لم تترك المواجهات العسكرية بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، مجالا للخرطوم لبحث إمكانية التوافق مع الحركة وكيفية إيجاد حلول سياسية لخلافاتها معها كما كان يحدث مع الحركة الشعبية لتحرير السودان الأم. ففي وقت ربما لم تستحضر فيه الحركة خطورة التنقل بين خانتي النضال السياسي والعمل المسلح، فرضت عليها الحكومة الطريق الثاني بعد حظر نشاطها والاستيلاء على مقارها ودورها والتحفظ على الكثيرين من قادتها السياسيين والعسكريين في خطوة وصفها محللون سياسيون بأنها انتقامية. ويبدو أن الاتجاه الحكومي قد جاء لحسم نقاط هي محل خلاف غير معلن منذ مدة ليست بالقصيرة كتغيير الهوية وفك الارتباط مع دولة الجنوب والتسجيل وفق قانون الأحزاب والانتقام من الشماليين الذين ساهموا مع نظرائهم الجنوبيين في فصل الجنوب وخلافات فكرية أكثر عمقا. لكن قادة الحركة وعلى الرغم من تلكم القرارات يؤكدون مواصلة النهج ذاته إلى حين إسقاط حكومة الرئيس عمر حسن البشير، كما يقوله أمينها العام ياسر عرمان في مزاوجة بين العمل العسكري والنضال السياسي الجماهيري. تجزئة البلاد غير أن محمد مندور المهدي نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم بولاية الخرطوم اعتبر أن الحركة تسعى لتجزئة البلاد من جديد، وبالتالي فلا مجال لها في جمهورية السودان. ويرى محللون سياسيون أن مصير الحركة بالشمال أصبح رهينا بعودة الاستقرار إلى مناطق القتال وفتح باب الحوار السياسي مع الحكومة وتبرير اللجوء إلى الحرب رغم وجود فرص كبيرة للحلول السلمية. فالمحلل السياسي محمد علي سعيد يرى أن الحركة الشعبية كحزب سياسي ستدفع ثمنا كبيرا إذا ما تمسكت بموقفها الداعي إلى حمل السلاح في مواجهة الحكومة، مشيرا إلى تخلي أعداد كبيرة عن الحركة عقب تحول الحركة الأم إلى حركة انفصالية أدى برنامجها إلى فصل الجنوب. وقال للجزيرة نت إن تبعية الحركة للجنوب بجانب تصنيف بعض قادتها في الشمال على أنهم متطرفون لن يمكنها من التعامل مع واقع السودان "العاطفي في كثير من مواقفه السياسية"، راهنا ذلك بقيام حزب الحركة الشعبية بالتخلي عن كثير من المواقف المعلنة. ويؤكد أن الانفصال خصم من رصيد الحركة الذي كانت تراهن عليه في فترات سابقة، معتبرا أن مسارات الحركة أبعدتها عن استقطاب مزيد من المواطنين. عدم قانونية أما أستاذ الإعلام بجامعة أم درمان الإسلامية محيي الدين تيتاوي فأكد عدم قانونية وجود الحركة الشعبية في الشمال بعد إعلان انفصال الجنوب، مشيرا إلى علاقة الحركة الشعبية بدولة أجنبية "مما يفرض على الحكومة قانونيا حظر نشاطها وعدم السماح لأفرادها بالحركة داخل جمهورية السودان". وتوقع في حديثه للجزيرة نت، تمسك الحكومة بموقفها الرافض لنشاط الحركة بالشمال لأن وجودها مرفوض شعبيا قبل أن يكون حكوميا، لكنه عاد وأكد إمكانية تسجيل الحركة بوصفها حزبا سياسيا إذا ما أعلنت التخلي عن العمل العسكري والتبعية للخارج، بحسب قوله. وقد أشار الكاتب والمحلل السياسي تاج السر مكي أبو زيد إلى اتجاه عدد من قادة الحركة بالشمال إلى فك ارتباطها بالحركة الشعبية الجنوبية بنقد التجربة السابقة التي أفضت إلى فصل الجنوب. حسن النية وقال مكي للجزيرة نت إن عدم توفر حسن النية لدى كثير من الفئات في الحركة قاد إلى الأزمة الحالية بما يجعل قبولها عند المواطن السوداني محل شك كبير، مشيرا إلى وجود جهة ما لم يسمها لعبت دورا في إفساد العلاقة بين الأطراف المتصارعة. وأكد أن التقليل من عضوية الحركة في الشمال "يعني دفعها نحو خيارات غير مرغوب فيها"، معتبرا أن بقاء الحركة جسما سياسيا مدنيا "سيثري الحياة السياسية السودانية". وأشار مكي إلى أن السودان يواجه عددا من المشاكل الكبيرة الاقتصادية والاجتماعية رهن معالجتها بتحقيق درجة عالية من السلام والاستقرار السياسي.