يبدو أن التنقيب عن الذهب في السودان سيتحول إلى نقمة بعدما أصبح نعمة دفعت بكثير من الأسر السودانية إلى البحث في أعماق الأرض لأجل الكنز المدفون. فبينما فتحت الحكومة السودانية كافة الأبواب للتنقيب العشوائي والمقنن عن الذهب محليا وأجنبيا، يرى متابعون مشكلة تلوح في الأفق بعد موت مئات المواطنين بسبب ملكية الأرض أو تحت الركام. وكان الرئيس السوداني عمر البشير قد أعلن بداية الشهر الماضي أمام البرلمان أن صادرات السودان من الذهب بلغت 2.2 مليار دولار، وأن الجهود مستمرة للتوسع في أنشطة التنقيب. وأكد اكتشاف وتخطيط 138 مربعا لإنتاج الذهب، مشيرا إلى مباشرة نحو 91 شركة وطنية وأجنبية عملها في مختلف المعادن، وصلت 13 شركة منها إلى مرحلة إنتاج الذهب وباحتياطي متوقع بنحو 940 طن من الذهب. التنقيب أصبح مهنة جاذبة ولم يكتف الرئيس السوداني بذلك، بل أكد أن عائدات التعدين التقليدي للذهب للعام 2012 بلغت نحو 2.2 مليار دولار. لكن ذلك كله لم يمنع ظهور سلبيات قد تقود إلى أزمات حقيقية في المستقبل القريب إذا أهملت، كما يقول مراقبون. فقد لقي أكثر من 60 شخصا حتفهم الأربعاء الماضي بسبب انهيار بئر للتنقيب عن الذهب في منطقة جبل عامر بولاية شمال دارفور، وحذر معتمد محلية السريف هارون حسين في تصريحات صحفية من خطر حفريات التنقيب بالمنطقة. وكانت المنطقة نفسها قد شهدت قبل شهرين أعمال عنف بين منقبين وسكان محليين أودت بحياة العشرات، مما اضطر حكومة ولاية شمال دارفور لإغلاق المناجم ووقف الحفريات والتعدين. وتقول تقارير حكومية إن أكثر من مليوني مواطن سوداني ينتشرون في مواقع مختلفة من أنحاء البلاد للتنقيب عن الذهب. ويرى متابعون أن عمليات التنقيب تتم في ظروف قاسية ومناطق وعرة مما يتسبب في وفاة كثير من المنقبين العشوائيين. يذكر أن العامين الماضيين شهدا وفاة أكثر من مائة مواطن بسبب انهيار الآبار ومشكلات "تتعلق بطبيعة المناطق التي يجري فيها التعدين". معالجة البطالة لكن الخبير الاقتصادي الكندي يوسف ورغم تحذيره من الأمراض والأوبئة والمشكلات الأمنية المصاحبة لوجود فئات مختلفة من السودانيين والأجانب، فإنه يرى أن الذهب أصبح ثروة قومية ردمت فجوة البترول بعد انفصال جنوب السودان عام 2011. وقال يوسف للجزيرة نت "إن التعدين خلق حركة عمالية لا تقل عن مليوني شخص يعملون الآن في التعدين ويكسبون، إضافة إلى معالجته لكثير من أوجه البطالة". وأكد أن السودان تمكن من تصدير نحو 42 طنا من الذهب عام 2012 بعائد بلغ نحو 2.7 مليون دولار، مما ساهم في الناتج المحلي الإجمالي بنسب عالية. ويعتقد الخبير الاقتصادي بوجود سلبيات مجاورة متمثلة في عرض النقود دون أن يقابلها إنتاج في السلع الضرورية، مما دفع بمعدلات التضخم إلى الارتفاع بنسبة فاقت 46% خلال الفترة القريبة الماضية.