حازم مبيضين ...... مرةً ثانيةً يُقدم الرئيس السوداني عمر البشير لمعارضيه ومواطنيه، المبرر للثورة ضده، تفاخر بتعريف شعبه على الهوت دوغ بعد رفعه لأسعار الوقود، ما أطلق موجة من الاحتجاجات قابلها بالقمع والعنف، فعاد ليعلن أن الاجراءات الاقتصادية الأخيرة جاءت لتفادي انهيار الاقتصاد، بعد زيادة التضخم واختلال سعر الصرف، نتيجة مقايضته ثلث البلاد بالبقاء رئيساً، رغم أن انفصال الجنوب يعني التخلي عن كل نفط البلاد بكرم لا مثيل له، وذلك بعد تضحيته بزهرة شباب السودان، في حرب استمرت خمسة عشر عاماً أكد خلالها عدم التخلي عن شبر واحد، ثم تنازل عن ستمائة ألف كيلومتر مربع، أي ما يقارب مساحة دولة فرنسا. لم يواجه البشير خلال ربع قرن من الاستئثار بالسلطة، التي وصلها بانقلاب عسكري، حركةً شعبيةً عنيفةً، كالتي تدور اليوم في شوارع المدن السودانية، والمؤكد أن رفع الدعم عن أسعار المحروقات، لم يكن أكثر من شرارة أشعلت الاحتجاجات، وفجّرت احتقانات قديمة مختزنة نتيجة الحروب الأهلية، وعجز حكومات البشير عن حسم الكثير من المشاكل، والتضييق على الحريات، وإذا كان البعض يرفض مقارنة ما يجري في السودان، بالثورات التي أطاحت حكاماً لاتختلف أساليبهم في الحكم عن البشير، فإنهم يعترفون مُرغمين، أن هناك إلهاماً للشباب الغاضب، مما جرى في أكثر من قطر عربي، والمهم أنّ أحزاباً تشترك في الحكومة القائمة، تدرس الإنسحاب منها، وأن أحزاب المعارضة تحث منسبيها على المشاركة في التظاهرات التي حددت مطلبها برحيل البشير. معروف أن البشير، اعتمد سياسة استفزاز الآخرين، والاستهتار بهم وبمواقفهم، واللجوء إلى القوة والبطش لمعالجة الأزمات، ورغم أنه تنازل حتى عن وحدة تراب بلده، هروباً من التهديدات التي طالت حكمه، فإنّه ظل يواجه المشاكل، رافضاً تقديم تنازلات سياسية، وهو اليوم يحصد ما زرع، لكنه يواجه بالقمع تظاهرات تضعه في موقف غير مسبوق، في مواجهة مع جماهير الشعب الأعزل، ولن يكون مُجدياً إعلانه عن رفع رواتب الموظفين والعمال، لأن كل تلك الزيادات لن تكفي لتغطية نتائج رفع أسعار الوقود. اليوم تُطالب الجبهة المشكلة تحت اسم «تنسيقية قوى التغيير السودانية» بتنحي النظام الحالي، وتشكيل حكومة انتقالية، تضم كل أطياف الشعب السوداني، تتولى إدارة البلاد لمرحلة انتقالية مقبلة، ومحاسبة كل المتورطين بجرائم القمع والتعذيب والقتل، وتدعو لإيقاف الحرب الدائرة فوراً، ووضع الأسس لسلام دائم، عبر عملية مصالحة وطنية شاملة، وهي تؤكد أن ما تشهده الساحة، هو ثورة ستستمر حتى تحقق مطالبها بالحرية والكرامة والسلام والعيش الكريم، في الوقت عينه، دعا ناشطون إلى تنفيذ عصيان مدنى، وفاءً للذين سقطوا جراء العنف الذى مارسته السلطات الأمنية فى فض التظاهرات. والنتيجة الطبيعية، أن حكم البشير الذي يواجه جيلاً جديداً، لايُتقن التصفيق للرئيس وحزبه، ماض في أسلوبه التقليدي بالرد بالقمع والعنف، والاعتماد على القوة والبطش، ورفض أي حوار جاد مع المعارضة، أو أي مشاركة من القوى السياسية التقليدية، ما يضع البلاد في مواجهة خطر المزيد من الانفصالات، اقتداءً بالجنوب، وتستحيل بذلك عودة السودان إلى حياة سياسية سليمة، نرجوها للسودانيين الذين يستحقون أفضل من البشير.