ندرة العملات الأجنبية تشل النشاط الاقتصادي السوداني يجد معظم رجال الأعمال والشركات السودانية صعوبة كبيرة في الحصول على الدولارات وجميع أنواع العملة الصعبة ليتمكنوا من دفع فواتير ما يستوردونه من الخارج، لتأمين استمرار نشاطاتهم الاقتصادية. الخرطوم – يجب أن يبتهج الرشيد الأمين حامد رئيس أكبر شركة أدوية في السودان حين يطالع البيانات المالية لشركته عن عام 2012. فقد زادت المبيعات 70 في المئة وتراجعت تكاليف التسويق بعدما خفض الطلب القوي الحاجة إلى الدعاية والإعلان. لكن الرجل لديه مشكلة واحدة: كيف يحصل على الدولار لاستيراد المواد الخام المستخدمة في تصنيع المضادات الحيوية وأقراص علاج الملاريا وأدوية السكري وعقاقير أخرى وإن حصل على العملة الصعبة فبأي سعر صرف؟ يقول حامد رئيس معامل أميفارما بينما يجلس في مكتبه الكبير بالمنطقة الصناعية في الخرطوم بحري “نحتاج إلى استيراد مواد لصناعة الأدوية تسدد قيمتها بالدولار. لكن الحصول على الدولار من الجهاز المصرفي في منتهى الصعوبة." ويواجه السودان أكبر أزمة اقتصادية خلال عقود بسبب نقص حاد في العملة الصعبة بعد خسارة ثلاثة أرباع إنتاجه من النفط بسبب استقلال جنوبه عام 2011. ومثلت إيرادات النفط مصدرا أساسيا للدخل في موازنة السودان وكانت توفر العملات الأجنبية المطلوبة لاستيراد السلع الحيوية كالغذاء والدواء. وساءت الأوضاع بشكل كبير في الأسابيع القليلة الماضية بعدما أطاحت التوترات الجديدة مع جنوب السودان بآمال استئناف صادرات النفط من الجنوب، وبإمكانية مرور النفط عبر السودان مقابل رسوم مرتفعة. وأوقف جنوب السودان إنتاج النفط قبل عام بعد تعذر الاتفاق على رسوم مرور النفط في خط أنابيب عبر السودان. ويقول اقتصاديون إن بنك السودان المركزي والبنوك التجارية يجدون صعوبة متزايدة في توفير دولارات تكفي السوق. وقد أجبر ذلك الراغبين في السفر للخارج والمستوردين على التعامل مع تجار السوق السوداء. لكن عندما هوى الجنيه السوداني إلى مستوى قياسي أواخر ديسمبر حين طلب تجار السوق السوداء 7.1 جنيه للدولار الواحد وكان السعر الرسمي 4.4 جنيه شن المركزي السوداني الذي يتكتم على حجم حيازته من احتياطي العملات الأجنبية حملة ضارية على السوق السوداء. وخلال أيام ألقى رجال الأمن القبض على عشرات التجار وتمت مصادرة أموالهم حسب مصادر بالسوق. واختفى معظم التجار من الشوارع أو تركوا الخرطوم. وأدت هذه الحملة إلى خفض الدولار إلى 6.5 جنيه في السوق السوداء. لكن المشكلة الأكبر الآن هي أنه مع توقف السوق السوداء أصبح مستحيلا تقريبا الحصول على الدولار أو تبديله. وبدلا من الذهاب إلى البنوك والتعامل بالسعر الرسمي المنخفض كما تمنت الحكومة أصبح كثير من السودانيين الذين يملكون احتياطيات من الدولار يحجمون عن التعامل مما يحرم الاقتصاد من عملة صعبة يحتاجها بشدة. وتعرضت صناعة الأدوية إحدى الصناعات الرئيسية في السودان إلى جانب صناعات الأغذية والتعدين والنسيج لضربة قاسية بسبب توقف السوق السوداء وارتفاع أسعار صرف العملات بشكل حاد مما أدى لإهدار ما يصل إلى 15 في المئة من قيمة الجنيه في شهر واحد. وهذا تكرر أكثر من مرة العام الماضي. وأدى خفض قيمة العملة لتجاوز معدل التضخم نسبة 44 في المئة وأصبح حصول المواطن السوداني على الدواء أكثر صعوبة وأعلى كلفة. وهذا يزيد خطر تفجر الغضب الشعبي ويفاقم معاناة 32 مليون مواطن عاشوا عقودا من الصراعات العرقية والفقر والأزمات الاقتصادية. ورغم أن البلاد تجنبت انتفاضات الربيع العربي فقد شهدت الخرطوم ومدن كبرى أخرى مظاهرات طلابية صغيرة بسبب ارتفاع أسعار الغذاء وإجراءات التقشف المفروضة التي تستهدف سد عجز موازنة بلغ 6.5 مليار جنيه "1.5 مليار دولار" نتيجة خسارة احتياطيات النفط. وقد عانى كثير من المواطنين العاديين لتدبير ثمن الدواء أو للعلاج بالمستشفيات حتى قبل اندلاع أزمة العملة. يقول صيدلي يعمل في وسط الخرطوم طلب عدم الإفصاح عن اسمه “لا تتوافر لدينا بعض أدوية القلب وحبوب السكري حاليا... بعض المنتجات الأجنبية اختفت وأصبح الحصول عليها شديد الصعوبة." وتعهدت الحكومة بضمان توافر السلع لكن تجار الأدوية توقفوا عن طلب بعض الأدوية الأجنبية مع تراجع الجنيه مما أدى لزيادة الطلب على الأدوية المحلية الأقل سعرا والتي تنتجها شركات مثل أميفارما. يقول حامد “لا نستطيع الوفاء بالطلب حاليا." لكن زيادة المبيعات قابلها ارتفاع في التكاليف إذ أن المواد الخام المستوردة بالدولار تمثل ثلث تكاليف تشغيل المعدات بالشركة. ويقول حامد “أصبح الأداء الجيد يشكل تحديا." ومع انقطاع السودان بشكل كبير عن الأسواق المالية العالمية بسبب العقوبات التجارية الأمريكية لم تلعب البنوك المحلية دورا يذكر في الاقتصاد. ولا يمتلك معظم السودانيين حسابات مصرفية. وكثير من الشركات الكبرى مثل أميفارما هي شركات عائلية تتعامل مع تجار العملة داخل السودان وخارجه للحصول على الدولار. ومنذ انفصال جنوب السودان أصبحت السوق السوداء تمثل مشكلة بسبب غياب إيرادات النفط التي حعلت رصيد البنك المركزي غير كاف للحفاظ على انخفاض الفجوة بين سعر الدولار في السوق الرسمية والسوداء. [Dim_Security NOT IMG="http://www.alarabonline.org/"]