معتصم حمودة بعد انفصال الجنوب عن الشمال تميزت هذه المرحلة بازدياد دور الخال الطيب في الحياة السياسية بالرغم انه لا يحمل أي رؤية ، وكل ما ينادي به كان الانفصال ، وسوي ذلك يعتبر أفكار غامضة ضبابية تفتقد أي إطار عملي أو أي أهداف محددة بوضوح ،ماعدا نزعات عنصرية اغلبها موجه مشحون بعداء للجنوبيين، وهو عداء عنصري صاغه تحت ستار مخادع من ادعاء حماية دين الله من الجنوبيين، حتي لو دخلوا في دين الله أفواجا، وهي نوع من العنصرية المبطنة التي لا تختلف عن عنصرية باقان التي امتدت وانتشرت لدي بعض إخوتنا الجنوبيين في نوع من المواجهة التي تستبدل الإقصاء بمثله وإلغاء الآخر بما يشابهه كرد فعل لعنصرية مهيمنة بعقدة التفوق علي الآخر، لا تخلو من نزعة تحقير للثقافات المغايرة لثقافة المركز الذي انطلقت منه. واستئصال أي تيارات ثقافية مغايرة ، مع اعتبار الجنوب والشمال ثنائية ضدية لطرفين متناقضين، وجود احدهما يعني نفي للآخر وقضاء عليه ،وذلك في سياق حتمية الصراع التي تنتهي بانتصار مشروع السودان الجديد في حالة ظل السودان موحدا كما يتوهم الخال الطيب ، حيث لا إمكانية للتنوع البشري الخلاق أو التسامح الذي يعني قبول الآخر واحترام الاختلاف الذي دعت إليه الأديان بسبب غياب الأحزاب السياسية التي نشأت ولديها برامج وأهداف معينة ، مثل مبداء مقاومة الانجليز والعمل علي تحقيق الوحدة الوطنية واستقلال السودان آنذاك ، ولاحقا لم يكن لديها أي دور مؤثر في رسم سياسة مجتمعها العامة خلال حكم سنوات الإنقاذ ، ولم تشكل أي قيدا علي النظام كمعارضة، أو تشارك في صنع القرار في نيفاشا أو ابوجا اوغيرها، لذا ترك غيابها ، فراغا سياسيا ساعد علي زيادة قوى الانفصاليين والعنصريين، مثل منبر الخال الذي لا يحمل أي رؤية فكرية أو برامج وطنية وكل ما ينادي به كان انفصال الجنوب عن الشمال وما عدا ذلك تعتبر أفكار غامضة ضبابية وتفتقد أي إطار عملي أو أي أهداف محددة بوضوح، وتصور فكرة الوطن لدي الخال لا تزال يكتنفها الغموض حتى بعد استقلال الجنوب عن الشمال ،لذا تنقصه الفعالية إلا في مجالات محدودة نسبيا مثل مشاركته في انتخابات بعض الجامعات وفشله فيها، ولم يستطع المنبر المنافسة في انتخابات اللجان التنفيذية العمالية والمهنية في المؤسسات، وهي المجالات التي عادة ما يسيطر عليها المؤتمر الوطني. في المقابل كان أهم ما تركته عنصرية منبر السلام من اثر في الوعي السوداني العام في سودان ما بعد الانفصال أنها نبهت هذا الوعي إلي تخلف الوضع الذي تعيش فيه وضرورة تغييره ،وادي ذلك لظهور حركات شبابية مناهضة للنظام القائم ترفع شعار الشعب يريد إسقاط النظام ،بعد أزمة الثقة بين المواطن الجائع وبعض النخبة المنتفعة، القابضة علي قنوات الخطاب العام لأكثر من عقدين من الزمان ،رغم أن بعض قيادات الأحزاب الطموحة تنظر لتلك الحركات الشبابية كأداة يمكن أن تقود المجتمع إلي ثورة شعبية ومن ثم سرقة الثورة كما حدث في ابريل ولكن هيهات لهم . فقد كان من وراء ظهور هذه الحركات نمو وعي سياسي والهام التجربة التونسية لدول شمال إفريقيا المجاورة للسودان أو ما تعرف بدول الربيع العربي، وتعدد القنوات الفضائية له دلالته التي تكشف عن تفكك مركزية البناء الثقافي لتلفزيون السودان، وتحلل سلطة النزعة الابوية التي كانت سائدة خلال فترة الطيب مصطفي ومن كان بعده، وظهور قنوات للتفاعل والحوار، وساعدت علي تغلغل فكرة تطبيق التجربة التونسية في أوساط المثقفين وطلاب الجامعات وحتى الأوساط العادية، بحسبان ليس من الممكن أن تكون كل جماهير شعب السودان من الصابرين المحتسبين الذين يمكن أن يتحملوا تبعات سياسة التقشف وغلاء المعيشة التي طالتهم ، فالأكثرية من هذا الشعب عائلات لديها أبناء في مراحل دراسية مختلفة يريدون أن يأكلوا ويشربوا ويتعالجوا، فكيف لهم تحمل هذا وقد صبروا ثلاثة وعشرون عاما، وأي قيمة لسلطة لا تستطيع القيام بواجباتها لمواطنيها، لان المواطنين لا يأكلون وعود بمحاربة الفساد والمحسوبية وإنما يأملوا في توفير الاحتياجات الأساسية المأكل والمشرب، فإذا لم تتوفر هذه الأشياء، فان أي شعارات لن تجدي نفعا ،وهذا مادي لزوال الاتحاد السوفيتي الذي قدم الوعود بالإصلاح علي الجانب الاقتصادي.