سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحوار من جانب واحد.. البشير ومن حول المائدة يمثلون ايديولوجيا العقيدة والعنصر يحاورون أنفسهم.
نشر في سودانيات يوم 20 - 04 - 2014


بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الدعوة التي أطلقها الرئيس البشير للحوار الوطني هب لتلبيتها نفر كبير , لكن الذين لبوا الدعوة يمثلون ذات اللفيف الذي تؤلف بين مكوناته ايدلوجيا العقيدة والعنصر اللتان هما اس بلاء السودان : عقيدة الاسلام السياسي الاقصائي المتطرف الذي لا يعترف حتى بالجماعات الاسلامية الأخرى غير المنتمية له , وايدلوجيا العنصر العروبي الاستعلائي الذي يرفض بل ويحتقر الهوية السودانية الجامعة ويحتقر تبعاً لذلك نفسه هو , ناهيك عن الأعراق والعناصر السودانية الأخرى التي تشكل فسيفساء تنوع المجتمع السوداني بتكويناته الافريقية والنيلية والنوبية والبجاوية والزنجية والصحراوية التي تمثلها اثنيات الفور والبجا والهدندوة والنوبة والنوبيين والانقسنا والوطاويط والمحس والسكوت والزغاوة والمساليت وكردفان وتقلي والبديات وغيرها عشرات بل مئات المجموعات الأصيلة أصالة السودان منذ فجر التاريخ . غيبت هذه المكونات العريضة عن مائدة الحوار . من ذا الذي أعطى الحق لهذه المجموعة ان تهيمن وتلغي االمكونات السودانية الأخرى غير الظلم والتجبر والطغيان؟؟ كما غابت ايضاً كل التيارات الفكرية والعقائدية التي لا تنتمي للفكر الأصولي الاقصائي المنغلق :
غاب التقدميون واللبراليون والناصريون والشيوعيون وأحرار السودان وشبابه ومستنيروه واسلاميو الوسط المعتدل , كما غاب عنه ما يربو على ست ملايين من سودانيي الشتات الذين اجبروا قسراً على مغادرة البلاد يضربون في أرض الله الواسعة طفشتهم من البلد ذات المجموعة التي تجلس اليوم لتتحاور (فيما بينها) . الذين لبوا دعوة الحوار هم ذات المجموعة التي تؤلف بينها ايدلوجيا العقيدة والعنصر , جاء وصفهم بدقة على لسان الاستاذ فاروق ابو عيسى بأنهم "ينتمون لذات العائلة" – فأهل العائلة هم سبب كل بلاء السودان ورزاياه بسبب رفضهم الدائم لسنة التنوع الكونية التي جاء ذكرها في محكم التنزيل "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم" (صدق الله العظيم) . هم اليوم يجلسون يحاورون أنفسهم مع تغييب تام لكل مكونات التنوع السوداني الأخرى التي لا تتفق معهم في ايدلوجيا العقيدة والعنصر . ولقد شهدوا عى أنفسهم جميعاً وعلى رؤوس الأشهاد بأنهم قد فشلوا في إدارة التنوع منذ فجر الاستقلال وبزوغ فجر الدولة الوطنية التي ظلوا ممسكين بزمام الامور فيها , يراكمون الفشل بعد الفشل , يجتمعون اليوم لا ليعلنوا للشعب السوداني عن اعتذارهم لفشلهم وخيبتهم بما يحتمه عليهم واجب اللحظة , بل ليجترحوا صيغة محدثة لاستدامة ذات الفشل بائناً من الوهلة الأولى في تغييب متعمد لمكونات التنوع السوداني الاخرى . هذا التغييب والاقصاء الذي ظل ديدن ممارستهم واس فشلهم الذي لازم مسيرة ادائهم في إدارة الدولة حتى اليوم .
ضرورة التصالح مع الذات ثم مع مكونات المجتمع السوداني الأخرى:
يتطلب الحوار الجاد أول ما يتطلب ان يتصالح هؤلاء مع انفسهم , ثم يؤبون الى راكوبة السودان الجامعة , يتصالحون مع حقيقة هويتهم السودانية , ثم يقبلون بمكونات السودان الأخرى: زرقة وصفرة وحمرة وخضرة . الناظر الى مشهد المجتمعين حول المائدة بسيماهم وابهتهم البهية وجلابيبهم والملافح البيضاء الناصعة واللحى المرسلة يدرك للتو الهوة السحيقة والانفصام التام بين هذه الكوكبة المتطلعين دوماً الى الجاه والمال والزعامة والسلطان وبين المجتمع السوداني العريض الذي أفقروه وأصابوه بالجوع والهزال . لم يأتوا يحملون هموم الأسر المفجوعة في موت عائليها في حروب التدمير ولا هموم الاسر الجائعة ولا هموم المرضى الذين لا يجدون الدواء ولا هموم الشباب العاطل عن العمل ولا ال 95% من السودانيين الذين يكابدون الفقر والجوع والمرض والشقاء اليومي . لكنهم اتوا ليتداولوا في امر الحكم والدولة والسلطان . هم طلاب السلطة والتسلط ليفوزوا بنصيب منها , وليس فيهم من لم يفز بالسلطان والامتيازات : المجتمعون فيهم من تبوأ الوزارة ورئاسة الوزراء , فيهم القاضي ومن تبوأ رئاسة القضاء , فيهم الولاة والمحافظون ووكلاء الوزارة , والمدراء , فيهم الدكاترة والعلماء والبرفسورات , فيهم اللواءات والعقداء ورؤساء الأركان . جميع المجتمعين اتيحت لهم فرصة القيادة في مؤسسات الدولة السودانية الآن ومن ذي قبل , لكنهم فشلوا في إدارة شؤون الدولة حسب شهاداتهم هم . فما الذي يجعهلم يجتمعون ليقرروا مرة أخرى في مصير البلاد التي اوصلوها الى الدرك الاسفل وفي ذيل الأمم ليكرروا سيرة الفشل بسبب سياساتهم الخرقاء؟؟ فليستح القوم . السودان بلد حباه الله بكل مقومات الدولة القوية الغنية العظيمة , لكنهم حولوه الى دولة فاشلة ضعيفة يعيش غالب شعبها على صدقات ذوي القلوب الرحيمة من دول العالم الأخرى التي ليس لديها 10⅟ مما لدى السودان من مقومات الثراء والنجاح.
هل خوفاً على الاسلام والثقافة العربية؟
يجب التأكيد للمجتمعين حول مائدة الحوار ممن تجمع بينهم ايدلوجيا العقيدة والعنصر انه اذا كان ائتلافهم وتحزبهم هذا بدافع الخوف على الاسلام والثقافة العربية , فليطمئنوا ان الاسلام والعروبة لا خوف عليهما , وانهما باقيان ما بقي السودان ان شاء الله . فأكثر من 90% من السودانيين اليوم هم مسلمون , وأكثر من هذا العدد متمسكون بالثقافة العربية وان لم يكونوا عرباً. فلماذا يتحزب هؤلاء ويقاتلون بكل ضرس وناب لاقصاء كافة مكونات المجتمع الأخرى ؟ بالتأكيد ليس دفاعاً عن العقيدة الاسلامية ولا الثقافة العربية . يستخدم هؤلاء ايدلوجيا الدين والعنصر ليس خوفاً على العقيدة والعروبة كما يدعون , بل لاقصاء الآخرين وهضم حقوقهم وأكل أموالهم بالباطل تحت راية التحزب الديني العنصري الذي هو سبب انفصام العرى بين مكونات المجتمع السوداني . فالخوف ليس على العقيدة الاسلامية ولا على الثقافة العربية فهما باقيان في السودان باذن الله . لكن الخوف كل الخوف على بقاء السودان كدولة في ظل الاستقطاب والتحزب بدعاوى العقيدة والعنصر كما يتجلى في مائدة الحوار التي غيِب فيها أهل المصلحة الحقيقية – الشعب السوداني بمكوناته وتنوعه العريض .
العنصريون يهذبون بالتربية والقدوة الحسنة وإلا أخذوا بالقانون:
المجتمعون حول مائدة الحوار ينتمون لذات ايدلوجيا العنصر الاستعلائي يرفضون الانتماء للهوية السودانية الجامعة , بل يزدرونها ويزدرون أنفسهم تبعاً لذلك في أغرب حالة فصام لمجتمع بكامله كما شخصها المفكر اللماح الدكتور الباقر العفيف في دراسته الموسومة "متاهة قوم سود ذوي ثقافة بيضاء" . وكما شرحها الكاتب الانجليزي جيمس كبنول في كتابه الجديد الصادر حديثاً بعنوان : A Poisonous Thorn In Our Hearts: Sudan And South Sudan's Bitter And Incomplete Divorce, James Copnall. تتجلى هذه الحالة الفصامية في النزعة المدمرة للعنف والقتل والجريمة دونما أدنى احساس ان ما يرتكب هو انتهاكات فظيعة ترفضها كافة الاديان القوانين ومعايير الاخلاق والفطرة السليمة . المجتمعون يتداولون في امور الحكم والدولة تحت رعاية ذات الحاكم الذي ترتكب جيوشه وطائراته ومليشياته ابشع انواع الانتهاكات في ذات الوقت الذي يتداولون فيه ترتكب في مساحات واسعة من الوطن دون ان يحرك فيهم ذلك ساكناً – فقط لأن الفظائع التي ترتكب لا تمس بني جلدتهم , بل تمس العناصر الأخرى المختلفة , ما معناه ان السودان بالنسبة لهم سودانان : سوداننا وسودان آخر بعيد لا ينتمي does not belong . كثيرون نتمنى لهم الشفاء من "الشوكة السامة المغروسة في الصدور" في وصف جيمس كبنول للحالة النفسية المدمرة لبعض السودانيين بعضهم بعضاً وفي تدمير بلدهم .
العنصرية القبيحة هي اس البلاء تتلبس بلبوس الدين وتمارس في مؤسسات الدولة تحت حماية القانون تجدها في استمارات التقديم للوظائف العامة وفي كل شيئ . كنا قد كتبنا من قبل ان البغض على اساس اللون والعرق والدين والثقافة موجود بين الناس في كل زمان ومكان , لكن مسؤولية الدولة والنخب تلقي عليها تهذيب سلوك المجتمع بالتربية والقدوة الحسنة بقصد التماسك المجتمعي المبني على الاحترام المتبادل لبث الطمأنينة ودرء الفتن . هذا واجب لا تهاون فيه اذا اراد ولاة الأمر العدل والانصاف وتهمهم الطمانينة العامة ودرء الفتنة . فاذا لم تردع الناس حسن التربية والاخلاق فليردعوا بالقانون . يكون ذلك بسن التشريعات والقوانين الرادعة للمارسات العنصرية قولاً وفعلاً وأخذ الأفظاظ الغلاظ المأفونين والجهلة والجبارين بقوة القانون حتى لا تكون فتنة يتأذى منها الناس والمجتمع بأكمله .
سنت كثير من الأمم التشريعات في تجريم العنصرية سلوكاً وفعلاً – في اروبا وامريكا وكندا وغيرها . ولعل خير مثال المملكة العربية السعودية . قرأنا قبل فترة خبر الطبيبة السودانية التي اعتدى عليها أحد الشباب السعوديين بالضرب بالعقال في مقر عملها بالمستسفى وسبها بالفاظ عنصرية . فكان جزاؤه الحبس حتى يلقى جزاءه المستحق , وقد رفض لذويه حتى الافراج عنه بكفالة . كما طالعتنا الاخبار أيضاً بقصة الكابتن(ة) طيار السعودية من أصول هوساوية عيرها أحد السعوديين بعبارات عنصرية , فتقدمت بشكوى لرد اعتبارها وأخذ حقوقها المكفولة بالقانون وحتى ينال المعتدى جزاءه المستحق . هذا ركن أصيل في التشريع السعودي القصد منه تماسك المجتمع بإشاعة الاحترام المتبادل بين الناس ودرءاً للفتنة . فكيف حالنا في السودان والفتنة العنصرية يوقظها رأس الدولة فعلاً وقولاً تجري على لسانه كما يحتسي كوباً من الشاي , ومجموعات كاملة من السكان تباد بدوافع عنصرية بينما مجموعات أخرى تتحاور فيما بينها في شأن الحكم وكأن أمر الابادات لا يعنيها.
حال الانشطار القائم في بنية المجتمع السوداني تتطلب قيادة ذات بصيرة تتسامى فوق الخصوصيات الذاتية وشح الأنفس لرحاب إعلاء الشأن الوطني الجامع . كنت اتمنى ان لو التأم مثل هذا اللقاء للحوار في كاودا أو الفاشر للتأكيد للمجموعات المغبونة بان ناس المركز قد تساموا على خصوصياتهم واتوا بقلب مفتوح الي المجموعات المغبونة في عقر دارهم يطلبون الصفح والتسامع وبدء صفحة جديدة لبناء السودان الموحد المعافى من الامراض والأحقاد , مثلما فعل المهاتما غاندي حين اشتدت الفتنة الطائفية في الهند بين الهندوس بزعامته هو وبين المسلمين . فما كان من المعلم العظيم – حين استشعر خطورة الفتنة المحدقة – إلا أن احتمى بمنزل زعيم الطائفة المسلمة لثلاث أيام بلياليها كانت كافية ان تهدئ روع الأكثرية الهندوسية الغاضبة وتنزع فتيل الفتنة , وتعبد الطريق لبناء الأمة الهندية على أسس متينة من التعايش السلمي بين كافة مكونات المجتمع وطوائفه لتصير الهند مثالاً لأكبر وأنجح الديمقراطيات في العالم اليوم . من المفيد ان نؤكد هنا مرة أخرى الفشل الكبير في حالة السودان مقارنة بحالة النجاح الباهر للهند على الرغم ان البلدين مرا بظروف متطابقة تقريباً لازمت تاريخ استعمارهما واستقلالهنا من الدولة الاستعمارية الام : بريطانيا . هلا أخذ قادة السودان العبرة من تجربة الهند حتى يتبينوا سبب نجاح اولئك وأسباب فشلهم ؟؟
سوف لن يجدي الحوار من جانب واحد , فهو ان مصى في هذا الاتجاه إما انتهى الى مزيد من تمزيق الوطن , أو الى رواندا أخرى في افريقيا في أسوأ الافتراضات . حكمة القيادة تقتضي تجنيب البلاد كلا الخيارين الكارثيين باجراء مصالحة وطنية حقيقية تخاطب اس المشكلة السودانية المتمثلة في هيمنة أحادية من عنصر واحد وثقافة واحدة وفكر واحد على باقي مكونات المجتمع السوداني بتنوعه العريض . وتقنضي المصالحة الوطنية الحقيقية الا يترك الأمر في أيدي ذات الناس الذين كانوا ولا زالوا هم حداة الفتنة بسبب قصر نظرهم وقصر قامتهم الوطنية القزمة التي قزمت الوطن الكبير . لا أعتقد ان الذين تحلقوا حول مائدة الحوار مؤهلين للقيام بدور المصالحة فهم لا يمكن ان يكونوا الخصم والحكم في آن واحد . الحوار الجاد بجب ان يوكل الى فئة محايدة بعيدة عن الاستقطاب الحاصل الآن , ونقترح لذلك الآتي في نقطتين:
النقطقة الاولى:
يجب إجبار حكومة المؤتمر الوطني على الموافقة على قيام حكومة انتقالية مدتها خمس سنوات تشكل من التكنوقراط كجهة وطنية محايدة تقف على مسافة واحدة من كافة المجموعات والكيانات والاحزاب . يتم الاتفاق بين كل القوى السودانية في الحكومة والمعارضة وحاملي السلاح والجبهة الثورية والشباب وسودانيي الشتات والمنظمات المدنية على الضغط على الحكومة بالقبول بالوضع الانتقالي درءاً للفتنة الوطنية الشاملة ولا مساومة على مصير الوطن الذي يتمزق.
النقطقة الثانية:
ان ينصب الحوار الجاري فقط حول مهام الحكومة الانتقالية , ونقترح ان يشمل ذلك :
أولاً : الامور الملحة التي لا تقبل الارجاءً :
وقف الحروب فوراً والتدخل السريع لحل الازمة الانسانية في مناطق النزاعات ثم معالجة الازمة الاقتصادية والبدء الفوري في رفع المعاناة عن كاهل المواطنين .
اعادة هيكلة القضاء وإعادة هيبته وحيدته كأهم جهاز للاشراق القانوني على انفاذ مهام المرحلة الانتقالية بتقويته وتمكينه من الاضطلاع بهذا الدور الهام في هذه المرحلة المفصلية , يوكل الى شخصيات قانونية وطنية عرفت بالنزاهة والعدل والالتزام الاخلاقي المهني.
حل المليشيات والاجهزة الامنية المسلحة التي اصبحت أخطر مهددات الأمن الوطني , وتحويل ميزانياتها للخزينة العامة لدعم ضروريات الحياة في الاكل والعلاج والتعليم .
ثانياً : ينتقل الحوار الى المواضيع الأخرى والخلافية للفترة الانتقالية مثل المساءلة القانونية عن الانتهاكات واستراداد الاموال العامة المنهوبة والدستور وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة في الخدمة المدنية والقوات النظامية وغيرها. القصد من مدة خمس سنوات اتاحة وقت كاف لاعادة شؤؤن البلاد الى الوضع الطبيعي وتنفيس حالة الاحتقان والاستقطاب ولتهيئة الناس لمعرفة وتلقي اطروحات الوضع الجديد والافكار الجديدة والتعرف على القوي الجديدة التى ظل النظام يكبت صوتها على مدى 25 عاماً المنصرمة .
سنن الحياة وعبر التاريخ تؤكد هزيمة المتخلفين:
سنن الحياة وعبر التاريخ تعلمنا ان مسيرة الحياة تمضي في صراع سرمدي بين الخير والشر , بين قوى النور والظلام , بين الحق والباطل , بين الانسان والشيطان , تنتصر فيها قوى الخير والنور والحق والانسانية . يحدو هذه المسيرة الانبياء والمرسلون الذين جاءوا لخير الانسانية مبشرين ومنذرين . ثم جاء من بعدهم العلماء والفلاسفة والمفكرون والانسانيون يبشرون بذات الرسالة النبيلة لخير بني آدم . تنتظم العالم اليوم قيم الخير والعدالة والحرية واحترام الحقوق الانسانية والكرامة الآدمية متسقة مع تعاليم الاسلام "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثيير مما خلقنا تفضيلا" (صدق الله العظيم). هذه القيم صارت قوانين تحميها الشرائع الدولية والمجتمعات الانسانية في كل مكان من العالم . يعني ذلك بداهة ان ناعقي الشر والفساد والطغيان والظلم يتخلفون عن مسيرة الانسانية القاصدة فلا مكان لهم في عالم اليوم ومصيرهم التساقط والاندثار والانقراض لا محالة , مهما تمترسوا خلف أدوات القمع ومليشيات الارهاب وفلول المجرمين . سوف يتحرر السودان عاجلاً أم آجلاً من هذه الشرور إن شاء الله , لكن نرجو ألا تطيل هذه القوى التي رهنت السودان وقعدت به حبيساً لديها على مدى ستين عاماً المتصرمة , الرجاء – وهي على عتبة الانقراض - ألا تطيل القعود بالوطن أكثر من ذلك وتطيل معه أمد معاناة الناس الطيبين . نرجو ان تفك اسر السودان حتى ينطلق الى رحاب النمو والازدهار والرفاهية التي تؤهله لها امكاناته المادية والبشرية الضخمة التي حبانا بها سبحانه : هذه النعم التي تستوجب الحمد والشكر لله سخرها هؤلاء في الاتيان بالمنكرات من خراب ودمار وفساد , وفي الكبائر في الحروب وسفك الدماء وفي قتل النفس التي حرمها الله إلا بالحق , في انكر صور الجحود والكفر بالنعمة الموجبة لنقمته سبحانه نسأله اللطف ومن غضبه ومن سخطه بما اقترفه السفهاء منا.
السبت 19 جمدى الآخر 1435 ه الموافق 19 ابريل 2014 م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.