شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالفيديو.. بشريات عودة الحياة لطبيعتها في أم درمان.. افتتاح مسجد جديد بأحد أحياء أم در العريقة والمئات من المواطنين يصلون فيه صلاة الجمعة    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دارفور ،، الحقيقة الغائبة..!!
نشر في سودانيات يوم 13 - 04 - 2012


[b]
مقدمة
ولما دخلت أوراق فضيحة دار فور وصورها المحزنة مراكز الرصد الغربي والأوربي أصبحت مادة مرغوبة على القنوات الفضائية والصحافة الحرة، وراحت الاقلام تكتب وتدبج المقالات من غير هدى ولا كتاب منير، ومع تزايد الطلب على تناول القضية عالميا ضاعت الحقيقة وسط الزحام الاعلامي، حتي تجاوز الاعلام الحقيقة بتناوله لأبعاد القضية الانسانية في دارفور، وصارت في نظر العرب والكثير من المسلمين قضية استعمار أمريكي يريد ان يبسط سيطرته على الاوضاع في السودان.
هذا الكتيب يفند إدعاءات وأكاذيب النظام في السودان لأسباب نشوب الحرب في منطقة دارفور السودانية الذي وصفه بأنه (صراع حول المرعى) والحقيقة أن اسبابا معنوية وسياسية كثيرة تسببت فيها الحكومة السودانية هي التي خلقت هذة الحرب بسبب تعسفها تارة وتجاهلها تارة أخرى، وفي هذا الكتيب اتعرض بالمعلومات المثبتة تاريخيًا،حيث تربطني بدارفور علاقة قوية ومتينة وقد عملت في صحيفة (دارفور الجديدة 1993-1996م) و كنت رئيسا لقسم الاخبار فيها ومن خلالها وثقت العديد من المناسبات التاريخية الهامة بالنسبة لولاية دافور الكبرى، من خلال عملي في منطقة دارفور توثقت علاقتي بالكثير من قادة المنطقة العسكريين والسياسيين والفنانيين والاعلاميين والقانونيين، علما انني انتمي الي منطقة نهر النيل بشمال السودان من قبيلة الجعليين، واهتمامي بقضية دارفور ينبع من ارتباطي بالحقيقة المجردة كوني صحافيا ولا أجامل في قول الحق وهكذا نشأت وترعرعت والكثير من الذين يعرفونني يشهدون بذلك، ولا يهمني بعد ذلك رد الفعل من الاخرين ما دمت اقول الحق، وقد ظل ابناء دارفور من العام 1995م يرفعون مظالمهم لولاة الأمر، حتي تفاقمت الامور في 1997م، وكانت الحكومة تتجاهل القضية برغم الانذارات التي يطلقها مقربون من سدة الحكم ، وفي 1998م تزايدت المشكلة ولا من مجيب، وفي 1999م رفع ابناء دارفور مذكرتهم الشهيرة متضمنة كل القضايا، وكانت الحكومة تتجاهل عن عمد، واليوم بعد اشتعال فتيل الازمة وتزايد ضغوط المجتمع الدولي، تطلب الحكومة مهلة من الزمن وهي التي تجاهلت نداءات أهل دارفور العقلاء لأكثر من 7 أعوام، مضيعة الفرصة ونحن شهود على ذلك، واليوم تتباكى على اللبن المسكوب.
أرجو ان تكون مادة هذا الكتيب قد اضاءت الكثير من المخفي في قضية السودان المطروحة للمجتمع الدولي، وقد تعمدت ان يكون الكتيب بهذا الشكل غير المنضبط بحثيا لأن مادته هي عبارة عن معلومات أخبارية نشرت بالصحف وتناولتها وكالات الانباء العالمية.
تعريف بدارفور
دار فور بولاياتها الثلاث تغطي الجزء الغربي من السودان وتمثل مساحتها (خمس) 1/5 مساحة السودان حيث تبلغ مساحاتها الكلية 549 ألف كيلو متر مربع وتعادل مساحتها مساحة فرنسا ، أرض بكرة صالحة للزراعة، أما تعداد سكانها حسب آخر إحصائية سنة 1999 قد بلغ أكثر من أربعة مليون.
* تقع ولايات دار فور في أقاصي غرب السودان بين خطوط طول 22 و27 شرقا وخطوط العرض 10 و16 شمالا، ولايات دار فور تشارك الحدود الجغرافية كل من ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطي.
وتقول بعض الكتابات التاريخية أن (دار فور) كانت دولة مستقلة ذات سيادة خلال الفترة من 1650م وحتى 1917م وكانت تسمي نفسها (سلطنة دار فور) ومنذ العام 1917م وحتى ما بعد استقلال السودان عن بريطانيا لم تشهد دار فور سوى محاولات ضئيلة لتنميتها اقتصاديا ولقد ساهمت الحكومات السودانية المتعاقبة في الربط الدائم للمنطقة بالنزاعات والجفاف والمجاعات والجهل والأمية المتفشية بين الناس ولم يكن التخلف الاقتصادي وحده الذي لعب الدور في ما آلت إليه الأمور وإنما على المستوي السياسي والثقافي بسبب تجاهل الحكومات المركزية السودانية للمنطقة أهلها حتى تم عزل دار فور عن باقي مناطق السودان، وقد تأثرت هذه المنطقة بالتقلبات السياسية السودانية والتي بدورها ساهمت في هذه العزلة علاوة على تطبيق سياسات خاطئة غير مدروسة من قبل الحكام الذين حكموا السودان، وفي الفترة الأولي للحكم الوطني ما بعد الاستقلال ظلت المنطقة تشهد التجاهل التام من قبل القائمين على أمر البلاد ،إذ كان الصراع السياسي على السلطة هو السمة البارزة للحكومات السودانية بمعنى أن الحكومات كانت تقبع في الخرطوم العاصمة وتتصارع وتصل أحيانا ألي حالات عصيبة فيما بينها، وكما يقول المراقبون للأحداث في السودان انه كلما زادت حدة الصراع السياسي كان مدعاة للعسكريين ان يطيحوا بالنظام .. وبسبب الصراع بين الأحزاب الكبيرة في البلاد لم تتغير الأحوال في مناطق السودان المختلفة ومن بينها دار فور رغم أن المنطقة معروفة بتربتها الزراعية والتي أصبحت يوما ما من اكبر مناطق تصدير سلعة (الصمغ العربي) لأسواق العالم قاطبة، كما هي أكبر مورد للماشية في السودان .
في عهد الرئيس جعفر محمد نميري وفي العام 1982م ُطبق نظام الحكومات الإقليمية على مناطق السودان والذي أدى إلي تكريس تخلف التنمية الاقتصادية في المنطقة وجعل العزلة السياسية والثقافية النسبية في السودان واقعا ملموسا، و منذ زوال نظام الرئيس جعفر نميري وحتى انقلاب (الانقاذ) بقيادة عمر البشير في يونيو 1989م شهدت المنطقة الدار فورية قمة الفوضى السياسية والأمنية ولعبت فيها الأحزاب السياسية السودانية الدور الكبير في إراقة الدماء بين أبناء المنطقة من خلال ما تملكه من أدوات الصراع السياسي والاستفادة من المنطقة في تكبير(الكوم) حتى تتمكن من السيطرة على مقاليد الأمور في السودان وهذه الفترة كذلك أكثر الفترات التي شهدت تدخلات من خارج الحدود السودانية للمجموعات المسلحة في دول الجوار التي استغلت الغياب الامني والعسكري لتتخذ من دار فور ميدان لصراعاتها المسلحة التي تلعب فيها التوجهات القبلية المشتركة بين البلدين العامل المهم.
شواهد
أصبح كل ما ينشر داخل السودان من إنجازات تبقي الصور الحقيقية للاوضاع غائبة عن التناول ومن اجل ذلك يحدث ما يحدث من إراقة للدماء في أماكن عديدة من السودان الواسع الانتشار، ومنطقة (دار فور) دون مناطق السودان الاخري ظلت على الدوام تقدم الشكاوى والتحذيرات للحكومة الاتحادية في الخرطوم حتى تصل النجدة لإيقاف نزف الدماء ولإنهاء التجاوزات الحكومية سؤاء في المال العام او في استخدام القوة لغير ما خصصت له، ومنذ بداية العام 2000م أصبحت الخرطوم تعج بخلافات الحاكمين التي أصبحت غير خافية على احد.
وفي هذا الوقت اجتهد أبناء دار فور المتواجدين في العواصم الولائية وولاية الخرطوم بشكل خاص بعقد الاجتماعات في الهواء الطلق حتى يبينوا لأهلهم ما يجري في مناطقهم وكانوا من فترة لاخري يقابلون المسئولين الاتحاديين ليشرحوا قضيتهم ، ولا يجدوا إلا الوعود الكاذبة وأحيانا الزيارات عديمة الجدوى والتي تزيد الطين بله، وشخصي كصحافي أشهد على العديد من المبادرات التي قام بها أبناء دارفور قبل اندلاع الازمة بسنوات، حيث تربطني علاقات حميمة مع أخواني مثقفي ولايات دارفور، وكنت من خلالهم أعرف كل ما يدور في ساحاتهم من مشاكل، وكيف انهم كانوا يسعون لمقابلة رئيس الجمهورية، ويفشلوا في ذلك، او يمنعوا من ايصال رسالتهم الي الرئيس عمر البشير.
لماذا دار فور ..؟؟!!
دار فور تلك البقعة العظيمة من السودان والتي يوما ما كانت تصنع كسوة الكعبة المشرفة وترسلها من أقاصي غربي السودان إلي مكة المكرمة بيت الله الحرام وهي مزينة بأجمل واغلي أنواع القماش السوداني الأصيل وأروع ما صنعته أيادي السودانيين في ذلك التاريخ ،، هذه المنطقة -دار فور- عانت كثيرا في عهد (الإنقاذ الوطني) كون النظام الذي جاء مبشرا بالمشروع الحضاري (الإسلامي) وقد دفع في سبيل تصدير هذا المفهوم المليارات من مال الشعب السوداني وعشرات الآلاف من النفوس الزكية ،، ولكن للأسف كانت أكثر الأنظمة التي زادت الحال سوءًا لولايات دار فور وللمناطق الاخري التي تشبه دار فور في الحلم والتاريخ حيث صنعت (الإنقاذ) من العنصرية والقبلية نيران تستعر لتحرق أهل السودان الذين اشتهروا بإفشاء السلام بينهم.
الدولة قد بذلت الجهد الأكبر في إعادة القبلية وتعطيل المؤسسات المدنية بجانب إعطاء المشروعية والمسؤولية للقبيلة بدار فور وأوكلت إليها المهام الإدارية والأمنية وباركت تحت إشرافها تسابق القبائل في تجميع شتاتها استعدادا للمناطحة في الحق على الأرض والمكتسبات السياسية وحماية ذاتها من أخطار الأخريات. وقد انتظمت هذه القبائل في مؤسسات عرقية بتشجيع السلطة وإشرافها، فأسست أماناتها المتخصصة وهيآتها الاستشارية وتنظيماتها التي أوجدت لها التمويل واستقطبت لها الاشتراكات وإلى جوارها مضت الدولة في تقليص دور المؤسسات المدنية وتشريد كفاءاتها.
وقامت بإعادة تقسيم وترسيم الأرض حواكيرا للقبائل ولم تراع في ذلك خصوصيات الإدارة (الأهلية) بدار فور بما يتطلب مراعاة الحدود القبلية والإدارية للعشائر والمتعارف عليها منذ استقلال السودان، ولم يكن غريبا أن يشاهد الناس فيما عرف ببيعة أهل القبائل لرئيس الجمهورية حيث كانت تحتشد بين الأسبوع والأخر في (القصر الرئاسي) أو (قاعة الصداقة) حشود القبائل لإعطاء رئيس الجمهورية البيعة وهي بيعة للولاء كما يعرف عنها ويحضرها كل المسئولين في الدولة وكانت تصور وتبث عبر الفضائية السودانية وتصرف عليها الدولة المال الكثير يفوق ال 100 مليون جنية سوداني (حوالي 2،5 مليون دولار أمريكي) على اقل تقدير وهو مبلغ متواضع للغاية بالنسبة لجمع الحشود في زيارات رئيس الجمهورية للولايات وهذا الاهتمام بالقبلية وتكريس هذا المفهوم لدي الناس نتج عنه بشكل مباشر وسريع صراع القبلي بمنطقة الجنينة (غرب دار فور) (بين قبيلة المساليت وبعض القبائل العربية) حيث قتل فيه العشرات من الناس، والعديد من النزاعات الدموية التي جاءت نتيجة لهذه السياسات، وشردت كذلك العشرات من الأسر،، ويبقي الاهتمام بالقبلية و العنصرية من اكبر العوامل الذي فجرت الأوضاع في دار فور وفي كل أنحاء السودان، كل الجهود التي بذلتها الحكومة في أرساء قيم القبلية والعنصرية لم يقابلها 1% من أرساء قيم الوحدة الوطنية ونبذ العنصرية والقبلية، وتشهد بذلك اراشيف الصحف من مخاطبات وزيارات.
بدايات الازمة
في يوم الجمعة 19 يناير من عام 1999م اندلعت اعمال العنف القبلي في ولاية غرب دارفور وصاحبها قتل ونهب ونزوح، و المنطقة التي شهدت الصراع مشهود لها بالهدوء والتسامح والسلم الاهلي عبر تاريخها، بل في ظل الحروب الاهلية والقبلية التي عرفتها دارفور خلال عقد سنوات الثمانينات وقسما من سنوات التسعينات، ظلت تلك المنطقة مثار اعجاب الكثيرين كنموذج للسلم الاهلي، ونتاج صحي للتلاقح العرقي والثقافي، وفي هذه الحادثة هاجم الرعاة المزارع قبل اكتمال الحصاد، وأوقدوا بذلك شرارة الصراع، واندلعت اعمال العنف، وتوالت، هذا هو السبب المباشر، لكن الخلفية التي تأسست عليها اعمال العنف فتعود بحسب عدد من ابناء المنطقة الى التغييرات الادارية والبنيوية التي احدثتها الاجراءات التي اتخذها محمد احمد الفضل الوالي السابق لولاية غرب دارفور، والتي انتقص بموجبها سلطات سلطان قبيلة المساليت الزنجية وأصحاب الأرض، ومنحها لعدد من بطون القبائل العربية الرحل الذين يعتبرون ضيوفا على سلطان المساليت المشهود له بالحكمة والتسامح، وعندما صارت تلك السلطات امرا واقعا طالب ابناء المساليت ضيوفهم بالبحث عن ارض اخرى خارج ديارهم ليمارسوا عليها السلطات التي منحها لهم الوالي السابق. وتوالت الاحداث التي نتج عنها سقوط 108 قتلى بحسب صحيفة (الانباء) الرسمية ( حتى نهاية الاسبوع الاخير من يناير1999م) وعدد لم يحص بعد، من الجرحى والمعاقين، وحرق (100) قرية، ونزوح الآلاف ونهب الثروات والأموال، وتخريب الديار والمزارع.
وفسر المراقبون الازمة فضلا عن المتابعين للأحداث هناك بأنها تعود للسعي الى اقتسام موارد شحيحة وغير متجددة وليست مجالا للبحث والدراسة وغنيمة للأخذ دون عطاء، وهذا السعي أوجد خللا بالغا في حياة الناس، علاوة على اجتهادات الوالي التي لم تراع المعالم الاجتماعية للمنطقة ليس هذا فحسب، بل اكثر منه مأساوية ما يتمثل في اعادة بناء الهيكل البنيوي للادارة الاهلية، فاعادة البناء لم تراع ابسط شروطها، وهي المعرفة بتعقيدات المنطقة وظروفها وتاريخها اذ كيف تسلب سلطات سلطان ظل يحكم هذه المنطقة منذ مايزيد على ال 120 عاما، منذ ان كانت منطقته دولة قائمة بذاتها الى ان ارتضى ان يكون جزءا من السودان طواعية ؟ يحدث ذلك دون وضع الاحتمالات المتوقعة والانفجارات المحتملة في الحسبان، الأمر الذي ساق الامور تلقائيا الي نشوب الحريق والهجوم على (الضيوف) وما أسفر عنه من تعقيدات، ثم انفجارات ساقت البلاد الي أزمة عالمية، وليس محلية كما كانت تعتقد الحكومة في محاولتها لإخفاء الحقائق عن الراي العام.
وعندما بلغ الامر مبلغا عظيما، كلف رئيس الجمهورية الفريق أول محمد احمد الدابي مسؤولية الامن بالولاية، وصحب معه في زيارته الاولى للمنطقة اللواء طبيب الطيب ابراهيم محمد خير وزير التخطيط الاجتماعي، حاكم دارفور الكبرى السابق للاستفادة من علاقاته الواسعة التي اقامها مع القيادات القبلية والأهلية ابان ادارته لدارفور، لتسهم (علاقاته) في تخفيف حدة التوترات، والفريق متقاعد مهدي بابو نمر وزير الصحة ابن زعيم قبيلة المسيرية (كبرى القبائل العربية بغرب السودان) وأيضا لاستثماره في تخفيف منابع الحريق، وللأسف كما سنعرف لاحقا ان الفريق أول محمد احمد الدابي ممثل رئيس الجمهورية في دارفور لم يكن في مستوى المسئولية، بل زاد النار اشتعالا بتصريحاته غير المسئولة،( راجع مذكرة ابناء دارفور لرئيس الجمهورية).
وهنا لا بد من ان نعيد قراءة تاريخ المنطقة التي نشبت فيها البدايات الاولى بشي من التلخيص غير المخل، هذه المنطقة ( غرب دارفور) حيث تاريخ سلطنة المساليت، السلطنة التي تشمل ولاية غرب دارفور الحالية كلها والتي كانت دولة قائمة بذاتها منذ العام 1870، وتقع بين خطي عرض 22 23 شمالا، في اقصى غرب السودان على مساحة 70 الف كيلومتر، تحدها من الغرب جمهورية تشاد ومن الشرق والشمال سلطنة دارفور ومن الجنوب جمهورية افريقيا الوسطى، وأسسها الفكي (الفقير) اسماعيل. ويشكل المساليت (القبيلة الحاكمة) نحو 80% من ساكنيها اضافة الى القمز والتاما والارتقا وكلها قبائل زنجية، فضلا عن بعض البطون العربية، وكل سكانها مسلمون. وانضمت سلطنة المساليت الى دولة السودان طواعية، بعد ان قتل اشهر سلاطينها السلطان تاج الدين (قاهر الفرنسيين) الذي استشهد في معركة (دورتي) في العام 1910 وهي ذات المعركة التي قتل فيها الكولونيل مول قائد القوات الفرنسية في افريقيا الاستوائية، بعد ذلك بنحو 9 سنوات وفي 1919 انضمت سلطنة المساليت الى دولة السودان وفق اتفاقية (قلاني) التي وقعها السلطان بحر الدين (أندوكة) مع دولتي الاستعمار انجلترا وفرنسا ويحق لسلطان المساليت، وفق الاتفاقية ان ينضم الى دولة السودان، أو تقرير مصيره مع من يشاء. وخاض سلطان المساليت معارك ضارية كتبت صفحة ناصعة من تاريخ النضال الوطني السوداني ضد الاستعمار، وكان المغنون المساليت ينشدون الحماسة ابان معارك السلطان تاج الدين: (تاج الدين، سيفه سنين، يجاهد المشركين، لحدي ما المهدي يبين). ولسلطان مساليت قصر منيف بمدينة الجنينة شيده السلطان بحر الدين في العام 1949، وزاره فيه عدد من الملوك والرؤساء، في طليعتهم الملكة اليزابيث ملكة بريطانيا، والملك حسين ملك الاردن الراحل، والامام عبدالرحمن المهدي مؤسس حزب الامة وأحد قادة الاستقلال، وعلي الميرغني زعيم الختمية والرؤساء ابراهيم عبود، وجعفر نميري، والصادق المهدي وعمر البشير، وكل هؤلاء تزين صورهم مع السلطان قصره الجميل بالجنينة. وقبل ايام عين السلطان عبدالرحمن بحر الدين الذي تجاوز عمره ال 90 عاما ابنه سعد الذي جاء نتاجا لمصاهرة السلطان لأسرة الهاشماب الشهيرة بأم درمان، عينه سلطانا للمساليت، ليخلفه الحكمة والتسامح عله يعيد الى دار المساليت سمتها البارزة التعايش السلمي والأهلي.
ومن خلال صحيفة (البيان الاماراتية) التي نشرت بدايات وتابعت ما يجري في المنطقة عبر مراسلها من الخرطوم الاستاذ الزميل محمد الأسباط الذي نادى في تغطيته الاخبارية الى تطبيب جراحات الحريق، و التوقف امام هذه الاحداث باعتبار انها علامة فارقة تؤشر الى احتمالات تفتت السودان وهشاشة بنيته، فبقدر ما يمكن للتنوع ان يكون عامل ثراء واغناء، يمكن ان يكون شرارة للحريق الكامل، ان هذه الاحداث تشكل انذارا مبكرا لاحتمالات التفتت، وتنبه ايضا الى ضرورة اغناء التنوع العرقي والثقافي والديني بالحوار والشفافية والعض عليه بالنواجز، وهنا لا بد من التذكير ان الصحافة الخليجية والعربية كانت ترصد وتتابع بدقة ما يجري في دارفور ومنذ البدايات الأولى، قبل ثلاث سنوات بل ظلت تحذر وتنادى وكتب العديد من كتاب الاعمدة في الصحافة الخليجية عن الازمة الدارفورية، كما سنرى لاحقا، ولكن، كان للحكومة رأى آخر..!!
غياب الدولة..!!
ما جرى في التاسع عشر من يناير 1999م في غرب دارفور من صراع دموي كانت له ردود فعل سياسية سودانية كبيرة، حيث طالب د. علي حسن تاج الدين عضو مجلس رأس الدولة المجلس الرئاسي) السابق بضرورة فرض هيبة الدولة، في الوقت الراهن باعتبار أنها فوق كل اعتبار سياسي أو قانوني لأن هذا وحده كفيل بوضع حد للمأساة. وأضاف في تصريح خاص ب (البيان) الاماراتية(الجمعة 125 فبراير1999م) : ان هيبة الدولة محك، ولابد من ايقاف عمليات القتل والسلب والنهب والبحث عن بدائل لحل المشاكل الحالية، والحيلولة دون تفاقم الأحداث. واعتبر د. تاج الدين أن الدولة لا توجد الآن في غرب دارفور، وطالب موفد رئيس الجمهورية باعادة هيبة الدولة، والعمل على بحث جذور المشكلة توطئة لحلها، وختم بالقول: يجب على الدولة محاسبة كل المتسببين في الأحداث المؤسفة ووضع آلية ديناميكية للحيلولة دون بروز مثل هذه الأزمات التي تهدد بنسف السلم الأهلي.
من جهته قال د. معتصم عبد الرحيم العضو القيادي في المؤتمر الوطني الحزب الحاكم وأمينه العام بولاية الخرطوم" ان ما حدث في غرب دارفور شيء محزن وعميق ومؤسف، وأن سوء الفهم فيه لعب دوراً أكبر مما يعتبره البعض تخطيطا مسبقا" . وأضاف ل البيان) : ان ما يطمئن ان الامر وجد اهتماما من أرفع مؤسسات الدولة: رئاسة الجمهورية، التي أوفدت الفريق الدابي لتصريف الأمور الأمنية بالولاية كما شمل التفاعل مع الآحداث نواب المجلس الوطني البرلمان) من دارفور، وزاد: ان سفر وفد وزاري رفيع الى دارفور يؤكد جدية الحكومة في معالجة تداعيات الأحداث، كما يؤكد أن حكومة الإنقاذ) لا تعالج قضايا الشعب السوداني من مكاتب الوزراء في الخرطوم، بل من يعملون من موقع الحدث. وكعادة مسئولي النظام في الخرطوم التلميح والاشارات الكاذبة التي ترمي عواقبها عليها وأشار د. المعتصم الى" ان الحكومة انتبهت الى ان بعض الجهات تسعى الى الاستفادة من الأحداث، في عمل يعارض الحكومة ويظهرها بمظهر العاجز، أو يفاقم من معاناة المواطنين، وكانت الأجهزة الأمنية حريصة مما يجعلها تضع أيديها على خيوط التحركات التي أراد مخططوها توجيه الأمن لأغراض توظف ضد الدولة والشعب السوداني لكنه لم يحدد الجهات المعنية بجديته".
الاحزاب السياسية السودانية جميعها ودون استثناء اصدرت بيانات استنكرت فيها ما حدث من قتل ودمار وحريق وطالبت الحكومة بأخذ الاحتياطات اللازمة لمنع اي حوادث مستقبلا، وفي ذات الايام أصبحت الكثير من المنظمات الانسانية العالمية تتابع بدقة ما يحدث في دارفور والبعض منها طالب الحكومة اذا كانت تحتاج الي اعانات ومساعدات انسانية.
الوالي الذي تسبب في اشعال الفتنة..!!
عندما أصدرت رئاسة الجمهورية قرارها في عام 1994م القاضي باعادة توزيع الولايات ، وصارت من 9 ولايات الي 26 ولاية كان نصيب ولاية دارفور الكبرى ثلاث ولايات وهي شمال وجنوب وغرب دارفور، حيث كان د. الطيب ابراهيم محمد خير واليا على دافور الكبرى صدر الامر بتعيين البرفسيور التجاني حسن الأمين واليا لولاية شمال دافور وعاصمتها مدينة الفاشر، والعميد طبيب بابكر جابر كبلو واليا لولاية جنوب دارفور وعاصمتها مدينة نيالا، والسيد محمد أحمد الفضل المشهور في دوائر الحركة الاسلامية بود الفضل واليا لولاية غرب دارفور وعاصمتها مدينة الجنينة، وبصفتي مسئول قسم الاخبار بصحيفة (دارفور الجديدة ) كنت أحد الصحافيين المرافقين للوفد الكبير الذي ضم الوزراء والولاة الجدد لولايات دافور وغاب عنهم ود الفضل والي غرب دارفور ، وتحركت بنا الطائرة يوم الجمعة 22 رمضان من عام 1994م وبرفقتنا فريق تلفزيوني بقيادة الشهيد المصور الهادي سيداحمد من تلفزيون السودان ، وفي مدينة الفاشر كان هناك استقبالا جماهيريًا كبيرًا من أجل تعريف أهل الولاية بحكومتهم الجديدة ، وكان والي دارفور الكبرى أعد مؤتمرا كبير للتسليم والتسلم من الولاية الكبرى الي الثلاث ولايات وللأمانة كان هناك جهدًا إداريًا كبيرً ا ، وكان سابقة هي الاولى من نوعها في السودان ان يتم تسليم وتسلم في شكل مؤتمر حضره الولاة والوزراء ، ونوقشت فيه اللوائح الادارية والمالية و أساليب العمل في الوزارات ، والكيفية التي تدار بها الامور لكل وزارة على حده.
واتذكر ان د. الطيب ابراهيم محمد خير الذي كانت تربطني به علاقة قوية ، واحيانا كان يستضيفني في قصره بمدينة الفاشر ، قد أتصل لاسلكيا برئاسة مجلس الوزراء في الخرطوم ليعرف اسباب تخلف والي غرب دارفور ود الفضل عن اجتماعات التسليم والتسلم، واذكر تماما أني سألته عن فحوى اتصاله بودالفضل ، وفهمت منه ان السيد محمدأحمد الفضل استنكر تعيينه في منصب والي غرب دارفور ، بمعنى ان هذا المنصب لا يليق به..!!
فلم يحضر ألبته الاجتماعات التي عقدت في مدينة الفاشر ، ولم يتسلم مهام منصبه الا بعد فترة غير قليلة، وحتى عندما استلم مهامه في مدينة الجنينة واليا على غرب دارفور كان أداؤه دون المستوى المطلوب منه ، كثير الصرف البزخي ، وهو الوالي الوحيد من ولاة دارفور الذي خصص ثلاث سيارات لأسرته في الخرطوم ومن بينها سيارة (لاند كروزر) لزوجته، وكانت صحيفة دارفور الجديدة قد ألمحت كثيرًا إلى هذا التصرف، كما اننا في الصحيفة وبحسب علاقتنا الوطيدة مع الطيب (سيخة) والكثير من المسئولين في الدولة لم نكن نخشى من ان نقول الحقيقة ، وقد كشفنا ذات مرة بالارقام و الوثائق كيف ان ولاة ووزراء ولايات دارفور كانوا ضيوفا على أرقى فنادق العاصمة الخرطوم وعلى حساب ولاياتهم ، كما كشفنا ايضا من خلال عملنا ضياع الاموال الكبيرة في مكوث عدد كبير من وزراء وولاة حكومات ولايات السودان بشكل دائم في العاصمة الخرطوم، وعلى نفقة ولاياتهم...!!!
سبعة أخطاء للنظام فاقمت أحداث دارفور
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده السيد الصادق المهدي الزعيم السوداني المعارض، رئيس الوزراء السابق الذي دعا اليه الصحافة المحلية والأجنبية،حيث كرس انتقادات لسياسات الحكومة في الأحداث الدموية التي انفجرت في دارفور (غرب) وتناول المهدي قضية الصراع الدموية في دارفور موضحاً ان هناك مستجدات في دارفور لم تكن موجودة في السابق زادت من اشتعال الصراعات وعدد هذه المستجدات في نقاط سبع الأولى هي تظلم أهل الأقليم من الحكام الذين تم تعيينهم من خارجه في حين ان الاقليم كان في الديمقراطية يحكم بواسطة أهله مع تمثيل عادل له في المركز والثانية ان الحكم الفيدرالي تم تطبيقه خطأ واتضح ذلك في التكاليف التي تفتقر للتمويل والتي جعلت حكام الأقاليم يدورون حول العواصم لتمويل الادارة الاتحادية الفاشلة.
وأضاف ان مؤتمر تقييم تجربة الحكم الفيدرالي الذي عقد مؤخراً دار حول القضايا ولم يحلها ولم يعترف بها مع الاعتراف الفردي بتعثر التجربة لدى المسئولين والمشاركين، وقال ان من بين هذه المستجدات التعامل غير المنهجي مع الادارة الأهلية واخضاعها للتكسب السياسي والاسترضاء مما أضعف الكثير من قدراتها على التحرك والفاعلية.
وأبان المهدي نقطة أخرى مهمة تتعلق بما وصفه بنشاط مستحدث خاصة في منطقة جبل مرة يقوم على نمط هجوم بقوات معينة وعلى هيئة معينة وبعتاد معين في فترة معينة لاحراق القرى ووصف هذه الأحداث المستجدة بأنها هجمات نمطية تستهدف قرى بعينها لتحقيق مقاصدها علاوة على ان الميليشيات التي عملت في المواجهات العسكرية بمناطق التماس كانت لها ذاتية خاصة وأصبحت خاضعة لسيطرة الادارة الأهلية وأي جهة ادارية، وأصبحت تستمد سلطتها من بندقيتها وهؤلاء لعبوا دوراً في الأحداث الأخيرة.
والمستمد من محاولات الانقاذ التي كانت ترمي الى تغيير طبيعة الاقليم السياسية ومحاولات استقطاب المواطنين على أساس سياسي لهدم الولاءات القديمة وما أدى اليه ذلك من تنازع على المناصب واسنادها لغير ذوي الخبرة، وقال المهدي ان مؤشرات الأحداث الأخيرة بدأت في 18 مايو الماضي2001م بداية الهجمات، وكانت هذه المعلومات والنذر معروفة ومشاعة ولم تقم الحكومة بأي اجراءات وقائية.
في الفترة من فبراير 1999م وحتي مارس من نفس العام استمرت اعمال العنف والقتل في المنطقة برغم التحركات الحكومية والمناشدات السياسية، وشعر أهل دارفور عامة بشئ من عدم الاهتمام وتزايد المشاكل ولم تكن مشكلة غرب دارفور هي المشكلة الوحيدة التي تواجه الاقليم وكان منزل الدكتور الطيب ابراهيم محمد خير الوالي السابق لدارفور يشهد زيارات مكثفة لشيوخ وعمد وزعماء القبايل الدارفورية للبحث عن حلول جذرية لقضايا وهموم المنطقة التي تفاقمت، وأذكر ان اللواء الطيب ابراهيم محمد خير المشهور بالطيب (سيخة) في أحدى زياراته لمدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور قابلته الحكامة ( على ما اعتقد )خديجة أم رطوط التي كانت تربطها علاقة حميمة مع الوالي السابق فعبرت عن ما بداخلها من هموم وقالت في حديثها بلهجة دارفورية محببة وكانت وصية ورسالة لرأس الدولة عمر البشير عندما قالت:-
الطيب أبو فليجة ** كلم أبو رقيبة ** خليهو يكلم أبو صليبة ** قول ليه الحالة بقت صعيبة
وكانت تقصد بأبو رقيبة الفريق الزبير محمد صالح ، وتقصد بأبو صليبة الرئيس عمر البشير، كانت رسالة مسئولة وصادقة تعبر عن الحالة التي تمر بها دارفور من فقدان للأمن وغلاء في المعايش، مع بداية زحف المجاعة على المنطقة وكان ابناء الولاية يحاربون مع الحكومة في الدفاع الشعبي والفرسان ضد الحركة الشعبية في جنوب الوطن.
وذات الحكامة خديجة أم رطوط كانت قد ساهمت بقوة في محاربة النهب المسلح من خلال رسالتها الشعرية العفوية والتي تجد انصاتا عجيبا من قبل المواطنين وقالت حينها عندما كان الطيب (سيخة) واليا على دارفور
الطيب الوالي ** ضحيت برجالي** ادونا السلاح نجاهدو طوالي
أيضا لعبت الدور الكبير مع آخريات في حملة محو الأمية (1993) التي نجحت نجاحا منقطع النظير أشادت به كل منظمات الامم المتحدة ذات العلاقة بالتعليم في المجتمعات المتخلفة، هذا ان دل انما يدل على أن الانسان الدارفوري أنسان طموح وذو نظرة بعيدة للامور، كما هو انسان مسالم ان وجد السلام وهو مقاتل شرس اذا هوجم واعتدي عليه وعلى أرضه وعرضه، وقد كشفت الاحداث المآساوية في دارفور عن حجم الكفاءات العالية لأبناء المنطقة التي تمثل خمس السودان، والدور المتعاظم الذي يمكن ان يلعبوه في نهضة البلاد اذا وجدت الديمقراطية طريقها الي أرض الواقع.
دارفور تشكو ازماتها للبشير على رؤوس الاشهاد
في يوم الخميس الموافق 18 مارس 1999م نشرت الصحف العربية ومن ضمنها (البيان) الاماراتية فحوى المذكرة التي رفعها ابناء دارفور المقيمين في الخرطوم نحو 1300 شخصية وقعوا عليها والتي رفعت الى رئيس الجمهورية بينهم دستوريون سابقون وطلاب ومهنيون واعيان ادارة اهلية ومثقفون، والمذكرة تلخص بكل وضوح وشفافية قضية أهل دارفور وهي كما يرى القاري شملت فأوعت، وقد اجتهد كاتبوها في تضمين همومهم ، ولم تكن المذكرة الأولى ولا الاخيرة التي يرفعها اهالي دارفور الي قادة الدولة، والامر الذي لا بد من الانتباه اليه ان تاريخ رفع المذكرة الاسبوع الاول من شهر مارس 1999م فهذا التاريخ سيقودنا الي تفنيد الكثير من ادعاءان النظام القائم في السودان عندما يرمي مسئولية الاحداث الي جهات اخرى والي ملابسات اخرى ليس لها اي صلة بالصراع في دارفور، وهذه المذكرة التي انشرها كاملة أشارت اليها صحيفة الخليج (الاماراتية) أما الصحافة السودانية ونسبة للحصار الأمني عليها لم تتمكن من نشر المذكرة كما نشرتها الصحافة الخليجية، ونشرتها وكالات الانباء ومن ضمنها وكالة أنباء الشرق الاوسط التي تابعت الاحداث أولا بأول.
وجاء في المذكرة الآتي:-
استشعارًا منا للمسئولية الوطنية للسودان الوطن الام الجامع وتجاه وطننا الصغير دارفور بمتطلبات واجبات المسؤولية الانسانية والتاريخية امام الأجيال اللاحقة باختلاف أصولنا العرقية وانتماءاتنا القبلية والسياسية وموروثاتنا المحلية المتعددة. رأينا نحن مواطنو دارفور الكبرى بالعاصمة الاتحادية (طلاب ومهنيون وبرلمانيون سابقون واعيان وزعماء ادارات اهلية) الموقعون على هذه المذكرة ان نرفع لسيادتكم ما فيها من مطالب بواجب الدين الحنيف في قوله تعالى (يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ان الله عليكم رقيبا). صدق الله العظيم
السيد / رئيس الجمهورية:
هذه المذكرة تحتوي على الموضوعات الآتية:
أولا: المشكلات القبلية بدار فور من حيث: أ- تاريخ وأسباب هذه المشكلات ب- الصراع القبلي بمنطقة الجنينة بولاية غرب دار فور ج- جدوى التدابير الاستثنائية بدار فور ثانيا التنمية بدار فور من حيث: أ- تصفية مشاريع التنمية وتعطيل الخدمات بسوء تصريف المال العام وإساءة استخدام السلطة. ب- طريق الإنقاذ الغربي ج- النهب المسلح ثالثا: التعايش السلمي بدار فور المشكلات القبلية بدار فور أ- تاريخ وأسباب هذه المشكلات: في عام 1981 تطور قانون الحكم الشعبي المحلي بالسودان بخلاصة ماحدده دستور عام 1974م وفي اهم مبادئه هيكلة الحكم والإدارة على المستويات الثلاثة: 1- المستوى القومي 2- المستوى الإقليمي 3- المستوى المحلي وانه ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن ظل نظام الحكم الشعبي المحلي من المسلمات الدستورية في شرع الحكم وسماته الأساسية بالدعوة للتوسع في تطبيق مبدأ اللامركزية الإدارية وتدعيم مبدأ الديمقراطية الشعبية والمشاركة الجماهيرية.
والمؤسف حقا أن قوانين الحكم المحلي بدار فور لم تجد التطبيق الفعلي أسوة بالمناطق الأخرى حيث كان ولا يزال المركز يضع العراقيل بما لا يتفق مع السمات العامة للقوانين السارية وكأن ذلك بمثابة تعطيل لتطبيقه بدار فور. ثم أن إهمال الحكومة للتنمية وسياستها هي التي أوجدت الخلل الأمني وكرست المشكلات القبلية، فهيأت الظروف السيئة بين القبائل وكانت نتائجها العنف والاقتتال القبلي والتمزق الاجتماعي فلم تسلم الموروثات المحلية التي ظلت لمئات السنين مفخرة جامعه لأهل دار فور ومتوافقة مع الدولة المدنية الحديثة ومواكبة للتطوير.
والمؤسف أكثر أن الدولة قد بذلت الجهد الأكبر في إعادة القبلية وتعطيل المؤسسات المدنية بجانب إعطاء المشروعية والمسؤولية للقبيلة بدار فور وأوكلت إليها المهام الإدارية والأمنية وباركت تحت إشرافها تسابق القبائل في تجميع شتاتها استعدادا للمناطحة في الحق على الأرض والمكتسبات السياسية وحماية ذاتها من أخطار الأخريات. وقد انتظمت هذه القبائل في مؤسسات عرقية بتشجيع السلطة وإشرافها، فأسست أماناتها المتخصصة وهيآتها الاستشارية وتنظيماتها التي أوجدت لها التمويل واستقطبت لها الاشتراكات وإلى جوارها مضت الدولة في تقليص دور المؤسسات المدنية وتشريد كفاءاتها. وقامت بإعادة تقسيم وترسيم الأرض حواكيرا للقبائل ولم تراع في ذلك خصوصيات الإدارة الأهلية بدار فور بما يتطلب مراعاة الحدود القبلية والإدارية للعشائر والمتعارف عليها منذ استقلال السودان. فنظرت القبائل للأرض من حيث نطاق حقها التاريخي والمكتسب خاصة وان الدولة قد أظهرت القبيلة والعشيرة جسما سياسيا متماسكا فيها مصلحة مشتركة لأفرادها أقوى من روابط العقيدة وغيرها من العلاقات الإنسانية الأخرى حتى بدأ المواطن البسيط يعطي أعمال العنف والنهب المسلح والاعتداء القبلي صبغة من المشروعية طالما تم ذلك في إطار الغطاء والعطاء القبلي.
ورغم ان الفيدرالية ظلت مطلب كل السودان إلا أن تطبيقها دون مراعاة لخصوصية دار فور وموروثاتها الإدارية والقبلية ونقل تجارب المناطق الأخرى مع الإصرار عليها رغم ما نتج عنها من سلبيات عمقت الشقة بين القبائل ومن خلالها نظرت القبائل بدارفور للتنظيمات التي تمت في اطار الحكم الفيدرالي من ولايات ومحافظات ومحليات من حيث سلطتها الإدارية وثقلها الاقتصادي والاجتماعي وتواجدها الكمي، فأذكى ذلك الثغرات الضيقة فباتت تنظر للسلطة ممثلة في شاغليها على أساس انهم يمثلون أصولهم العرقية في مواقع اتخاذ القرار السياسي حيث وضح ان روابطها أقوى بكثير من روابط العقيدة فهي على الأقل الشيء الوحيد الذي يستطيع فيه الجميع تناسي كل شيء والاحتراب من أجل اللاشيء بما يمكن أن يفضي لحروب قبلية طاحنة تطال الجميع وتقضي عليهم. ولعدم وجود أكثر من طرح سياسي يستوعب طموح وتطلعات السياسيين في ظل سلطة الانقاذ بخاصة في المناطق التي يتواجد فيها خليطا من القبائل بدارفور، كان العامل الأكبر في اذكاء نعرة القبائل بنظرتها لمعظم الدوائر الانتخابية التي جرت فيها الانتخابات للمرشح على انه يمثل مرشح القبيلة والقبائل المتحالفة معها. وكشفت الدائرة (90) أبو كارنكا الضعين لعضوية المجلس الوطني 1996م فداحة ما خلفتها سياسة الانقاذ بدارفور حيث قام بعض المواطنين بالاعتداء على مراكز الفرز وأخذ صناديق الاقتراع عنوة واقتدارا، ولولا قدرة الله ولطفه لحدث مالا يحمد عقباه كل ذلك لم يجد التقييم السليم حيث تعاملت السلطة مع تلك الأحداث المؤسفة ببساطة متناهية بالغاء نتيجة الدائرة على أساس حدوث شغب على ان يعاد بها الاقتراع لاحقا. وذلك ما لم يحدث حتى الآن، فوقفت السلطة شاهدة على ذاتها بخطورة الظروف السيئة التي أوجدتها سياستها بين القبائل بدارفور. أما السكوت الجماعي فكان عملا اجراميا بحق مواطني الدوائر المسكوت فيها بدارفور إذ تضمن السكوت ترضيات وتوفيق لمصالح ضيقة واطماع عنصرية واسكاتا لأصوات في اطار توزيع الغنائم، حيث لم تكن الكفاءة والمزايا والصفات المطلوبة في النائب البرلماني من ضمنها بأي حال من الأحوال، وحيث لا نظم مؤسسية تضبط الترقي السياسي في الانقاذ وجد بعض المثقفين وحملة الشهادات من أبناء دارفور في هذا الفهم المغلوط واستجابة السلطة الآنية بمكافأة من يتصدرون المواقف وتعلوا أصواتهم بالمطالبة لمناطقهم المهمشة بالتنمية والثروة والسلطة بالمنصب الرفيع ما شجع الطامحين بدوافع ذاتية المكاسب فتولدت من المشكلات المصائب والويلات.
ب/ الصراع القبلي بمنطقة الجنينة (بين قبيلة المساليت وبعض القبائل العربية) من سياسة اعادة ترسيم الأرض بين القبائل وانشاء الادارات الأهلية الجديدة (الأمراء) خرجت الفتنة بغرب دارفور من حيث لا يحتسب أحد وستفضي إذا لم تدرك لتشمل الجميع، ثم ان ما يجري الآن بالجنينة من تقتيل وتشريد هي مسؤولية السلطة الاتحادية أسبابا ونتائج حيث افرز نقل تجارب المناطق الأخرى (الأمراء) والتي جاء بها والي غرب دارفور الأسبق/ محمد أحمد الفضل في عام 1995م من كردفان لمنطقة الجنينة بالمسطرة الكارثة المشهودة الآن (شبيهة بالجرة التي وضعت بين جماعة من الصيادين ليتنافسوا على ما في داخلها من كنز فتقاتلوا فيها حتى ماتوا جميعًا إلا واحدا منهم وبقي حيا ليظفر بها ويدخل يداه داخل الجرة ليجد فيها حية سامة لدغته ومات في الحال) يا الجنينة بؤرة الفتنة والتمزق والقتل الجماعي في اللاشيئية الحقيقية وعظمة الأوهام.
ثم جاءت القرارات الكثيرة والمتلاحقة دون الوقوف على خبايا وحقيقة الملابسات ودراستها وتقييمها بالعلم والمعرفة ثم علاجها فأخذت القرارات تخرج مجافية للمصلحة العامة وكان بعضها قرارات تخض على الفتنة بين أهل دارفور وتدفع بالحركات المعاكسة التي أخذت تطل برأسها. وكان لتكريس الجهل والأمية والتخلف والاحتراب القبلي بتسييس القبائل ونظرتها للادارات الأهلية في مظهرها الجديد بأن فيها مكاسب سياسية وسلطوية الدور الأكبر ما دفع تلك القبائل لتناسي تعاليم دينها الحنيف وقوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم ان الله عليم خبير) صدق الله العظيم. فلم تلتفت لتنظر لتسابق الأمم والشعوب نحو الرفاهية والازدهار بروابط العلاقات الفكرية والانسانية والتكتلات الاقتصادية. فاحرقت القرى والفرقان وازهقت الأرواح ودمرت الحياة البريئة ومزقت الوشائج وقطعت العهود، فتخلخل النسيج الاجتماعي المتماسك بما سيؤدي قطعا في المستقبل إذا لم يتم تدارك الأمر بايقاف اندماج عناصر دارفور العرقية المتباينة مما ينعكس بعد ذلك سلبا على وحدة السودان وقد تهيأ الجميع قوة وعتادًا.
ج/ جدوى التدابير الاستثنائية بدارفور: ومنذ مجيء الانقاذ للسلطة في 1989م وحتى الآن لم ترفع حالة الطوارئ من دارفور حيث يد السلطة طليقة في دخول الأماكن العامة والخاصة والتفتيش دون إذن أو أمر، وتحديد اقامة وحركة تجوال المواطن، والاستيلاء على الأموال والممتلكات الخاصة بحجة اغراض الطوارئ وملاحقة جناة عصابات النهب المسلح، حيث تم استخدام سلطة الطوارئ بأبشع صور الاستخدام ووجدت السلطة عندما تحتاج لمزيد من القمع وبأشرس الوسائل دون ضابط أو حسب ضآلتها في ذلك (الطوارئ)، فكان اعلان الطوارئ مع تعيين العقيد/ الطيب ابراهيم محمد خير حاكما على دارفور الكبرى في أوائل التسعينات، فاستبيح حرمة الأماكن الخاصة وتم انتهاك حقوق المواطنين وملاحقة الأفراد بواسطة أصحاب الأغراض المريضة بحجة الاشراف والمحافظة على شؤون العقيدة الإسلامية، ونورد من تلك التجاوزات المتعددة مقتطفات من أمثلة متنوعة:
1 تم تسور منزل مواطن بالفاشر يعمل في خدمة العدالة والقانون ودعا من قاموا بذلك لمسيرة كبرى باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاطبها الحاكم بالقول بعد التعريض بالمهنة التي يعمل بها الضحية (بانه تم القبض على ذلك المواطن عاريا كما ولدته أمه) وبث الخطاب عبر أجهزة الإعلام المحلية المسموعة والمرئية.
2 تم ايقاف حركة المواطنين بالسيارات (عرف بصمت الحركة) كل أسبوع ابتداء من ليلة الأحد وحتى صبيحة الثلاثاء فتعطل مصالح الناس وكان ذلك بحجة توفير الوقود استعدادا لتحمل المشاق ومحاربة أمريكا، ثم أصبح السماح للمواطنين باستخدام السيارات يوم الصمت (الاثنين) كل أسبوع عن طريق تصديق برسم مالي.
3 تم ازالة بعض منازل المواطنين لأغراض بيع الأرض في خطط استثمارية دون سابق ترتيب وعندما أوقفت المحكمة المختصة تلك الاجراءات لم تعترف بذلك سلطة الطوارئ.
4 تدخل أصحاب النفوس المريضة باسم الاصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أخص خصوصيات المواطنين وكادت أن تحدث الفتنة الدينية عندما لاحق هؤلاء مواطنا بجنوب دارفور (اسمه يوسف) من أم عربية مسلمة وأب مسيحي قبطي بالحبس والجلد لعلاقته بفتاة مسلمة أفضت بالزواج. هذه الأمثلة لكثير مما يحدث بدارفور اكدت أن الطوارئ يؤتى بها لاطلاق يد السلطة دون قيود القانون، فكانت الطوارئ بدارفور في أواخر عام 1997عند نهاية مؤتمر الأمن الشامل بنيالا، ثم الإعلان الثالث في عام 1998م عقب السطو على بنك السودان فرع نيالا وأخيرا وليس آخرا مع أحداث تياريك بولاية غرب دارفور حيث تم تعليق سلطات والي غرب دارفور الأمنية واسناد مهامه لحفظ الأمن والنظام لممثل رئيس الجمهورية.
السيد رئيس الجمهورية
لعل كل الذين تابعوا واستمعوا لتصريحات السيد ممثل رئيس الجمهورية لشؤون الأمن والنظام العام بولاية غرب دارفور (الفريق الدابي) وجدوا في كل تصريحاته وبياناته مع تقديرنا الشديد له ما يمكن ان يقال عنه صب الزيت على النار، حيث لم تشتمل على الجوانب المطلوب بيانها، حيث سار وبكل أسف في ذات الاجراءات والحلول السابقة التي أخذت ذات الوتيرة القديمة (تسابق في الادلاء بالتصريحات والبيانات حول الحدث وسط حظ من التغطية الصحفية والإعلامية الكثيفة فتكوين لجان المساعي الحميدة مصحوبة بالدعوة لعقد مؤتمر صلح جامع بين الأطراف لحضور كبار المسؤولين بالدولة فحضر العلاج في تجميع الديات، والتعويضات لتوزيعها على المتضررين. وحيث شكك بعض أهل دارفور في الظروف والاجراءات التي جاءت بالفريق الدابي ممثلا لرئيس الجمهور لشؤون الأمن والنظام العام بولاية غرب دارفور وبأن فيها تكريس لنظرة الوصاية المعروفة والمرفوضة عند انسان دارفور يدعمون رؤيتهم تلك بما صحب وصول الفريق الدابي لولاية غرب دارفور من امكانيات ضخمة لم تتوفر لمن سبقوه وفي ذات الوقت تم حبس منسق ولاية غرب دارفور بالخرطوم بحراسة الخرطوم شمال لارتداد شيك من حساب الولاية لعدم وجود رصيد. نجد في اعلان الفريق الدابي عن تشكيل محاكم طوارئ خاصة بأحداث الجنينة الأخيرة لملاحقة المشتبه في تورطهم جنائيا ما سيؤدي احكامها إذا قدر لهذه المحاكم ان تنعقد وتصدر أحكاما بشأن هذه الأحداث ما سيؤدي لزيادة الاحقاد واثارة روح النقمة والانتقام، حيث لا تتوفر لهذه المحاكم سوى بيئة الخصومة التي يتطوع أطراف النزاع في تقديمها ضد الآخر.
3/ التنمية بدارفور أ
تصفية مشاريع التنمية وتعطيل الخدمات بسوء تصريف المال العام واساءة استخدام السلطة. دارفور بولاياتها الثلاث تغطي الجزء الغربي من السودان وتمثل مساحتها (خمس) 1/5 مساحة السودان، أرض بكرة صالحة للزراعة، أما تعداد سكانها حسب آخر احصائية سنة 1999 قد بلغ أكثر من أربعة مليون مواطن يعيشون على الزراعة والرعي في الريف وسكان المدن يعيشون على التجارة والتوظيف الحكومي والمهني. ان أكثر ما تعاني منه ولايات دارفور النقص الحاد في خدمات التنمية وأدوات التعليم والصحة في حالة احتضار تام وتلفظ أنفاسها الأخيرة حيث وضح ان ولاة الأمر بدارفور مهمومون ومشغولون بكل شيء إلا شؤون مواطن دارفور وحقه في التنمية والحياة الكريمة. وطوال عشر سنوات عمر سلطة الانقاذ لم تجتهد السلطة لاقامة ولو مشروع تنموي أو خدمي واحد على الأقل، بل قامت السلطة بتصفية المشروعات القائمة مثل غزالة جاوزت وخزان جديد وساق النعام ومشروع جبل مرة وهيئة تنمية غرب السافنا وخصخصت البعض الآخر مثل المدبغة الحكومية بنيالا.
اما المعلمون بدارفور فيشكون من عدم صرف مرتباتهم لشهور وشهور متعددة وبذلك أصبحت كل السنوات الدراسية مهزوزة والمدارس متوقفة وتمددت المشكلة لتشمل عمال الشؤون الصحية بالاضرابات. هناك تجاوزات مالية واضحة استغل فيها المسؤولون بدارفور مواقعهم السلطوية بالشكل الذي أضر بالمصلحة العامة فأثرت هذه التجاوزات في تعطيل التنمية في دارفور حيث تعطلت برامج التنمية والخدمات لعدم وجود نظم آلية ومحاسبية تضبط مصداقية الجهات المستفيدة حيث يتم الصرف لأشخاص وجهات لا علاقة لها باستهداف المال العام وبسبب تلك الممارسات التي تخالف اللوائح والنظم المالية والمحاسبية، حرمت دارفور من التنمية والتطور، فأثر ذلك على قطاع التعليم والصحة والأمومة والطفولة والشباب والمرأة، وأبلغ دليل على ذلك ما تشهدها ولاية جنوب دارفور من أوبئة وأمراض وتدهور في صحة البيئة والانسان واضرابات لعمال الشؤون الصحية وقطاع التعليم وفي ذات الوقت يتسابق والي ولاية جنوب دارفور في التبرع لمصنع الشفاء الذي دمر بالقصف الأمريكي بمبلغ خمسمائة مليون جنيه، ويقود حملة التبرعات بالولاية رغم رفض مالك المصنع لهذه التبرعات وكان ذات الوالي قد حمل مواطن جنوب دارفور المغلوب على أمره نفقات الصرف البزخي فيما عرف بمهرجان الفروسية والهجن والذي جرى بنيالا في نوفمبر 1997م.
ب/ طريق الانقاذ الغربي:
هذا (الحلم الذي يظل يراود أهل السودان وأهل دارفور خاصة) انكشفت حقيقته الآن، في عام 1995م صدر قانون طريق الانقاذ الغربي بمرسوم مؤقت من المجلس الوطني الانتقالي بموجب ذلك تم تكوين الهيئة العليا لطريق الانقاذ الغربي مسؤولة عن الطريق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.