(1) في اتصال تلفوني للاطمئنان على صحة وأحوال صديقي الأستاذ عثمان شبونة، الذي خرج من المعتقل، الذي دخله على إثر البلاغ المقدم من المذيعة فاطمة الصادق التي اشتهرت مؤخرا بشتمها للمناضلين من شباب هبة سبتمبر/أكتوبر المجيدة، وقد وصفتهم دون حياء بمدمني المخدرات ومتعاطي "الشاش"، وهو مخدر حبشي الأصل شديد التأثير والخطورة. وقد هالني ما استمعت إليه من تفاصيل أيام الاعتقال العجاف، في حراسة للأمن لا يزيد طولها وعرضها عن المترين، ضمت بين جنباتها القذرة المناضل شبونة وأربعة آخرين من تعساء الحظ ، في ظروف أقل ما توصف به أنها لا إنسانية. (2) لقد أصابني ما رواه الأستاذ شبونة بحزن عميق، وغضب بالغ، ورغم صوته الذي أتاني ثابتاً ومفعماً بالحيوية والتحدي، الذي يميزه واجتهاده في إخفاء أوجاع الصدر التي أصيب بها من جراء المناخ غير الملائم للحياة البشرية في تلك الزنزانة بالغة الاتساخ كما وصفها، إلا أنني (تفائضت) اشمئزازا من الطريقة غير اللائقة التي تعاملت بها السلطات الأمنية مع أحد صحفي بلادي الشرفاء. فقضايا النشر والرأي تعالج في جميع دول العالم بطرق أكثر احتراما، تراعي مكانة الصحفي ودوره الرسالي في كشف الحقيقة ونشر الوعي، وتجلّ الصحافة كسلطة رابعة تعمل على ضبط المجتمع وإرشاده. (3) ولكن يبدو أننا نعيش في زمن أغبر، وفي ظل نظام تشابه عليه البقر، وتداخلت فيه السلطات الشرطية والأمنية، واندمجت صلاحيات كل منها فاختلط الحابل بالنابل؛ لخلق أجواء كريهة من الخوف والإرهاب المقصود؛ للجم الأقلام الحرة وإخراس صوت الحق وحجب الحقيقة. والأجهزة الأمنية المناط بها حفظ الأمن، وحماية المواطن، غدت في ظل النظام الحالي جلادا وخصما يثير الفزع في المجتمع، ويترصد الشرفاء؛ بل ويحيك المؤامرات عبر بصاصيه الشواذ المنتشرين في جميع المرافق، للإيقاع وقمع المعارضين، وهي ممارسة معيبة من أجهزة نظام يدعي أنه يتبنى مشروعا حضاريا، يعمل على صياغة إنسان ذي أهداف نبيلة ومقاصد سامية!!. (4) الغبار معلوم الغرض الذي أثارته الشاكية ببلاغ التشفي مدفوع الأتعاب، لا يمكنه أن ينال من هيبة الأستاذ شبونة، ولا من صدق يراعه الحر؛ بل سيزيد وهج معدنه النفيس لمعانا، ويعجز في الوقت نفسه عن تحسين سمعة الشاكية، التي طاحت أرضا ومرغت بالتراب حين فارقها الرشد، وهي تصف شباب الأمة المنتفض في وجه الظلم، وشهداءها الأبرار بالمساطيل، وتدمغهم بفرية إدمان المخدر، وقد كان حري بها أن تحاول ترميم صورتها بصورة أخرى أكثر ذكاء، عوضا عن هذا الأسلوب الرخيص مكشوف العورة. (5) فطريقة اعتقال الأستاذ شبونة وما رواه لي، عن شخص كبير السن ملتحي وجده في الحراسة، قدم نفسه على أنه أستاذ جامعي، وما لبث أن بدأ في تثبيط همته وعزمه، وهمة وعزم بقية المعتقلين بإشاعة أخبار وقصص مرعبة عن طرق التحقيق والتعذيب التي يستخدمها سدنة الحراسة؛ بغرض كسر شوكة وثبات المعتقلين، مما يدل على أنه مدسوس، وأن عملية اعتقال شبونة برمتها قد تمت في إطار مؤامرة خسيسة، كان دور الشاكية المرسوم فيها تقديم البلاغ، ومن ثم تتوالى جهات أخرى السير بفصول المسرحية سيئة الإخراج لمراميها الخبيثة. وتعنت الشاكية ورفضها غير المبرر لجميع الوساطات الكريمة التي قام بها زملاء الوسط الإعلامي، يدعم هذه الفرضية، ويوضح بجلاء مدى الاستهداف الذي يتعرض له المناضل شبونة وقلمه الحر الصداح بالحق. (6) ومن رواية اعتقال الصديق شبونة يمكن استخلاص معلومة مفيدة، وهي استخدام الأجهزة الأمنية لطرق ملتوية عند التحقيق وجمع المعلومات، يجب أن ينتبه لها النشطاء السياسيين من الشباب، الذين قد يرمي بهم سوء الحظ في إحدى حراسات الأمن، منها الزج ببعض منسوبيه وسط المعتقلين؛ لإشاعة نوع من الإرهاب والخوف والرعب في أوساطهم، والنيل من ثباتهم وزعزعة إيمانهم، وفتح حوارات جانبية معهم لاستخلاص المعلومات التي يرغبون في حجبها، لذا فالحذر واجب في التعامل مع رفاق الحراسات الأمنية، وتحري الدقة لمعرفة حقيقة أمرهم، قبل التعاطي معهم والوثوق فيهم. (7) إنه لمن سخرية الأقدار حقا أن تمر علينا الذكرى (65) للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في (10 ديسمبر الحالي) وأحد صحفي بلادي الشرفاء معتقل في حراسة قذرة، تفوح من أرجائها رائحة النشادر، وقانون الصحافة والمطبوعات والنشر ما يزال يتنافى مع وثيقة الحقوق الواردة في الدستور الانتقالي، ويتعارض مع الحقوق العالمية ذات الصلة، ومجلس الصحافة والمطبوعات المنوط به رعاية وتطوير وتنظيم المهنة يتنصل عن مسئولياته، وإتحاد الصحفيين –بالتزوير الانتخابي- غدا صنيعة حكومية لا يعبر عن إرادة الصحفيين أو يدافع عن حقوقهم، كما أن استمرار الرقابة القبلية والبعدية على الصحف ومواصلة السلطات الأمنية لنهج استدعاء واعتقال وتعذيب الصحفيين، واستخدام المحاكمة القانونية كسلاح في مواجهتهم، كما هو الحال في قضية الأستاذ عثمان شبونة، لهو عار في تاريخ الصحافة السودانية، وجبين النظام وزبانيته. ** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون. تيسير حسن إدريس12/12/2013م