شكل رحيل رئيس الحكومة الإثيوبية ملس زيناوي يوم 21 أغسطس/آب الماضي علامة فارقة في سير المفاوضات الجارية حتى الآن بين الخرطوموجوبا في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، فرغم انقضاء أكثر من أسبوع على بداية التفاوض بين وفدي الدولتين بشأن القضايا العالقة بينهما، فإن غياب "حكمة" رئيس الوزراء الراحل في نصح المتفاوضين أصبحت ظاهرة للعيان. وكان الطرفان استهلا جولة جديدة من المفاوضات بعد يوم واحد من مواراة زيناوي الثرى "في ظل أمل أفريقي ودولي بوضع حد لخلافات البلدين فيها". ويقول مراقبون إن العلاقات المميزة مع قادة البلدين وقوة الشخصية أهّلت زيناوي للعب أدوار كبيرة لتقريب وجهات نظر دولتي السودان، وهو الأمر الذي يطرح عددا من التساؤلات عن مستقبل المفاوضات بين البلدين وإمكان نجاحها في ظل تولي قيادة جديدة لسدة الحكم في إثيوبيا، الدولة المضيفة للمفاوضات. وفي مقابل ذلك تبدو حسرة الخرطوموجوبا على غياب زيناوي متساوية، وإن كان السودان هو الخاسر الأكبر برحيل صديق لم تحسب عليه مواقف عدائية مع الخرطوم إلا في ما ندر. فمساعد الرئيس السوداني نافع علي نافع يصف دور رئيس الوزراء الراحل بالكبير الذي ظل يلعبه في العلاقات بين البلدين، بينما يقول سفير دولة السودان بإثيوبيا الفريق عبد الرحمن سر الختم إنه كان عنصرا فاعلا في دفع عملية التفاوض بين السودان وجنوب السودان. ويقول سر الختم للجزيرة نت إنه كان ملمّا بكامل تفاصيل القضايا المتعلقة بدولتي السودان بجانب علاقاته الشخصية مع رئيسي البلدين، وتكليفه بصفته رئيسا لمنظمة إيغاد برعاية المفاوضات بين الخرطوموجوبا "لاسيما ما يتعلق بقضايا منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق". ويؤكد أنه كان حريصا على المتابعة الميدانية لمجريات التفاوض "بتحركاته الشخصية مع الوسيط الأفريقي بين الطرفين"، مستصعبا في الوقت ذاته قدرة أي شخص آخر القيام بذلك الدور. دور أساسي ويضيف أن "المفاوضات في مراحلها النهائية ستفتقد الرئيس زيناوي لدوره الأساسي فيها"، لكنه استبعد وصول المفاوضات إلى طريق مسدود بغيابه، و"ربما يكون غيابه دافعا للطرفين والوساطة للتوصل لحل وبالتالي إهداء ذلك لروحه". أما عضو وفد دولة جنوب السودان المفاوض دينق ألور فأشار إلى وجود أثر كبير للرحيل المفاجئ للرئيس زيناوي "على أفريقيا بأكملها ومنطقة القرن الأفريقي والسودان وجنوب السودان بشكل أكثر تحديدا"، مؤكدا أن زيناوي كان جزءا من عملية التفاوض وإحلال السلام بين السودان وجنوب السودان. غير أن ألور يرى في تعليقه للجزيرة نت أن القيادة الجديدة لإثيوبيا ملمة بتاريخ المشكلة والمفاوضات حولها "لكنها لم تكن ملمة بشكل لصيق بالمحادثات وما جرى ويجري فيها حتى الآن". ويؤكد ألور أن الرئيسين البشير وسلفاكير حاولا أكثر من مرة الوصول إلى حلول بمعاونته، مؤكدا أن "زيناوي كان في مقدمة الرؤساء المهتمين بحل مشاكل البلدين". ويقول إن الراحل كان يمثل مرجعا أساسيا لرئيسي دولتي السودان في المنطقة، وأنهما "ظلا يعودان إليه كلما طرأ خلاف بينهما للاستنارة بآرائه". وعلى الرغم من اعتباره رحيل زيناوي حدثا سليبا على مجريات التفاوض بين الدولتين، فإنه رأى أن المفاوضات ستمضي بالاتجاه الذي رسم لها عبر الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن الدولي. ويستبعد ألور حدوث تغيير جذري في لغة التفاوض الحاصلة بين وفدي جوباوالخرطوم "لأن القرارات الدولية واضحة وبانتظار أي متعنت من الطرفين".