الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    محسن سيد: اعدادنا يسير بصورة جيدة للقاء انتر نواكشوط    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضرب "اليرموك" السوداني ومأزق نتنياهو الداخلي
نشر في سودانيات يوم 05 - 11 - 2012


معهد العربية للدراسات
على الرغم من عدم إعلان إسرائيل تبنيها للضربة العسكرية لمصنع اليرموك للأسلحة في السودان في الرابع والعشرين من أكتوبر الماضي، فإنه لا توجد شكوك يعتد بها بشأن مسؤولية إسرائيل عن ذلك الحادث، إذ سارعت السودان منذ اللحظة الأولى باتهام إسرائيل وتحميلها المسؤولية عن ذلك العمل.
ولكن الشكوك والخلافات حول تلك العملية تتعلق بالأساس بأهدافها وعلاقتها بالسفينتين الإيرانيتين اللتين ذهبتا إلى السودان بعد أيام من هذا الهجوم ثم مغادرتها السودان بعد يومين من وصولها، بالشكل الذي دفع الكثيرون للتأكيد على أن تلك السفن جاءت حاملة رسالة بالأساس إلى إسرائيل ثم للسودان نفسه.
واللافت للانتباه في هذا السياق هو محاولة الإعلام الغربي الدفع باتجاه أن تلك العملية بكل ملابساتها إنما تؤكد أن ثمة حربا سرية أو بروفة لحرب بين إسرائيل وإيران تجري على الساحة السودانية، وأن هدف إسرائيل من تلك الخطوة هو استفزاز إيران بالشكل الذي قد يعطيها (أي إسرائيل) ذريعة لبدء عمل عسكري ضدها ما زالت لا تؤيده الولايات المتحدة. وفي أكثر التقديرات تواضعا يرون أن تدمير مصنع اليرموك جاء ردا من إسرائيل على الطائرة الإيرانية التي أطلقها حزب الله من دون طيار والتي تمكنت من الحصول على صور مهمة لأهداف عسكرية إسرائيلية.
وعلى الرغم من أنه لا يمكن استبعاد تلك التحليلات أو التقليل أن أهميتها لاسيما وأن الشواهد تشير إلى أن ثمة رغبة حقيقية من قبل إسرائيل في القيام بعمل عسكري لإجهاض البرنامج النووي الإيراني، فإن التحليل الأكثر ترجيحا وقربا من الواقع فيما يتصل بهدف إسرائيل من تلك العملية ينطلق من أن الهدف الإسرائيلي من استهداف مصنع اليرموك يتمثل بالأساس في سعي نيتنياهو لتحقيق أهداف داخلية، أو انتخابية على وجه التحديد.
فنيتنياهو الذي دعا إلى انتخابات مبكرة في إسرائيل في يناير المقبل، وفي ظل المشكلات الداخلية التي يواجهها خاصة على الصعيد الاقتصادي والتي أدت إلى خروج الإسرائيليين في مظاهرات كبيرة غير مسبوقة لأكثر من مرة في تل أبيب، يسعى لتأجيج مشاعر الخوف وإعلاء قيمة الاعتبارات الأمنية لدي الرأي العام الإسرائيلي. فالإحساس بالخوف والتهديد هو العامل السحري الذي يدفع الإسرائيليين باتجاه اليمين المتطرف. بما يضمن لنيتنياهو في النهاية الفوز في الانتخابات المقبلة ليكون رئيس الوزراء الإسرائيلي الثاني الذي ينجح في انتخابات مبكرة دعا هو إليها بعدما فعلها من قبله رئيس الوزراء آرئيل شارون. ومن ثم يصبح السؤال الرئيسي هنا؛ ما علاقة ضرب مصنع اليرموك بالسودان بتأجيج شعور الخوف لدى الإسرائيليين؟
وفي الحقيقة، فإن إسرائيل تسعى منذ عدة سنوات لإدراج السودان ضمن الدائرة التي تهدد أمن إسرائيل، باعتبارها موطنا لتمويل حماس وحزب الله بأسلحة تقدمها إيران. إذ تنظر اسرائيل منذ زمن طويل الى السودان الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع إيران والجهاديين، على أنها قناة لنقل الأسلحة المهربة عبر مصر إلى قطاع غزة الذي تحكمه حركة حماس.
وفي هذا السياق تشير وثائق ويكيليكس إلى أن إسرائيل قد بذلت جهودا كبيرة لمنع شحنات الأسلحة إلى حماس وحزب الله في لبنان، وأن الولايات المتحدة قد حذرت السودان في يناير 2009 لعدم السماح بتسليم أسلحة إيرانية كان من المتوقع أن يتم تمريرها إلى حماس في قطاع غزة وقت الهجوم الإسرائيلي الذي أسفر عن مقتل 1400 فلسطيني.
ولعل ذلك كان أحد الأسباب الرئيسية لما قامت به إسرائيل سابقا في عام 2009 حيث استهدفت قافلة تحمل أسلحة عبر السودان إلى غزة، والتي قتل فيها 119 شخصا، وفي أبريل 2011 حيث تم قصف سفينة في ميناء بورتسودان، وفي مايو 2012، حيث قصفت طائرة إسرائيلية سيارة مواطن سوداني اتهمته بأنه يهرب الأسلحة إلى قطاع غزة.
ورغم عدم وجود أدلة قاطعة على أن مصنع اليرموك يقوم بتصنيع أسلحة للتهريب إلى حماس وحزب الله، فإن ثمة شكوك دولية كثيرة حول ما يقوم به مصنع اليرموك الذي يتبع الجيش السوداني. فالبعض تحدث عن وجود خبراء إيرانيين داخله وأنه يقوم بإنتاج أسلحة محرمة دوليا.
كما أن منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد أشارت في أحد تقاريرها إلى اعتقاد بعض قطاعات المعارضة السودانية بأن الخرطوم تخزن في هذا المصنع أسلحة كيميائية من تلك التي كان يمتلكها العراق. إضافة إلى ذلك فإن العديد من الخبراء والعسكريين ووسائل الإعلام يؤكدون أن المصنع كان يقوم بتطوير صواريخ قصيرة المدى بدعم إيراني بغرض دعم حماس وحزب الله.
وفي الواقع فإن إسرائيل الباحثة عن أي سبب/ذريعة للقيام بخطوة تبرز من خلالها قدراتها العسكرية بما يعيد ثقة الإسرائيليين في المؤسسة العسكرية وقدرتها على تجفيف المنابع التي تمثل أو على الأقل تشارك في زعزعة أمن الإسرائيليين لا يعنيها مدى صدق الروايات التي تقال حول المصنع، كما أنه لا يمكن تصور أنها قامت أو ستقوم بإجراء تحقيق لمعرفة حقيقة ما يقوم به مصنع اليرموك، بل لعله من صالحها تماما أن تدفع في اتجاه التأكيد على الشكوك الدولية وعلى أن المصنع يقوم بهذا العمل لتضيف جبهة أمنية أخرى تحكم من خلالها حلقة الخوف التي تحيط بالإسرائيليين.
فالتأكيد على ضلوع السودان في دعم حماس وحزب الله يعني ضمها للمنابع أو الجهات التي تمثل تهديدا لإسرائيل، التي تضم حتى الأن حماس في غزة وحزب الله في لبنان وسنياء في مصر وعدم الاستقرار الموجود في سوريا.
وكما هو واضح فإن السودان تبدو الجبهة "الرخوة" المتاحة للقيام بعمل عسكري تستعرض إسرائيل من خلاله قدراتها العسكرية، خاصة في ظل تراجع فرص القيام بعمل عسكري ضد إيران وتعثر الأمور أو ارتفاع تكلفة مثل هكذا أعمال على صعيد جبهتي حزب الله وسيناء.
إذن، الهدف الرئيسي من ضرب مصنع اليرموك هو التأثير على الداخل الإسرائيلي باتجاه مزيد من التأييد لنيتنياهو، بيد أن ذلك لا يعني عدم وجود أهداف خارجية. بل لعل وجود أهداف خارجية لتلك الخطوة وانخفاض تكلفة تحقيقها هو ما جعل من تلك الضربة وجعل السودان ساحة لها.
وعلى الأرجح فإن هدف دعم الحليف الإسرائيلي الجديد المتمثل في دولة جنوب السودان من خلال التأثير على قدرات السودان والتأكيد على أن إسرائيل قادرة على أن تصل في أي وقت إلى أعماق السودان، إذ أن تلك المرة هي الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل عاصمة السودان الخرطوم. كما أن إثارة ملف التصنيع العسكري السوداني بدعم إيراني سيضعف كثيرا من موقف السودان على المستوى الدولي خاصة في ظل ما يتعرض له الرئيس السوداني من ملاحقات دولية واتهامات بدعم الإرهاب.
ولذلك سارعت إسرائيل عقب تدمير المصنع في الإعلان عبر مسئول في وزارة الدفاع الإسرائيلية بالتصريح أن السودان دولة إرهابية خطيرة دون أن تؤكد مسئوليتها عن هذا العمل بما أعاد إلى الأذهان موقفها إبان ضرب المفاعل السوري في دير الزور في عام 2008. وفي تقديري فإن آخر الأهداف من الخطوة الإسرائيلية هو ذلك المتعلق بإيران، إذ إن ثمة أهمية لإرسال رسالة إلى إيران بأن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تنامي التعاون الإيراني السوداني، وأمام محاولة إيران التواجد في المنطقة والتأثير على توازن القوى فيها، خاصة في الدائرة الضيقة المحيطة بإسرائيل.
ومع ذلك فإن العملية الإسرائيلية التي تمت بشكل خاطف، ثم الرد الإيراني عن طريق إرسال سفينتين إلى موانئ السودان رغم نفي الخرطوم وجود علاقة بين الخطوتين ثم سحبهما بعد يومين يؤشران إلى أن كل من إسرائيل وإيران قد عمدا لاتباع لسياسة إرسال الرسائل المتبادلة لأهداف داخلية أساسا وربما للتأثير بشكل أو بآخر على موقف الولايات المتحدة التي تعارض دخول الطرفين في مواجهة عسكرية نظرا لتداعياتها السلبية الكثيرة على الاستقرار في المنطقة.
وتجدر الإشارة هنا إلى إسرائيل ستعتمد في تسويق روايتها بشأن أن استهداف مصنع اليرموك إنما جاء في إطار محاربة الإرهاب وتجفيف منابع إمداد الحركات الإرهابية اعتمادا على سابقة قامت بها الولايات المتحدة نفسها في عام 1998 عندما ضربت مصنع الشفا للأدوية في الخرطوم بدعوى أنه يستخدم في تصنيع الأسلحة الكيماوية.
باختصار، فإن العمل الإسرائيلي ضد السودان إنما أتى لأسباب داخلية إسرائيلية، دون أن ينفي ذلك وجود أبعاد خارجية له تتعلق بإيران، ولكنه يصعب جدا تصور قيام إسرائيل بالعملية على نحو ما يروج له في إطار بروفة للحرب مع إيران أو باعتبارها حلقة من مسلسل الحرب مع إيران.
ذلك أنه إذا كان من الممكن تصور تسامح الولايات المتحدة في تنفيذ ضربة عسكرية إسرائيلية ضد دولة من دول المنطقة بسبب أسلحة يقال أنها تصل إلى حماس أو حزب الله، فإنه يصعب أن توافق الولايات المتحدة قبيل الانتخابات الرئاسية على أن تقوم إسرائيل بمفردها بعمل يمثل أو على الأقل قد يترتب عليه عملا عسكريا ضد إيران، حتى لو كان ذلك في مسرح بعيد عن الأراضي الإيرانية. وفي كل الأحوال فإن ما قامت به إسرائيل ضد السودان مرشح للتكرار مرات آخرى في المدى المنظور سواء في السودان نفسها في مناطق آخرى يأتي في مقدمتها غزة.
صبحي عسيلة. مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.