ييدا (جنوب السودان) - أ ف ب يطلق اللاجئ الصغير دانيال صرخات ألم حادة نتيجة تشقق الجلد في غالب أنحاء جسده لإصابته بنقص حاد في التغذية، وهو ممدد على سرير في عيادة مخيم ييدا للاجئين في جنوب السودان. ويقول عاملو الإغاثة إن حالة دانيال ابن الأربع سنوات هي حالة متكررة بين أطفال مخيم اللاجئين الواقع على طول الحدود داخل جنوب السودان. ووصل دانيال إلى المخيم مع والده بعد فرارهما على غرار الكثير من السودانيين بسبب الحرب الأهلية في ولاية جنوب كردفان المجاورة. وأوضح والده كمال عبدالإله «كان يأكل بشكل طبيعي، إلى أن انتفخ بطنه وأصيب بالإسهال»، فيما جلس إلى جانب ابنه في العيادة التي تديرها منظمة «أطباء بلا حدود». وأفادت الأممالمتحدة عن وجود نحو 62 ألف شخص في ييدا في ولاية الوحدة في جنوب السودان ونحو 100 ألف غيرهم في ولاية النيل الأعلى. وفر جميع هؤلاء من جنوب كردفان التي توصف بأنها اهراء الحبوب السوداني، وهي ولاية تشهد مواجهات بين الجيش السوداني ومتمردين منذ يونيو/ حزيران 2011، في نزاع اتسعت رقعته ليطال ولاية النيل الأزرق المجاورة. وفر هؤلاء من الجوع والقذائف ليجدوا ظروف حياة شاقة في منطقة مستنقعات يكثر فيها البعوض الذي ينقل الملاريا والذباب الذي يضايق الأطفال الضعفاء. وتنتشر في المخيم المؤلف من أكواخ قش وبلاستيك رائحة المجاري النتنة في كل مكان. وأدت الأمطار في الفترة الأخيرة إلى قطع الطرقات فأجبرت برنامج الأغذية العالمي على إلقاء أطنان من الحبوب بالمظلات في عملية باهظة الكلفة قبل نفاد المخزون في مخيمات اللاجئين على طول الحدود. لكن نقص الأغذية ليس سبب وفود المرضى على غرار دانيال إلى العيادة. وأوضح منسق قسم الطوارئ لدى أطباء بلا حدود، فورا ساسو أن «مشكلة سوء التغذية الرئيسية في المخيم تعود بشكل أساسي إلى الأمراض على غرار الإسهال والملاريا التي تؤدي إلى قلة التغذية ولا سيما لدى الأطفال». وتعتبر منظمات غير حكومية أخرى أن الوضع الصحي تحسن تدريجياً مع انحسار الأمطار ما أتاح جفاف برك المياه التي خالطها غوط آلاف اللاجئين بغياب أي تجهيزات صحية مناسبة. ويؤكد الكثير من اللاجئين أنه يقضون حاجتهم في الطبيعة نظراً إلى بعد المراحيض القليلة. وقالت الممرضة في عيادة تديرها منظمة «ساماريتانز بورس» الإنجيلية، كارن دانيالز «نشهد انتشاراً مريعاً لحالات الإسهال منذ نحو شهرين... الحالة منتشرة بين الكثير من الأطفال الذين كانوا يعانون من نقص التغذية فأصيبوا بنقص حاد في الغذاء». وبدأت منظمتها في إضافة الكلور إلى المضخات والخزانات وتعليم اللاجئين قواعد الصحة والنظافة. وتابعت دانيالز «اعتقد أن ذلك يأتي بالنفع» مشيرة إلى انخفاض بطيء في عدد حالات سوء التغذية. لكن فورا ساسو من أطباء بلا حدود أشار إلى أن «عدد الوفيات يتراجع لأننا نزيد عديد العاملين معنا ونوسع منشآتنا، لكن حالات الملاريا تتزايد». وقالت هوا كوا تجني التي تتجول باستمرار بين الأسرة في عيادة أطباء بلا حدود حيث تعالج ابنتاها في الثالثة والخامسة من العمر من قلة التغذية، «هناك الكثير من المطر والبعوض». وأكدت أنها تنام «أرضاً من دون أي فراش أو غطاء» فيما علا سعال ابنتها الجاف فوق أنين المرضى. في الأسرة المحيطة استلقى أطفال تشقق جلدهم فيما لفت أيديهم بضمادات للحؤول دون قيامهم بنزع أنابيب التغذية. وأكدت اللاجئة أن «الغذاء غير كاف». وتابعت «لا نأكل إلا الحبوب مع المياه والملح، وبعض الأوراق المهروسة». وعلى غرار الكثير من النساء تعيش تجني في المخيم وحدها مع أطفالها الخمسة، حيث غادر زوجها بحثاً عن عمل لتلبية حاجات عائلته. وذلك يشكل خطراً أضافياً على العائلة. وتوضح العاملة في منظمة «انترناشنال رسكيو كوميتي»، كايدن انيت «غالبية النساء وصلن إلى هنا وحدهن من دون حماية رجال العائلة، وهن يتنقلن وحدهن، الأمر الذي يستغله البعض لمهاجمتهن».