عادل إبراهيم حمد كاتب سوداني [email protected] على هامش القمة الإفريقية التي عقدت مؤخراً في أديس أبابا. التقى الرئيس السوداني عمر البشير بكل من رئيس دولة جنوب السودان سلفا كير والرئيس المصري محمد مرسي. يكتسب اللقاءان أهمية خاصة لخصوصية علاقة السودان بكلا البلدين. وبما أن الجنوب دولة جديدة بعد أن كانت جزءاً من السودان يطرأ سؤال جديد، أيهما أكثر خصوصية؛ جنوب السودان أم مصر؟ كان جنوب السودان -حتى قبل استقلاله- ذا خصوصية في علاقته ببقية القطر السوداني. وكانت علاقة السودان الشمالي بالجنوب من جهة وعلاقته مع مصر من جهة أخرى علاقة مثيرة للجدل. فقد كان السودان الشمالي متهماً من قبل الجنوب بالتعالي وإهمال حقوق الجنوبيين، ويرى أيضاً كثير من السودانيين أن مصر دولة متعالية على السودان. يجهل مثقفوها حقائق ومعلومات أساسية عن الجار الأقرب رغم أنه يمثل عمقاً استراتيجياً لمصر ورغم ما لمصر من مصالح حيوية في السودان. ولكن هذه المشاعر والآراء ترد عادة من الدوائر الشعبية وتعرف النخب السياسية كيفية توظيف المصالح بعيداً عن مناكفات كرة القدم والمفاخرات الشعبية بالتاريخ البعيد والقريب. يمثل السودان في هذا الثالوث الطرف المشترك بين مصر وجنوب السودان، وقد مثلت مصر للمثقفين السودانيين في عهد الاستعمار منارة ثقافية وقبلة تعليمية. ولم يكن الجنوب -بحكم اختلافه الثقافي- منسجماً مع هذا التوجه كما لم يبلغ من النضج السياسي والتأهيل الحضاري ما يمكنه من طرح رؤية خاصة به. ولذلك تخلف الجنوب عن إكمال المنظومة فلم يتطلع إلى الخرطوم مثلما تطلع السودان إلى القاهرة. وبذلك وجد السودان نفسه مسؤولاً عن رعاية الطرف الأضعف في العلاقة. وشهدت اجتهادات السودان الشمالي مداً وجزراً حتى توصل الطرفان إلى اتفاق قاد في النهاية إلى انفصال الجنوب. فأي الطرفين -مصر والجنوب- الأقرب إلى السودان في هذه العلاقة؟ السودان ليس مطالباً بتحديد الدولة الأقرب خاصة أن أياً من طرفي العلاقة لا يشترط إبعاد الآخر حتى يقيم مع السودان علاقة خاصة، كما أن تشعب العلاقة لا يجعل حتى للدارس الأكاديمي إمكانات للمفاضلة. فإذا نظر البعض للتقارب الثقافي بين السودان الشمالي ومصر. باعتباره عاملاً يرجح قرب مصر. فإن التداخل السكاني مع الجنوب يرجح قرب دولة جنوب السودان، خاصة أن صحراء الشمال تجعل التداخل بين مصر والسودان محصورا في مدخل النيل إلى مصر ولا توجد منطقة تداخل أخرى. بينما يتداخل السكان بين السودان وجنوبه على امتداد حدود تمتد لأكثر من ألفين ومائتي كيلومتر هذا العامل يتيح تبادلاً تجارياً كبيراً مع الجنوب وتجد السلع السودانية أفضلية تنافسية في أسواق الجنوب المحتاج لكثير من السلع الاستهلاكية المنتجة في الشمال، هذه عوامل تقارب لا تقل أهمية عن الأزهر الشريف ومكتبة مدبولي وأشعار شوقي.. وليس بالشعر وحده تحيا الأمم ولذا فإن المرحلة القادمة مرحلة مصالح ويتبدى ذلك بوضوح بعد وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر في زمن يتولى فيه الإسلاميون الحكم في السودان. فقد بدا للحالمين أن المشكلات والخلافات والمصالح بين البلدين سوف تدار كلها بين (إخوان في الله). ولكن بين الواقع والتنظير بون شاسع وسوف تبقى المصالح القُطْرية في حاجة إلى التنسيق والتكامل بعيداً عن التنظير الشاعري، والعواطف، ولو كانت دينية. من الموضوعات المشتركة التي ناقشها البشير مع الرئيسين (الحريات الأربع) وهكذا دلف الرئيس السوداني إلى ما ينفع الناس بعد زبد مزايدات الحرب الذي إنجر إليه السودان مجبراً لمّا هاجمت دولة الجنوب السودان حين كان رئيسه يتهيأ لزيارة جوبا للتوقيع على الاتفاق النهائي.. وناقش الحريات الأربع مع رئيس مصر بعد أن تعطّل هذا الاتفاق طويلاً. وبذلك يثبت السودان عملياً حرصه على مصالحه في الجنوب رغم مفاجآت الحركة الشعبية. وعلى مصالحه في مصر بلا رهان على (إخوانية) النظام. وأن الواقع السياسي لا يفرض على السودان تحديد الجار الأكثر قرباً. الواقعية السياسية جعلت السودان ودولة الجنوب يتقاربان من جديد في أديس أبابا، وتجعل السودان لا يتهاون في اعتقال صحافية مصرية انتهكت قوانين الهجرة. ولا في القبض على جنود مصريين عبروا الحدود عبر (حلايب) المتنازع عليها. ولن تتردد مصر في حماية حدودها من السودانيين المتسللين إلى إسرائيل. وكثيراً ما ترسم الواقعية السياسية تحولات مدهشة ولو بعث جون قرنق ووجد السودان منفصلاً ورياك مشار (يحل ويربط) لمات من الدهشة. ولو بعث سيد قطب ووجد سفارة إسرائيل في القاهرة رغم إخوانية الرئيس. لتساءل بعقلية الستينيات: لماذا لا يكون قرار سلطة الإخوان الأول هو إغلاق سفارة الكيان الصهيوني؟ وربما يسارع عبدالناصر ويضع يده في يد قطب ليعزز التساؤل ذاته.