منذ استيلاء الإسلاميين على السلطة في السودان في الثلاثين من يونيو عام 1989م بانقلاب عسكري، بدأ التنظيم الإسلامي برنامج "التمكين" الذي يعني باختصار احتلال عناصر التنظيم الإسلامي لكل الوظائف القيادية والإدارية في جهاز الدولة، لتصبح الخدمة العامة في البلاد بشقيها المدني والعسكري تحت السيطرة الكاملة للإسلاميين دون اعتبار لمعايير الكفاءة والمهنية والخبرة، والهدف من ذلك هو ان يكون "جهاز الدولة" أداة طيعة في يد التنظيم الاسلامي المحتكر للسلطة السياسية في البلاد بصورة مطلقة، ينفذ بها مشروعه الآيدولوجي داخليا وخارجيا، هذا المشروع نجح في ابتلاع الدولة السودانية بشكل شبه كامل، والنتيجة الكارثية لذلك هي ان (مصلحة الحزب الحاكم) حلت محل (المصلحة الوطنية) في توجيه السياسات الداخلية والخارجية للدولة السودانية. وقد تضرر السودان (وطنا ومواطنين) كثيرا جدا من هذا المنهج المعوج، ومن المجالات التي عانت كثيرا من هذا المنهج مجال(علاقات السودان الاقليمية والدولية) حيث ظلت هذه العلاقات خالية تماما من النظر الاستراتيجي لمصالح الشعب السوداني في السلام والاستقرار والتنمية، فكان اكثر مجال برز فيه عبث النظام السوداني بمصير البلاد هو العلاقات الخارجية، ابتداء من تنظيمه لما يسمى ب( المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي) واحتضان الجماعات الإرهابية المتطرفة مرورا بالتورط في جعل السودان معبرا لنقل السلاح الإيراني الى حماس عن طريق مصر، وتخزين الأسلحة الإيرانية في السودان، وكل هذه الممارسات لا تعود على السودان إلا بالعقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية وتخريب العلاقات مع دول الجوار وبالغارات الجوية الإسرائيلية التي تعجز حكومة الاسلاميين عن حماية البلاد منها، والاخطر من ذلك كله تحويل السودان الى مرتع لنمو التطرف والإرهاب الاصولي مما يعقد أزمات السودان الداخلية المعقدة أصلا. إن ما يتردد حاليا من أنباء عن أنشاء مقر دائم لجماعة الاخوان المسلمين المصرية في السودان في إطار مخطط من التنظيم العالمي للاخوان المسلمين لاستخدام السودان كقاعدة تنطلق منها مواجهات الإسلاميين لحكوماتهم في الدول المجاورة للسودان يدل على تمادي النظام في إقحام السودان في صراعات إقليمية انطلاقا من روابط مصلحية وايدولوجية تخص النظام ولا تعني الشعب السوداني من قريب أو بعيد، ان الشعب السوداني الذي دفع مرغما من دمه وماله وحريته وتنمية بلده ووحدة ترابه الوطني الفواتير الباهظة المترتبة على (حكم) الفرع السوداني لجماعة الاخوان المسلمين للسودان قرابة الربع قرن، ليس لديه أدنى استعداد لدفع أية فواتير مترتبة على (معارضة) الفرع المصري من تلك الجماعة للحكومة المصرية، لا سيما ان الطرق التي يسلكها الإسلاميون في المعارضة هي في الغالب طرق وعرة ومكلفة.