ياسر محجوب الحسين (صحفي سوداني) فاجعة وأي فاجعة سببتها حادثة سقوط طائرة سودانية من طراز (انتينوف) في صباح أول أيام عيد الفطر المبارك.. العصافير في ذلك الصباح تزقزق فرحة مبشرة بالعيد وما أن بدأت نواقيس الأطفال ترن صادحةً ومعلنة فرحاً طفولياً، حتى تناقل السودانيون الخبر الأليم.. تحطم طائرة مدنية وفي جوفها وزراء وتنفيذيون وقادة عسكريون وأمنيون أكثر من (30) فردا قضوا نحبهم جميعاً.. لكن هل كانت هذه الفاجعة بسبب أخطاء بشرية فنية أم أن الحادثة كانت قضاءً وقدراً؟. عندما تُستوفى كل إجراءات السلامة الضرورية عند القيام برحلة جوية، ومع ذلك يقع ما تحمد عقباه تعزى الأسباب إلى القضاء والقدر، بينما تعزى إلى الأخطاء البشرية عندما لا يتم استيفاء إجراءات السلامة.. البعض يتحدث عن أن الطائرة أُسقطت بصاروخ من قبل المتمردين حول مدينة (تلودي) مقصد الطائرة، وهي تقع في ولاية جنوب كردفان المضطربة.. ويبدو أن احتمال إسقاط الطائرة ضعيف لعدة أسباب منها أن الجيش السوداني قام بدحر قوات الحركة الشعبية من محيط المدينة عندما احتلتها في وقت سابق.. ومعلوم أن الحركة الشعبية تستخدم صواريخ سام (7) ذات المدى المحدود لاستهداف الطائرات إلا أن دحر قواتها من محيط (تلودي) يضعف احتمال إصابة الطائرة بصاروخ من ذلك النوع.. يبقى احتمال الخطأ البشري كبيراً لأسباب كثيرة منها حالة المطار وعدم إلمام الطيار الروسي الذي قاد الطائرة بجغرافية المنطقة التي بها (99) جبلاً أعلاها جبل حجير النار الذي ارتطمت به الطائرة وهوت في قاعه.. مطار (تلودي) أو بالأحرى مهبط، تم إنشاؤه على عجل لظروف الحرب كجزء من عملية تأمين المدينة.. نفس المطار سبق أن هبطت فيه بسلام طائرة (أنتينوف 74) وهي تقل نائب رئيس الجمهورية، وكذلك طائرة (أنتينوف 87) وهي تقل وزيرة الدولة السابقة بوزارة الإعلام.. لكن سقوط الطائرة الأخيرة، وحتى اعتماد المطار من قبل سلطات الطيران المدني السودانية ليست مبررات للاطمئنان لهذا المطار.. قال شهود عيان إن الطائرة المنكوبة (حلقت) على ارتفاع منخفض في محاولة للهبوط وسط أجواء خريفية ملبدة بالغيوم لكنها فجأة ارتفعت مما يعزز احتمال عدم تمكن قائدها من رؤية المدرج الترابي المحاط بالحشائش فابتعدت الطائرة قليلاً من المطار وبعد دقائق معدودة سُمع انفجار مجلجل.. هذه الملابسات تحصر الأسباب في نقص التجهيزات الفنية وإجراءات السلامة بالمطار بالإضافة إلى عدم خبرة قائد الطائرة بالمنطقة شديدة التضاريس. كثيرة هي حوادث الطيران في السودان ومتعددة، أبرزها سقوط طائرة النائب الأول للرئيس السوداني الأسبق ومقتله في العام 1998م.. وفي العام 2002م تحطمت طائرة عسكرية نتيجة عاصفة رملية، أودت بحياة مساعد وزير الدفاع و(14) ضابطاً في منطقة عدارييل.. وفي العام 2003م قتل (115) شخصاً في حادث تحطم طائرة مدنية عقب إقلاعها بوقت قليل من مطار بورتسودان شرق البلاد، ولم ينج من الحادث سوى طفل صغير.. وفي هذا العام (2012)م سقطت طائرة كانت تقل وزير الزراعة أودت بحياة اثنين، بينما نجا الوزير وآخرون بأعجوبة. قد يقول قائل إن العقوبات الاقتصادية الأمريكية سبب في سقوط الطائرات في السودان لكن ذلك ينحصر في الطائرات الأمريكية الصنع لكن ما بال الطائرات الروسية الصنع؟! الحظر الأمريكي الذي تجاوز العشرين عاماً – في رأي البعض – جعل الحكومة السودانية تلجأ لشراء الطائرات الروسية التي هي أقل كفاءة لكونها طائرات مستعملة وليست جديدة.. كذلك فإن اتساع رقعة البلاد تستدعي استخدام الطائرات بكثافة للتواصل مع أطراف القطر المترامية.. من المفارقات أن سلطة الطيران المدني في السودان سبق أن أعلنت في يونيو الماضي عن حصول السودان على المركز الثاني إفريقياً والمركز (24) عالميا من ناحية السلامة الجوية.. وهذا وفقاً للتدقيق الذي أجرته المنظمة الدولية للطيران المدني على الأجواء السودانية ومستويات السلامة في السودان على المحاور كافة.. بيد أن المدير العام لسلطة الطيران تقدم باستقالته وقال بيان صحفي: (بالإشارة إلى حادثة طائرة تلودي، فقد تقدَّمت