اعتبر محللون سياسيون أن دعوة الوساطة الأفريقية حكومتيْ السودان وجنوب السودان للاستعداد لخوض جولة تفاوضية جديدة نهائية لحسم خلافاتهما، خطوة تشي بنفاد صبر كافة الجهات الأفريقية القائمة على أمر السلام بين السودانيْن. لكن الوساطة الأفريقية وبُعيد دعوتها تلك، طلبت -عبر رئيسها الجنوب أفريقي ثابو أمبيكي- من طرفيْ المعادلة ضرورة أن يقترن قولهما بالعمل حول ما التزما به من تعهدات. ولم تجد الوساطة بداً من تحذير مسؤولي الدولتين مما اعتبرته تأخيرا غير مبرر، لأن اللجنة -كما قال أمبيكي- "تفترض أنها ستكون آخر من يقتنع أو يتشبث بأمل الخطابات الجوفاء، لأن التجارب علمتها أن تؤمن بالأفعال لا الأقوال". ويدعو رئيس الآلية الأفريقية الرفيعة المستوى الدولتين إلى الالتزام بتعهداتهما لإنفاذ اتفاق السلام الموقع بينهما، دون اللجوء إلى التمويه وتعقيد المسائل باستخدام لغة ماكرة ومضللة. وقال -في رسالة وجهها للطرفين السبت الماضي- إن المفاوضات بينهما يجب أن تبدأ قريبا بمشاركة "لاعبين أساسيين ذوي صلة لإعداد مقترحات عملية تأخذ البلدين خطوات إلى الأمام". ومع ذلك، يحذر أمبيكي الدولتين بقوله إنه "سيكون خيرا للخرطوم وجوبا الآن أن يكون لهما استعداد لتنفيذ الاتفاقات الموقعة بينهما". ويشير إلى أن لجنته لديها من الخبرة -التي اكتسبتها خلال ثلاث سنوات- ما يكفي لتقديم تقييم ذي مصداقية حول التزام القيادات في البلدين بمعالجة التحديات التي أمامهما. وبينما لم يتضح موقف الحكومتين من الرسالة حتى الآن، اعتبر محللون سياسيون الرسالة إحدى أدوات الضغط التي ستحمل الدولتين على إيجاد حلول عملية لمشكلاتهما. ورغم ما أعلنه الطرفان عن حشود عسكرية لجيشيْ الدولتين على الحدود بينهما، فإن المحللين يرون أن قرار الحرب لم يتخذ بعد، متوقعين نجاح الجولة القادمة من المفاوضات التي حدد موعدها بالأسبوع المقبل. ويرى المحلل السياسي فيصل محمد صالح أن الدولتين فهمتا الرسالة، مما جعلهما تعلنان الاستعداد للمشاركة في الجولة المقبلة للمفاوضات بينهما. وقال صالح للجزيرة نت إن لدى الوساطة الأفريقية قناعة بمماطلة الطرفين، وأن ليس هناك خلاف عميق يمنع التوصل لاتفاق يوقف الأزمة المتواصلة بينهما. ويعتقد أن الرسالة جاءت نتيجة حتمية لعدم تجاوب المسؤولين في الدولتين مع النداءات الإقليمية والدولية بمعالجة مشكلاتهما. ويتوقع صالح أن تكون الجولة المقبلة من المفاوضات "أكثر جدية من سابقاتها"، لأنها ستكون الأخيرة في وجود ثابو أمبيكي نفسه. معالجة الملفات أما المحلل السياسي النور أحمد النور فيرى أن الرسالة عكست حنق المجتمع الدولي ونفاد صبره من المماطلة التي تمارسها الخرطوم وجوبا بشأن معالجة الملفات القائمة بينهما. ولا يستبعد أن يكون هدف أمبيكي إيجاد حلول للأزمة مع قرب انتهاء ولايته في لجنة حكماء أفريقيا التي تتوسط بين دولتيْ السودان، مشيرا إلى أن حدة لغة الرسالة تعكس احتمال تعرض الفرقاء لمزيد من الضغوط خلال المرحلة المقبلة. ويؤكد للجزيرة نت أن الرسالة ربما تشكل إنذارا حقيقيا بإمكانية انتقال الملف إلى المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، بعيدا عن القارة الأفريقية. ومن جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة النيلين حسن الساعوري نفاد صبر الوساطة الأفريقية بسبب ضغوط دولية غربية تمارس عليها منذ فترة. ورجح -في حديث للجزيرة نت- خضوع الوساطة الأفريقية نفسها للإستراتيجيات الدولية في المنطقة، مشيرا إلى ما أسماه "فشل الوساطة في مقاومة الضغوط الدولية المتزايدة". ولا يستبعد الساعوري خروج القضية من يد القارة الأفريقية، ودخولها أجندة مجلس الأمن الدولي بحسب رغبة كثير من الجهات المتحكمة فيه.