طائر الشؤم يحلق هناك والحكمة وحدها هى المخرج فى بلد لايحتمل الجراح ونزف جديد، المشهد فى ولاية النيل الأزرق صبيحة اعلان دولة جنوب السودان لايبشر بالاستقرار، حيث خرجت مدينة الكرمك التى عانت من جحيم الحرب لأكثر من ربع قرن من الزمان عن بكرة أبيها لتحتفل بانفصال الدولة الوليدة وتبارك ميلادها، بجانب رسالة اخرى افصح عنها العرض العسكرى بآلياته الثقيلة للجيش الشعبى قطاع الشمال الذى عاد ادراجه عشية انزال علم السودان الى حدود 1956 فى انتظار الترتيبات الأمنية وتوفيق اوضاعه بعد ان رهن ذلك باتفاق سياسى مشروط بضمانات دولية، مطالب ترفرف فى سقف التمنيات وعيون يملؤها الخوف والحذر اجمعت على انها لاتريد الحرب ولكنها لن تقف مكتوفة الأيدى اذا أضطرت لذلك حسب افادة قيادتها. بدأ الصباح فى الكرمك مختلفاً تماماً فالمدينة تضج بالحركة فى وقت مبكر جداً على غير عادتها اصوات الصفير وجلالات الجيش وضربات اقدامه على الأرض المبتلة كانت بمثابة منبه لسكان المدينة بأن يتوجهوا الى ساحة الاحتفال، وصلنا المنطقة فى السادسة من صباح التاسع من يوليو يوم التاريخ لوطن انشطر الى دولتين، كانت لحظات معدودة بعدها توجهنا الى ساحة الاحتفال «استاد الكرمك» الذى احتشد بالجماهير نساء واطفال وشيوخ بيد ان الشباب كانوا فى طابور العرض بجانب عدد كبير من النساء والفتيات توشحن بالزى العسكرى باعتبارهن جزءاً اصيلاً من تركيبة الجيش الشعبى. بدأ الاحتفال بأن وقف الجميع حداداً على روح القائد الراحل دكتور جون قرنق ديمبيور ومن ثم انطلقت الزغاريد ليعاود صداها المكان من الجبال المحيطة بالمدينة، اعتلى المنصة قائد الجيش الشعبى بقطاع الشمال اللواء أحمد العمدة بادى وسط صيحات وهتافات الحضور وتحدث عن واقع المنطقة الذى يحتاج الى معالجات آنية حسب قوله، وشدد على ضرورة التمسك باتفاق اديس ابابا الأطارى وتنفيذه بصورة حقيقية باعتباره المخرج الوحيد من العودة الى مربع الحرب التى أكتوت بنارها المنطقة طوال الفترات السابقة ما ادى الى حرمان انسانها من ابسط الخدمات الانسانية، وقال نحن دعاة سلام وليس دعاة حرب ولكن ان تم ارهابنا سنخوضها وسنمزق السودان المتبقي، واضاف نجتمع هذا الصباح فى يوم تاريخى تمتزج فيه الأحاسيس بين الحزن والفرح لنقول الى اهلنا فى دولة جنوب السودان مبروك الانفصال، ونحن نعايش هذه اللحظات يجتاحنا حزن عميق لاننا فقدنا جزءا عزيزا منا ورفقاء فى النضال، وفرحين ايضا بأن نال الجنوب ما اراد بعد ان اختاروا ان يعيشوا فى وطنهم بعد ان فشلنا فى التعايش ، وتابع احببنا بعضا البعض وسعينا للوحدة لكن السياسات فرضت علينا هذا الواقع، لافتاً الى ان الحدود الجغرافية رسمها الاستعمار ولن تفصل بيننا خاصة فى ولاية النيل الأزرق فتربطنا معهم صلات دم ورحم لن تعترف بالحدود المرسومة ، وشدد بادى على ان السودان المتبقي اذا لم يُحترم فيه الآخر فاننا سنسعى الى نفس المصير، الا انه قال جربنا الحرب لأكثر من «21» عاماً فلم نجن منها سوى الخراب والدمار ومازلنا ندفع ثمنها يومياً حتى الأن، ودعا بادى الى ايقاف الحرب فى جنوب كردفان ودارفور وطالب بتنفيذ اتفاق اديس ابابا الاطارى، وقال مخاطباً اهل المنطقة بلغة بسيطة «نحن خلف القيادة والناس هناك بقولوا مادايرين الاتفاق وده كلام بجيب مشاكل لكن ماخايفين من حرب والتمساح مابخوفو بالغرق» واضاف نريد سلاما يحفظ حقوقنا وكرامتنا ونريد ان نؤكد ان السودان لن يؤتى من خلفنا وخير دليل على ذلك ظللنا طوال ال «6» سنوات الماضية من عمر اتفاقية السلام الشامل نحافظ على استقرار المنطقة ولم تخرج منها طلقة واحدة. وضجت ساحة الاحتفال بالزغاريد والهتاف لحظة تدفق الجيش والآليات العسكرية الثقيلة الى الميدان، بدأ طابور العرض بنزول الجيش الشعبى بأزيائه المختلفة تتقدمهم الفرقة الخاصة ومن خلفهم المدرعات والدبابات التى حولت المكان الى سحابة من الدخان حجبت الرؤيا لبعض الوقت وسط اهازيج الجيش التى كان يرددها كل من كان حاضراً فى ساحة الاحتفال، تبعتها الأغانى الشعبية التى دفعت الجماهير الى الالتحام بالجيش ليتحول الجميع فى تلك اللحظات نساء واطفال وشيوخ الى «جيش شعبى» بعد ان سادت روح العسكرية كل الحضور. وخاطب والى النيل الأزرق بالانابة العميد على بندر الجموع الحاشدة وحذر من أية محاولة لنزع السلاح بالقوة ، لافتا الى ان ذلك سيقود الى نسف الاستقرار بالمنطقة، واتهم بندر ، جهات لم يسمها ، بأنها تريد اشعال الحرب في الولاية، وقال «هناك من يريدون ان ننزلق فى دوامة الحرب من جديد وحسب معلوماتنا ومصادرنا تؤكد وجود حشود وآليات عسكرية توجهت الى الدمازين» ، وتابع «نريد ان يعرف الجميع بأنها لا تخيفنا ولاترهبنا»، وقال لانريد الحرب ونريد ان نحافظ على السودان المتبقى ولكن لن نقف مكتوفي الايدي اذا اضطررنا الى ذلك». وعقب اعلان دولة جنوب السودان أصدر الوالي المكلف العميد على بندر، قراراً باعادة قوات الحركة الى الشمال وعودة آلياتها وانتشارها داخل حدود 1956م، وشدد بندر قائلاً نريد من كل القوات ان تنتشر داخل حدود 1956م، من الرصيرص الي مينزا، بعد ان رفض تسليم اسلحة الجيش الشعبي للشمال، ورهن ذلك باتفاق سياسي وتنفيذ اتفاق اديس ابابا الاطاري، وقطع بأنهم لن يسلموا اسلحتهم الى أية جهة ولن ينفذوا بند الترتيبات الامنية الا بعد اتفاق سياسي مشروط بضمانات يشهد عليها المجتمع الدولى، وقال، ان عرضنا العسكري رسالة الى الجهات المسؤولة «وليس عبثا» ونتحدي أية جهة كانت تريد ان تنزع السلاح من الجيش الشعبي بالقوة، واضاف نريد تطبيق اتفاق اديس ابابا الاطاري واعادة الدمج بصورة حقيقية، وطالب بندر بمنصب وزير الدفاع، وقال ليس هنالك حد افضل من حد، ونريد ان نحافظ على ما تبقى من السودان، وان يعترف كل منا بالآخر. وقال بندر نحن شعب النيل الأزرق لنا قضية حقيقية ولانريد ان نأخذ فضلا من احد وحقنا سننتزعه فى وضح النهار لان صاحب الحق لا يخاف، واستنكر بندر تصريحات البشير بخصوص الحلو وجنوب كردفان وقال انها لن تزيد الحريق الا اشتعالاً ، واضاف فى ولاية النيل الأزرق صبرنا على الاستفزازات التى تواجهنا طويلاً وتحملناها طويلاً ونحن على قناعة بأننا نريد ان نحافظ على ماتبقى من السودان فالحرب اذا اشتعلت شرارتها فهى مسؤوليتنا جميعاً ولن يسلم منها احد ونحتاج ان نبنى ونعمر ان نعوض المواطن الذى عانى من ويلات الحرب والدماء بالخدمات والتنمية وان يعيش وينعم كغيره من ابناء السودان بخيرات البلاد، نريد ا نحقق كل ذلك بأسلوب طيب وان يعترف كل منا بالاخر. وارسل بندر رسالة الى دولة جنوب السودان الوليدة وخص بها رئيسها سلفاكير ميارديت بعد ان ساق التهانى الحارة الى شعب الجنوب بالانفصال وقال «الحركة الشعبية قطاع الشمال تشارككم الفرحة وتتجرع مرارة الفراق» وتابع دعونا نقول لكم استفيدوا من تجاربنا فالسودان منذ الاستقلال 1956 بنى على اساس خاطئ فخذوا العبرة منا وأبدوا بداية صحيحة، واعترفوا بالآخر وحلوا مشاكلكم مع جورج اطور وبيتر قديت والفصائل المناوئة والخارجة عن ارادتكم. الكرمك : محمد جادين