عادل إبراهيم حمد [email protected] تشكل المحكمة الجنائية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) حضوراً في الشأن السوداني حتى يحسب البعض أن الجهتين لا عمل لهما سوى ملاحقة ما يدور في السودان. يجري الاتحاد السوداني لكرة القدم انتخاباته منذ عشرات السنين في موعدها وبممارسة ديمقراطية كاملة. بل وقبل قرارات الفيفا بمنع التدخل الحكومي في إدارة النشاط الكروي وتعطيل النشاط في حال ثبوت تغول السلطات الحكومية على أهلية وديمقراطية الحركة الرياضية.. ورغم ذلك يتردد اسم الفيفا كثيراً في أجهزة الإعلام الرياضية السودانية لأن بعض الرياضيين أصبحوا يلجؤون للفيفا في أمور قد تحل محلياً لو أحسنت الأجهزة الرياضية إدارة شأنها واضطلعت بمسؤولياتها على الوجه الأكمل. ونسبة لتكرار اللجوء للفيفا التي تكتفي باستفسار يطوى بعده الملف. ونسبة لتهديد البعض باللجوء للفيفا حتى في مسائل تقديرية مثل تقييم أداء الاتحاد. تحولت علاقة الفيفا بالرياضة في السودان إلى حالة أقرب إلى الابتذال. وللقارئ أن يتصور أن الهيئة المشرفة على نشاط كرة القدم في العالم تتلقى خلال أيام قليلة شكوى من نادي الهلال تطعن في قرار وزير الرياضة الولائي بولاية الخرطوم وشكوى من مجموعة خسرت انتخابات اتحاد كرة القدم السوداني وشكوى من لاعب في الهلال يطالب بحقوقه المالية. أما المحكمة الجنائية فتبدو لأول وهلة وكأنها الجهة التي تناصر المظلومين الذين تقع على رؤوسهم أهوال الحرب التي يديرها مجرمو حرب. شغلهم الشاغل هو الإغارة على القرى الآمنة حيث يحرقون المنازل ويقتلون الأطفال ويغتصبون النساء ويسحلون الشيوخ في ممارسة بشعة لإبادة جماعية مكتملة الأركان. وتبدو المحكمة وكأنها جاءت تلبية لنداء هؤلاء المساكين وسداً لثغرة العدالة واسترداد حقوق الضحايا.. لكن النظرة الفاحصة تكشف وجود ثغرات مصاحبة لفكرة وأداء المحكمة الحالية بما يوجب مراجعتها مع الإقرار بضرورة وجود آلية لكبح ظاهرة الإجرام الحربي.. أول خطوة على طريق التصحيح هي ملاحظة عدم دقة عبارة المجتمع الدولي التي ترتبط بإنشاء مثل هذه الآليات.. ما يعرف بالمجتمع الدولي لا يضم في حقيقته كل دول المعمورة ويعبّر عن رؤى دول الغرب المتقدمة. وهي مؤهلة بحكم القوة المادية وبحكم ما حققته لشعوبها من أسباب الحكم الرشيد والعدالة والرفاهية. لكن هذا لا يعني قبول كل ما يطرحه الغرب المتقدم بلا مناقشة أو عدم إخضاع أفكاره للاختبار والمراجعة.. وتعتبر المحكمة الجنائية من الأفكار التي تستحق المراجعة لأنها فكرة تستهين بخطر الحرب وتتجاوزها بسرعة لتنقل المجتمع الدولي بتعجل مريب إلى فكرة (الحرب بأخلاق) باعتبار أن وقوع الحرب لا فكاك منه وكأن الحرب ضرورة حتمية. وتزداد الريب والشكوك حول موقف ما يعرف بالمجتمع الدولي من الحرب عند مقارنة الجهد المبذول في ملاحقة تداعيات الحرب مع الجهد الضعيف الذي يبذل في محاصرة أسباب الحرب أو دفنها في مراحلها الأولى.. تتضاعف الشكوك بملاحظة ضخامة موارد هذه الدول من عائدات مبيعات السلاح حيث تنشط في عقد الصفقات الكبرى مع ليبيا مثلاً ثم تلاحق القذافي في حروبه في تشاد. وتتراخى مع تجار السلاح في الحرب الأهلية في ليبريا رغم قدرتها على ملاحقتهم ومحاصرتهم. ثم تحاكم تايلور بتهم جرائم حرب. وهكذا الحال مع سنكوح في سيراليون حيث تورطت دوائر غربية مع عصابات سنكوح في تجارة الماس. ثم بكت ضحايا الحرب ولاحقت سنكوح بعد أن استنفد أغراضه.. هي ذات التجربة. مكررة بحذافيرها منذ أن دعم الغرب المتمرد سافيمبي في أنجولا. واستُقبل في البيت الأبيض كأنه رئيس دولة. ثم ترك وحيداً لتغتاله قوات الحكومة في أحراش أنجولا بعد تسويات أساسها المصالح لا الوضع الإنساني لضحايا حرب أطالت أمدها دول تتبنى قضايا الضحايا حسب الظروف. وبتسلسل مكشوف وحيثيات مضطربة جرّ السودان إلى ساحة الجنائية. بعد تطورات درامية في صراع محلي بسيط أضحى بين يوم وليلة قضية عالمية ترعاها فرنسا وبريطانيا. يبقى الفرق بين حضور السودان في الفيفا والجنائية أن السودان قد أدخل نفسه طائعاً مختاراً في متاهة الفيفا.. وأدخل بلا مسوغات قانونية قوية إلى ساحة الجنائية.