مع اقتراب موعد الامتحانات للمراحل الدراسية كافة وامتحانات الشهادة السودانية على وجه الخصوص، يصيب التوتر والقلق الأسرة، وأيضا بعض الطلاب الممتحنين الذين تقاعسوا عن مراجعة واجباتهم. وفي السنوات الأخيرة ومع التطور التكنلوجي انتشرت بين بعض الطلاب الممتحنين ظاهرة (التبخير) للمواد، وبمعنى أدق نقل المادة في أوراق صغيرة أطلق عليها (بخرات التصوير المصغر) حيث توفر بعض محلات التصوير تلك الخدمة بأشكالها المختلفة في التكبير والتصوير حسب الحجم المراد..مما فتح البواب لدخول نوع جديد من (البخرات) يختلف عن تلك القديمة..ويمتاز عنها بالكثير من الدقة. (1) عامل في محل تصوير بالسوق العربي أكد أن موسم الامتحانات يعد سوقا رائجا لكل محال التصوير..ولكنه يقول بسرعة إن من يقوم بتلك الأشياء نفر معين وليس كل أصحاب المحلات، وعنه شخصياً قال: (أنا لا اقوم بهذه الجزئية اطلاقاً لعدة اسباب اهمها انني لا اريد تحمل ذنب طالب تنتظره أسرة كاملة. (2) زينب خالد طالبة جامعية تقول: إن طريفة إخفاء البخرة وإخراجها بطريقة سلسة يفوق مرحلة الخوف من الامتحان نفسه..مما يتسبب في ربكة تجعل الطالب لا يركز في الإجابات، بينما تذكر (مها) قصتها العالقة بالذاكرة التي جعلتها تعلن توبتها من البخرة...فبعد توزيع أسئلة الامتحان أخذت المراقبة تدور في القاعة ذهابا وإيابا وهي تحمل في يدها كشف الحضور والغياب. ولسوء حظها عندما وقفت في رأسها لم تنتبه لها...فسألتها عن اسمها فأجابتها بارتباك شديد..فطلبت منها إبراز بطاقة الجامعة للتأكد من الاسم ..ومن شدة الارتباك قدمت لها (البخرة) بدلا من البطاقة.مما تسبب في فصلها عامين..ومنذ تلك الحادثة وهي ترفع شعار (التوبة يا حبوبة). (3) الطالب محمد الفاضل يعلل اللجوء إلى (البخرات) قائلا: الإهمال خلال السنة الدراسية وتمضية اليوم مع ستات الشاي وقعدات الونسة وحب الجامعات (الخلط) لا يترك مجالا للمذاكرة. وبالقرب من الامتحانات لا يسعفنا الوقت للمذاكرة: (فالصلاة يوم القيامة ما بتنفع).. فنضطر (للبخرات)..وأحيانا يكون للظروف الأسرية والشخصية عامل مهم في اللجوء لعملية الغش في الامتحانات. (4) و(ميادة صلاح) تروي ذكرياتها وهي تضحك: لن أنسى أبدا ما حييت تلك اللحظة التي كانت المعلمة تقف على رأسي وأنا أتمايل وأرجف من الخوف وهي تقول: (بترقصي كدا..الحفلة بمنو؟)..وربنا ستر ونجحت لكن كانت علاماتي ضعيفة لأني كنت بسمع من جارتي غلط وبكتب غلط...ولكن (لن تسلم الجرة كل مرة). (5) الباحثة الاجتماعية هاجر أبو القاسم تقول: البخرات في فترة الامتحانات معضلة يتوجب تلافيها والبحث عن حلول جذرية لها أو الإشارة إليها على أقل تقدير (فالوقاية خير من العلاج).. فعلى مستوى المدارس يكون ذلك عن طريق التوجيه من قبل الأساتذة..والنصح والإرشاد في الجامعات...لأن هناك عدم تقدير للقدرات والجهود الفردية في المستوى التحصيلي وأصبح المجتهد والمهمل سيان...وعلى هذا يتوجب اتخاذ الإجراءات اللازمة قبل الدخول للامتحان من وضع الأوراق وكل ما يتعلق بالمادة..وكذلك اتخاذ الإجراءات الصارمة ضد من يخالف القوانين...علما ان العقوبة المقررة لمادة الغش الفصل من الجامعة سنتين...وختمت قائلة ان ذلك يعود لسلوك الإنسان وعاداته في الأصل إلى التربية وغرس مفهوم الرقابة الذاتية. (6) حسن عبد المجيد أستاذ مساعد بجامعة السودان يقول عن (الغش) انه ظاهرة انتشرت وتفشت في المدارس وتنوعت أشكالها وأساليبها بشكل صار من الصعب السيطرة عليها ومنعها في المؤسسات التعليمية لدرجة اقتناع البعض في الكادر التربوي التعليمي بعدم جدوى التفكير في الحد من الغش وأهم اسباب هذه الظاهرة هو سعي الطالب لتحصيل علامات جيدة تؤهله للنجاح أو التفوق وما هذا إلا نتيجة مفاهيم خاطئة موروثة تبين أن المدرسة ليست مؤسسة إلا لتحصيل الدرجات عن طريق بعض الأشياء الصعبة والمعقدة كحفظ بعض النصوص وحل بعض المعادلات ثم نسيانها بعد تقديم الامتحان مباشرة ولذلك يلجأ بعض الطلاب أو معظمهم إلى الغش بكافة أساليبه ليريحوا أنفسهم من تلك الأمور الصعبة التي هي أشبه بالعقوبة حتى للطلاب المتفوقين دون إلقاء أي بال لأهمية العلم الذي يفترض أن يكون الهدف الأساسي من المدارس، والسبب الثاني لا يقل أهمية عن سابقه فهو الطرق المتبعة في محاربة الغش فكلما ازداد تشديد الرقابة على الطلاب ابتكروا وسائل غش قد لا تخطر على بال، كما أن كل هذا التشديد على محاربة الغش حبب الطلاب به بناء على قاعدة كل ممنوع مرغوب فأصبح كل طالب يميل إلى الغش في الامتحان حتى ولو لم يكن بحاجة إلى ذلك, والدليل على ذلك أنه حتى لو أقام أحد المدرسين اختبارا بسيطا وأخبر الطلاب أنه لن يضع لهذا الامتحان درجات, أو حتى انه لن ينظر إلى الأوراق فإنه لن يستطيع أن يمنعهم عن الغش وهم أنفسهم لا يجدون له سببا في مثل هذه الحالة . وعن الحلول الإجرائية المقترحة يقول: (يمكن معالجة الغش أفراد التلاميذ عن طريق رفع الضغط النفسي عنهم لمزيد من التحصيل، وعدم مطالبة الأسرة أوالمعلم أي تلميذ لإنجاز ما لا يستطيع أصلاً أو يمثل خلف قدرته أو طاقته الإدراكية والتحصيلية..وإذا كان لا بد من زيادة تحصيل التلميذ فيجب توجيهه لأنشطة إضافية متدرجة في صعوبتها وتتفق بشكل أساسي مع قدرته الحاضرة ثم تقوية هذه القدرة مرحلة بعد أخرى حتى يصل التلميذ ذاتياً إلى المستوى التحصيلي المطلوب ومقابلة التلميذ والتعرف على مواطن الصعوبة التي يواجهها في دراسته وتعلمه للمادة، ثم تعلمه لتلك المبادئ والمفاهيم الأساسية المتعلقة بمواطن الضعف بالإضافة إلى تقليل المتطلبات التي يكلف بها التلاميذ سواء أكانت هذه تتعلق بمادة الاختبار كعدد الصفحات المطلوبة، أو عدد التعيينات المطلوبة يومياً للمادة، وإذا كانت مشكلة الغش في أداء الواجب لافتة للنظر مدرسياً عندئذ يجب على معلمي المدرسة التنسيق بينهم بخصوص التعيينات التي يعطونها لتلاميذهم من حيث الكم والنوع ، بصيغ تشجع التلاميذ عموماً على أداء الواجبات بأمانة واهتمام .ومقابلة التلميذ ومناقشته عن سبب غشه ثم محاولة توجيهه لما هو أفضل من خلال أمثلة اجتماعية وثقافية متنوعة وإظهار خطورتها على شخصيته وسلوكه العام حيث من المتوقع أن تتكون لديه قناعة ذاتية مؤدية به إلى اتخاذ قرار حاسم بتجنبه والابتعاد عنه.