيه. وهذا ما يحضّ على التناول الجذريّ لكلّ شيء، لا سيّما خرائط الأوطان التي شكّلت حواضن ذاك التجاور القاتل. فالمهمّ، في آخر المطاف، أن نعيد اختراع الحرّيّة واختراع الشروط التي تلائمها.
*نقلاً عن "الحياة"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.