ماذا قالت قيادة "الفرقة ال3 مشاة" – شندي بعد حادثة المسيرات؟    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد مستشفى الجكيكة بالمتمة    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    المريخ يتدرب بجدية وعبد اللطيف يركز على الجوانب البدنية    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالفيديو.. حسناوات سودانيات بقيادة الفنانة "مونيكا" يقدمن فواصل من الرقص المثير خلال حفل بالقاهرة والجمهور يتغزل: (العسل اتكشح في الصالة)    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مناهضة العنصرية: واجبات فى عمق مشروع التحرر الاجتماعى فى السودان
نشر في سودانيات يوم 27 - 09 - 2012


عصام على عبد الحليم
[email protected]
سيرة الرق المرصودة فى السودان تحكى بداية ابعد فى التاريخ عن تجربة الامبريالية الاوربية . ففى رصده لظاهرة الرق اورد محمد ابراهيم نقد فى كتابه السامق ذكره ، معرفة المجتمعات السودانية القديمة على عهد الممالك المسيحية لظاهرة الرق . فقد تضمنته اتفاقيات ملوكها مع حكام الدولة المصرية فى منتصف القرن السابع الميلادى . تضمن عهد الامان بين عمرو بن العاص ومن شملهم – واستجابوا له – من ملوك دنقلا العجوز ، قدرا معلوما من روؤس الرقيق . اما اتفاقية البقط فقد الزمت عظيم النوبة ب 360 راسا فى كل سنة (نقد ، السابق ، ص 24-27) .
كتب نقد " كان لرقيق السودان مساحته التى احتلها فى نسيج دولة المماليك من قاعدتها الى قمتها – كافور ! اذ يشير المقريزى الى توسع ابن طولون فى استجلاب الرقيق الاسود (...)وعرف عنه انه ارسل حملات تاديبية من عرب جهينة وربيعة من صعيد مصر ضد النوبة والبجة ، واسترق اسراهم (...) ويقال ان عدد الارقاء السود فى الجيش بلغ ...,.4 " (نقد ، السابق ، ص 36) . وقد جرى ذلك فى القرن العاشر الميلادى .
سادت الفونج وسلطنات دارفور بقاع مايقرب من ثلثى مساحة السودان (قبل الانفصال ) بين القرنين السادس عشر والثامن عشر . وقد لعب الرق ( والعنصرية) ادوارا اقتصادية- اجتماعية وسياسية عالية فى المسيرة التاريخية لتلك الممالك مما رصدته المعالجة البصيرة لدكتور محمد العوض سكنجة فى كتابه السديد " عبيد الى عمّال .. التحرر والعمالة فى السودان الكلونيالى " . يشير د. سكنجة الى الجدل داخل الدراسات الافريقية حول طبيعة الرق فى افريقيا ومدى التشابه/الاختلاف مع التجربة فى العالم الجديد . ميرز وكوبيتوف اقترحا النظر الى العبودية داخل افريقيا ، ضمن اطار "الحق فى الاشخاص" والتى هى ممارسة – فى ظنهما - تكوّن جزءا تكامليا لنظام القرابة والزواج الافريقى . واكدا على انفتاح النظام الاحتماعى الافريقى الذى يسمح بضم وامتصاص الغرباء والعبيد داخل دائرة الاقرباء للمالك . اما فردريك كوبر وبول لوفجوى واخرين فقد راؤا فى العبودية الثيمة النقيضة لنظام القرابة ، وركزوا على استخدام العبيد بواسطة مجموعات اجتماعية محددة ضمن صراعاتهم من اجل السلطة والثروة . وقد اكدا انها – اى العبودية - مثلت نمطا للانتاج ، تميزت به التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية فى هذا الجزء من افريقيا . الا ان د. سكنجة ( ونقد كذلك) يرى ان العبودية لم تلعب دورا اقتصاديا مهما الا فى نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر . ويطرح د. سكنجة نقطة منهجية مهمة وهى ان المكون البنائى للرق لم يكن عنصرا ثابتا ، ولا يمكن فهمه – بالتالى- بدون مرجعية الزمان والمكان والظروف الاقتصادية –الاجتماعية .
حدد د. سكنجة ان الاسترقاق كان ملمحا ظاهرا لممالك الفونج والفور . وقد كان امتلاك العبيد امتيازا للسلطان وللصفوة الحاكمة ، وكان - بشكل عام - مصدرا للفخامة والامتياز الاجتماعى فى مملكة الفور . وقد استخدمت هذه الممالك الارقاء فى الجندية وكعمال فى منشاءات الانتاج وبيروقراط فى جهاز الدولة والقصر ، كما استخدمتهم كمخصيين ومحظيات . مثلت التجارة وحملات الاصطياد مصادر رئيسية للرقيق يباع ماتبقى من صادرهم فى الاسواق الداخلية فى سنار ، الفاشر ، شندى ، بربر ودنقلا . (سكنجة ، السابق ، ص 4).
" مثل القرن الثامن عشر نقطة تحول فى تاريخ المملكتين . خبر مجتمع الفونج تحولات اجتماعية وسياسية عميقة قادت للاستعمال الواسع للرقيق . وقد شملت هذه التغيرات الاتصال التجارى الواسع بمصر والشرق الاوسط ، وصول اعداد كبيرة من التجار المسلمين ورجال الدين ، زيادة استخدام العملة ونشؤ طبقة تجارية من السكان المحليين . عضوية من الطبقة الوسطى الجديدة سيطرت على التجارة الخارجية وتبنت هوية عربية بتركيبها لشجرة انساب تغرز اصلها فى سلف عربى . وقد كان المعلم المركزى لاسلوب حياة هذه الطبقة هو امتلاك الرقيق . فقد كانت ملكية الرقيق وسيلة للصعود والترقى الاجتماعى ولتحويل توازن القوى داخل مجتمع الفونج " ( سكنجة –السابق ص 7 )(ترجمة من النص الانجليزى) .
لم يختلف الامر كثيرا فى تجربة احتلال السودان بواسطة محمد على باشا السودان ( 1821-1884) ، فيما عدا اتساع نطاق المكان الذى تم فيه اصطياد الرقيق ، واتساع نطاق الممارسة ، فقد اثرت تكنولوجيا الحرب الجديدة ، و السياسيات الضرائبية الجديدة وسياسات التجنيد وانظمة حيازة الارض ، فى ازدياد الطلب على الرقيق وانخلاع مجموعات ضخمة من السكان و اعادة توزيعهم فى البلاد ؛ فمثلا ، ذكرت وثائق جمعيات مناهضة الرق ان عدد الشلك انخفض الى النصف تماما فى مدى 3 سنوات فقط فى النصف الثانى للقرن التاسع عشر !
اتجه الاستعمار البريطانى - تحت بأس حملة دولية ضد الرق ، واصرار جمعيات مناهضة الرق البريطانية – لالغائه . وعمل على صياغة سياسة عامة هدفت الى تصفيته بالتدريج . وهى سياسة وصفها نقد – فى كتابه المذكور – بانها " استهانت بدءا بالامر ، بل استخفت بالمشكلة ، فلم تسبر غورها ، وسرعان ما فوجئت بحجمها وعمق جذورها ، ودهمتها تعقيداتها ." فى تقدير نقد ان المشكلة هى" مشكلة اقتصادية ، عرقية دينية ، ثقافية نفسية ، مشكلة مجتمع ونسق اجتماعى متكامل" لم تعقله الادارة الاستعمارية (نقد ، السابق ص126) .
من الرق الى"العرق" الى العنصرية :
منذ ان ارتضى ملوك الممالك السودانية تلك الاتفاقيات المزلة التى الزمتهم بتصدير الارقاء ، والتجأوا الى توفيرهم بتنظيم عمليات الصيد المقيت ، والتى استهدفت وقصدت مجموعات محددة من السكان ؛ تم ذلك الرباط بين "العرق" والعنصرية . رصدت المعرفة التاريخية وسجلت الوثائق الوقائع الحقيقة – على مدى الممالك والازمان - لمنع الرقيق استحقاقهم الانسانى وتقليصهم الفظ الى عبيد وخدم . امتدت الممارسة منذ شكندة وحتى سير روبرت هاوى (الحاكم الانجليزى الاخير للسودان ) ، مارسها الملوك والمكوك والسلاطين والحاكم العام وصفوة رعاياهم ممن امتلكوا الثروات واحتلوا المواقع العالية فى البنية الاجتماعية والحكومة ، وتديّن عوام الناس بدين ملوكهم . وعندما اتجهت الحكومة الكلونيالية فى السودان الى اصدار قرار بحرية كل من ولد منذ العام 1898 ، وذلك تحت الضغوط المذكورة وعصبة الامم المتحدة ؛ تصدى لها 68 من وجهاء ام درمان ، ينوبون عن طبقتهم ، وكتبوا مذكرة سرية الى الوجيه كتشنر – وردت فى د. سكنجة - حددوا فيها ان افضل الطرق لحفظ المواطنين من المسغبة هى فى ترك الرقيق مع اسيادهم . اكد وجهاء امدرمان ان تعمير السواقى واستئناف النشاط الزراعى لايمكن بدون عمل الارقاء . اكد وجهاء امدرمان اخلاصهم للاستعمار والسردار ووقعوا المذكرة بتاريخ 2 اكتوبر 1898 (مرجع سابق ص 189 الملحق الاول) . وبعد اكثر من 26 سنة تصدى مجددا زعماء الطائفية لتوجه السلطة الاستعمارية لالغاء الرق ، وتقدم (على المرغنى و الشريف يوسف الهندى وعبدالرحمن المهدى ) بمذكرة تم رفعها الى مدير المخبارات فى 6 مارس 1925
ورد فى بعض متنها : " بما ان هؤلاء الارقاء لسيوا عبيدا بالمعنى الذى يفهمه القانون ، فلم تعد هناك حوجة لاعطائهم ورقة الحرية الا اذا كانت هناك حوجة لإعطائها لملاك الارض الذين يعملون لهم . وانه لمن مصلحة كل الاطراف المعنية ، الحكومة وملاك الارض والارقاء ، ان يبقى الارقاء للعمل فى الزراعة . اما اذا استمرت سياسة تشجيع الارقاء على ترك العمل فى الزراعة ، والتسول فى المدن ، فلن ينتج عن ذلك سوى الشر . نتمنى ان تأخذ الحكومة هذا الامر بعين الاعتبار ، وان تصدر اوامرها لكل موظفيها فى مواقع السلطة ، بالا يصدروا اى اوراق حرية ، الا اذا برهن الارقاء سوء المعاملة " !
وقد علق نقد : " نعم ! حتى الرق فى السودان ليس رقا ! لو قيل ان للرق او اى ظاهرة انسانية واجتماعية سودانية ما تتفرد به من خصوصية ، عن ذات الظاهرة لدى شعب اخر بتفردها وخصوصيتها ، لكان اقرب الى العقل والعدل والحق . لكن العنجهية توهم اهل السودان من السلالات العربية الاسلامية ، وكأنهم الشعب المختار حتى بين خير امة أخرجت للناس . ولو سئلوا يوم الحشر عن كبائرهم ومعاصيهم وخطاياهم وذنوبهم ، لبادروا بالقول : الحقيقة يعنى .... ولكنها كبائر ومعاصى سودانية لاتمت بصلة لما هو متعارف عليه ، ولا يمكن تصنيفها كخطايا وذنوب بالمعنى المتعارف عليه فى الكتاب والسنة ويرتكبه بقية المسلمين ! " ( "علاقات الرق ... " ص 157 ) . اما تعليق السكرتير الادارى فكان : " فى رأيي ان المذكرة تشير الى اننا يجب ان نواصل السير بحذر فى معالجة موضوع الرقيق ... وعليه ارى انه سابق لاوانه اصدار اعلان مفاده ان كل شخص حر (...) . وحسب علمى فان مدير مديرية جبال النوبة يتوجس من تأثير مثل هذا الاعلان على العرب فى مديريته " (نقد ، السابق 157) .
وبالرغم من تاريخ تواجد اهل عبدالرحيم هارون لما يفوق السبعين عاما فى مشروع الجزيرة ، كانوا فيه يده العاملة الا انهم يستمرون فى هذا الدور كالقدر المرسوم ، تحاصرهم تلك اللغة تلزمهم اماكنهم تلك الايديولوجيا وحاملها من مؤسسات (الحكومة ، ادارة المشروع ، البوليس واللجان الشعبية ، و"اولاد البلد ".. الخ) وقبلهم الدولة وسياساتها العامة والخاصة سوى المتعلقة بتخطيط القوى العاملة او المتعلقة بتعليم عيالها اوالمختصة بالاسكان والتخطيط العمرانى .. الخ . واللغة المحاصِرة تتكلمها الطبقة ، لتعبر بها عن ايديولوجيا تبرر امتيازاتها ومصالحها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الممتدة فى هيمنة تنتجها علاقات المركز بالهامش ( او المدينة بالريف ) . وهى علاقات تنهب مواردهم فى بواديهم ولا تتيح لهم افقا سوى استخراجها البسيط وتنقل ما تراكم من عائدها الى المركز/المدينة . والهامش ، بسياسات المركز ، افق محدود و محصور ومسدود يدفعهم للهجرة الداخلية الى المركز/ المدينة يعملون فى مشاريعها الزراعية ومقتصداتها الحديثة . يوفرون اياديهم وايادى عيالهم رخيصة تلقط القطن والحشائش الضارة فى مساهمة مستغِلة تراكم الراسمال وتعضد من البنى الاجتماعية القاهرة ، تحفظهم فى جيش احتياطى لا ينضب مما يترتب عليه ذلك الارتباط الوثيق بين استغلالهم الطبقى وتصنيفهم "العرقى" واضطهادهم العنصرى . رغب عبدالرحيم هارون فى شهادة سكن من ضياء الدين الطيب - رئيس اللجنة الشعبية – فواجهه الاخر بعنصرية فجة منعته الورقة و حرمته انسانيته ومواطنته ثم اعتدت عليه واهله والدولة واقفة تتفرّج .
الدولة :
كان جهاز الدولة هو الوسيلة الاكثر تاثيرا فى تكريس اسس بناء تلك البنية العنصرية الشاملة . وقد حدد ديفيد ثيو جولدبرج فى كتابه " الدولة العنصرية " ( الطبعة الانجليزية )ان العرق مثل عنصرا تكامليا فى ظهور وتطور وتحول جهاز الدولة الوطنية الحديث وذلك على المستوى المفاهيمى والفلسفى والمادى . وتستخدم الدولة اجهزتها وادواتها لانشاء وتركيب وتعديل وتجسيد لغة ومصطلحات التعبير العنصرى الى جانب الاقصاء والقهر العنصرى . يحدد جولدبرج القرن السادس عشر كوقت اكتمل فبه تطبيع التفكير العنصرى واعتياد والتعبير العنصرى على مدى المجتمع الاروبى الحديث ومجالات نفوذه . ان الوجود فى الاشكال المصقولة و الرفيعة لليبرالية فى القرن السابع عشر ، لعب دورا كبيرا فى ذلك التطبيع والاعتياد . والليبرالية – باعتبارها مذهب الحداثة المؤكِد لتصورات الافراد والمجتمع ، ولتصورات الاخلاق والسياسة – خدمت لتحقيق شرعية ايديولوجية ، وتبريرات اقتصادية سياسية لبنى سائدة ترتبت عرقيا لتنتج الاقصاء العنصرى . والليبرالية الكلاسيكية ( والتى تحتوى داخل مداها كثيرا من التزامات الفكر المحافظ المعاصر فى تعبيراتها النيوليبرالية ) كانت تاريخيا عنصرا اساسيا فى الدعاية للتفكير العنصرى ونتائجه العنصرية كمكون مركزى للاخلاقية العامة للحداثة ، ولحسها الاجتماعى السياسى والتشريعى . (جولدبيرج ، السابق ، ص 4 -5 )
عندما يقال "عبد /عبيد " يتم التحديد الضمنى "لعرق " اخر هو "العربى / المسلم " ، اى ان " عبد " لاتطرح فى مقابلة مباشرة ل " حر" ، و تأتى لتشير وتستهدف مجموعة كاملة من السكان هم الزرقة ( او القبائل الافريقية ) فى ايحاء ضمنى يقترح بل يؤكد للاخر ( "العربى/المسلم ") اصولا غير افريقية . ليس ذلك فقط وانما ينح التعبير الى طرح المجموعة الاخيرة "كعرق " واحد بينما تطرح "الزرقة " فى اثنيات تفّرق بين الجنوبيين والفور والفلاتة والنوبة والانقسنا ...الخ . وقد يكون فى الارث الاستعمارى مرجعا لهذه الممارسة ، فمحمود ممدانى يكتب - ما يمكن ترجمته – " كان الاستعمار امام خيارين بصدد مناهج التحكم فى السكان الافارقة :" العرق" او القبيلة . وقد كان البريطانيون سبّاقون فى الانتقال من العرق الى القبيلة لتتبعهم بقية القوى الاستعمارية . كانت الفكرة الاستعمارية هى انه من غير الممكن تحطيم المقاومة الشعبية بالمواجهة المباشرة ، ولكن بالامكان تشتيتها من خلال عملية اصلاحية 'تعيد تعريف طرائق المقاومة نفسها . ان "العرق" كطريقة لتحديد الوضع الاجتماعى للافارقة يحتوى على سلبيتين اساسيتين : (1) انها تحدد الافارقة كأغلبية مقهورة (2) انه من الصعب تبرير ذلك او تأسيسه بالاتكاء على منظومة التقاليد/ الموروثات . فى الحالتين "فالعرق" ينحو الى اظهار المحتوى الاستعمارى بدلا عن اخفائه وبالتالى كانت القبيلة هى البديل للعنصرية من حيث فوائدها الظاهرة ، فهى تقسم الاغلبية المستعمَرة الى عدة اقليات قبلية ، فى نفس الوقت الذى يمكن فيه الادعاء بان الهوية القبلية طبيعية وخصيصة تنتج عن التقاليد" ( م. ممدانى ( تعليق ضُمّن فى :" مابعد العنصرية ، فى غياب المساواة فى البرازيل ، ج افريقيا والولايات المتحدة " ص 494)) . ويستنتج ممدانى ان الامتياز العنصرى تطلب جهازا للدولة يتم فرضه واعادة انتاجه يقوم فى تحقيق سلطته بانشاء سلطة محلية/قبلية منفصلة ولكن ليست مستقلة . كانت فكرة ممدانى مسجلة فى كتابه الفخم " مواطنون ورعايا : افريقيا المعاصرة والارث الاستعمارى " حيث رصد الاعتماد على القبيلة كتعبير عن العنصرية يداريها لتصبح فصلا مناطقيا يقوم على نظام من الفصل المؤسسى العام يحقق شكلا من الحكم سماه البريطانيون " الحكم غير المباشر " يصفه ممدانى ب " الطغيان اللامركزى " . يعتقد ممدانى ان نظام الفصل المؤسسى والابارتايد لم يكونا اختراعا خاصا بجنوب افريقيا وانما مثلا شكلا مميزا لممارسة عامة سماها البريطانيون الحكم غير المباشر بينما كانت طغيانا .
وفى تجربة الدولة الكلونيالية فى السودان ، يذكر د. مدثر عبدالرحيم مقتطفا جيمس كوري أحد مدراء التعليم السابقين في السودان " إن الإداريين الشبان كانوا يبحثون بجد عن القبائل الضائعة ورؤسائها الذين تلاشوا وذلك لإعادة بناء نظام اجتماعي كان قد فقد أنفاسه إلى الأبد" ويقول ايضا " بأن الإدارة البريطانية التي بدأت في أول عهدها في السودان شبه دكتاتورية عسكرية ، أخذت تتطورنحو مزيد من المشاركة المدنية على مستوى الحكم المركزي . وتبلور هذا التطور إلى ظهور مجلس الحاكم العام في عام 1910 لممارسة سلطات تنفيذية وتشريعية برئاسة الحاكم العام . أما على مستوى الحكم المحلي فقد تم تقسيم البلاد إلي مديريات وضع كل منها تحت حاكم عسكري بريطاني يعاونه مفتشون بريطانيون . ويأتي في أسفل هذا الهرم الإداري مآمير مصريون وشيوخ سودانيون من رؤساء القبائل . وقد أعيد تخطيط حدود المديريات وتقسيماتها عدة مرات بين الإدماج والفصل لاعتبارات سياسية من بينها إحياء النظام القبلي وتثبيته " (" الإمبريالية والقومية في السودان " ص 63 ) . وقد كسر عبدالله ود جاد الله قلم كاكمايكل عندما اراد توقيع امره باعادة ترسيم الحدود بين الكواهلة والكبابيش نازعا من ارض الكواهلة لصالح الكبابيش ؛ وصارت مروية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.