ميزانية 2012 نموذجاً الخرطوم جاءت ميزانية العام 2012 كسابقاتها من ميزانيات حكم ( الإنقاذ) مجسدة لمصالح الطفيلية الإسلاموية ، ومكرسة لإعادة إنتاج النظام الشمولي والهيمنة السياسية والاقتصادية للشريحة الاجتماعية التي يمثلها. وذلك من خلال إعادة توزيع جزء مقدر من الدخل القومي لمصلحة هذه الشريحة الاجتماعية الحاكمة، التي يجمع رموزها بين الإمساك بمفاصل السلطة السياسية وإدارتها والانغماس في النشاط الاقتصادي المباشر. . الإنفاق الحكومي : فإجمالي الصرف في هذه الميزانية يعادل 16.4% من الناتج المجلي والإجمالي مقارنة مع 15.9% في عام 2011، علماً بأن هذه الزيادة في الأساس من جراء التوسع في الاتفاق الجاري الذي يمثل 14.8% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة ب12% و10.2% في أعوام 2010و 2011 على التوالي. وهذا دليل على استمرار النظام الحاكم على المضي في نهج تبديد الموارد وإنفاقها في غايات غير إنتاجية. وفقاً لهذه الميزانية يستولى الاتفاق الجاري على أكثر من 82% من إجمالي الاتفاق الحكومي بينما لا تحظى التنمية إلا بأقل من 18%. وتعتمد هذه الميزانية من مواردها للتنمية نحو 2.2% فقط من الناتج المحلي الإجمالي. هذا علماً بأن الاعتمادات للتنمية تتضاءل عند التنفيذ فوفقاً للمصادر الرسمية أن الصرف الفعلي على التنمية في العام 2011 لم يتجاوز ال64%، هذا فضلاً أن قسماً هاماً من الصرف على هذا البند لا يعتبر صرفاً تنموياً. الميزانية تأتي لتؤكد تحكم مركز السلطة الحاكمة واستئثاره بالثروة على حساب الهامش.إذ يستأثر المركز بنحو 71.2% من جملة المصروفات بينما تمثل التحويلات للولايات ما نسبته 28.8% فقط. علماً بأن هذه التحويلات بلغت 39.8% في عام 2011 وكانت 48.1% في عام 2010. مما يشير إلى أن انفصال الجنوب قد أفضى إلى مزيد من اختلال العلاقة بين المركز والهامش، وذلك بالانخفاض الحاد في النصيب النسبي للهامش من موارد الميزانية والارتفاع الحاد لنصيب المركز من هذه الموارد. غلبة الإنفاق الجاري على التنمية، واستيلاء المركز على معظم موارد الميزانية تأتي كنتاج للطبيعة الاجتماعية لنظام الحكم، والأجهزة والهياكل المستمدة من هذه الطبيعة. أجهزة القمع من جيش وأمن وشرطة باتت تشكل القوام الرئيسي لجهاز الدولة ومنها يستمد النظام الشمولي بقاءه مما يجعل الاتفاق بسخاء على هذه الأجهزة شرطاً لازماً لحراسة النظام الحاكم، وترسانة قوانينه وممارسته السياسية والاقتصادية، وكل ما من شأنه خلق البيئة الملائمة لثراء المسئولين ورموز الشريحة الاجتماعية الحاكمة وأفرادها، بما يضمن إعادة إنتاج سيطرتها وتمدد نفوذها. إذ تحافظ هذه الميزانية على الزيادة السنوية في تعويضات العاملين المخصصة لهذا القطاع الذي يستولى على القسم الأعظم من الاعتمادات الموجهة لهذا البند إذ يستأثر وحده على نحو 63.3% من إجمالي تعويضات العاملين لكل القطاعات على المستوى الاتحادي، أما القطاع السيادي فيستأثر بنحو 7.2% من إجمالي الاعتمادات لهذا البند. أي أن هذين القطاعين غير المنتجين يستحوذان معاً على أكثر من 70% من تعويضات العاملين في الموازنة القومية. تعويضات العاملين المعتمدة لهذين القطاعين تعادل ما تم تخصيصه في هذا البند لقطاع الصحة نحو 30 مرة ولقطاع التعليم نحو 20 مرة. هذه المؤشرات تكشف عن اتجاه عسكرة الإنفاق العام فضلاً عن طابعه الطفيلي. وإمعان النظام الحاكم في سوء استخدام الموارد، وتبديدها وحرمان التنمية والقطاعات الإنتاجية من الحصول على احتياجاتها من هذه الموارد. وذلك لأن النظام الحاكم يقدم بقاءه في سدة الحكم والمصالح الشخصية لقادته ورموزه ومصلحة الرأسمالية الطفيلية على مصلحة الوطن والمواطنين. هذا النظام الذي جبل على تبديد الموارد، بتمسك بعدم تخفيض إنفاقه ويلتف على أية محاولة تهدف إلى ذلك رغم التصريحات التي يطلقها قادته عن خفض مخصصات الدستوريين وبعض جوانب الإنفاق، إلا أن سلوك النظام وممارساته تفضح تلك التصريحات وتؤكد مضي النظام في الإنفاق على أجهزته.يحدث ذلك على الرغم من انفصال الجنوب وذهاب نحو 75% من الموارد البترولية. لأن النظام وكما تجسد ذلك ميزانية العام 2012 ماض على طريق إلقاء المزيد من الأعباء على كاهل المواطنين بحثاً عن موارد أخرى يعوض بها ما فقده من موارد من جراء سياساته الفاشلة التي فتت البلاد وقسمتها. . الإيرادات : هيكل الإيرادات أعلاه يعطي انطباعاً بأن ميزانية العام 2012 تعتمد في المقام الأول في إيراداتها، على إيرادات غير ضريبية وبالتالي فأنها لن تزيد من رهق المواطنين بزيادة أسعار السلع و تكاليف المعيشة للأغلبية الساحقة من جماهير الشعب، كما لن تؤثر على مجمل الاقتصاد الوطني وأدائه.إذ أنها تزعم أي الميزانية ستحصل على معظم إيراداتها (55.2%) من مصادر أخرى غير الضرائب. وهذه المصادر تشمل دخل الملكية، مبيعات السلع والخدمات التي بدورها تشمل مبيعات النفط والرسوم الإيرادية، بالإضافة إلى مبيعات السلع والخدمات الأخرى وإيرادات أخرى والأخيرة هذه عبارة عن رسوم خدمات وعوائد جليلة وإيرادات متنوعة.التدقيق في مكونات بند الإيرادات الأخرى يقود إلى حقيقة أنه يتكون في معظمه من ضرائب ورسوم ، فالرسوم و العوائد الجليلة تشكل نحو 50,6% من الإيرادات الأخرى، والرسوم الإيرادية نحو4.6%. هذه الرسوم والضرائب تنقل عبر آليات وقنوات مختلفة إلى أسعار السلع ليتحملها المواطن، فهذه الميزانية تعتمد في الحصول على مبلغ 16423 مليون جنيه على الضرائب والرسوم وليس على 9261 مليون جنيه كما تعلن. وبالتالي فهي تعتمد وبنسبة 70% في إيراداتها على الضرائب والرسوم وليس 39.2% كما توحي بذلك تزايد اعتماد الحكومة في إيراداتها على هذا المصدر باعتباره المصدر الرئيسي وخاصة الضرائب غير المباشرة، مما يعني أن هذه الميزانية تتجه وبخطوات أسرع من سابقاتها لإلقاء المزيد من الأعباء على كاهل المواطنين، هذا فضلاً عن أن الضرائب المباشرة نفسها، وفي ظل سياسات التحرير الاقتصادي وغياب بل تغييب الدولة عن القيام بأي دور في مراقبة الأسعار، في ظل هذه السياسات تنقل الضرائب المباشرة على المتعاملين في السلع والخدمات وعبر آلية السعر ليتحملها المواطن. ميزانية العام 2012 تفضح إفراط السلطة في لجوئها للضرائب لتمويل إنفاقها المتضخم عندما تقرر الحصول على 6560 مليون جنيه من رسوم الخدمات والعوائد الجليلة مقارنة ب 2673 مليون جنيه في عام 2011 بنسبة زيادة تبلغ 145.4% ، أي أن ما تسعى الحكومة للحصول عليه من إيرادات من هذا المصدر يعادل مرتين ونصف المرة ما حصلت عليه منه في العام 2011.