شركة (إرتقاء) السودانية، الشريك السوداني في المشروع الزراعي الكبير المفترض أن تموله قطر في منطقة (أبو حمد) بولاية نهرالنيل، يرأس مجلس إدارتها وزير الزراعة عبد الحليم المتعافي. ويقوم مشروع أبو حمد الذي تبلغ مساحته 275 ألف فدان على شراكة بين الحكومتين السودانية والقطرية، تمثل الجانب السوداني شركة (إرتقاء) بينما تمثل الجانب القطري شركة حصاد الغذائية. وفي حوار بالشرق القطرية العام الماضي (2011) كشف ناصر الهاجري رئيس مجلس الإدارة العضو المنتدب لشركة حصاد الغذائية أن النسبة المخصصة لحكومة السودان حوالي 75% تمثلها شركة ارتقاء. من جهة أخرى فإن المتعافي، هو رئيس مجلس إدارة (ارتقاء) كما جاء في موقع الشركة بالإنترنت : http://irtiqua.com/about_us.html ، وهو وزير الزراعة نفسه! وكانت رحلة عمر البشير الأسبوع الماضي للدوحة أثارت ملف الاستثمارات المخططة في السودان وعلى رأسها المشاريع الزراعية الضخمة في ولاية نهرالنيل، منطقة أبو حمد، فقد كان من المخطط أن يكتمل تنفيذ المشروع هذا العام (2012م) ولكن انسحاب الصين عن مشروع كهربة الولاية أعاق الخطة، فقد كان مشروع الكهربة الصيني قائما لقاء صفقة تسحب من نفط السودان الشيء الذي انهار بعد الانفصال وتجفيف ماسورة النفط. وأشار البشير في لقائه بصحيفة الراية القطرية الذي نشرته (حريات) أمس إلى أن (الكرة الآن في ملعب أخواننا القطريين) إشارة أن على قطر تقلد المهمة كاملة والقيام بالجزء الخاص بكهربة ولاية نهر النيل. الجدير بالذكر أن المتعافي معروف كمسئول تقلد عدة مناصب تنفيذية منها والي سنار، ووالي الخرطوم، ومؤخرا وزير الزراعة ظل يجمع بين مناصبه التنفيذية والعمل الاستثماري ذي الصلة بمنصبه. وهي سياسة تم التعامل معها باعتبارها مسألة محبذة ومثال يقتدى، ففي جلسة مجلس الوزراء التي عقدت بالدمازين حاضرة ولاية النيل الأزرق (29/10/2009م) والتي خصصت لتحفيز الاستثمار الزراعي طلب المشير البشير من وزير الزراعة د.المتعافي (تقديم تجربته الشخصية عن الاستثمار الزراعي) فافتخر بأن لديه (10آلاف فدان و12 الف نعجة و50بقرة استطاع ان يحقق في الموسم الماضي400مليون جنيه أرباحاً..)! (صحيفة الصحافة30/10/2009م). الجدير بالذكر أن كافة القوانين والدساتير للدول تحرم قيام المسئولين بأعمال استثمارية خاصة في مجالات مسئولياتهم. وجاء في دستور السودان الانتقالي لسنة 2005م تحت باب (الإقرار بالذمة المالية وحظر الأعمال الخاصة) المادة 75- (2) (لا يجوز لرئيس الجمهورية، أو لأي من نائبيه أو مساعديه أو مستشاريه أو رئيس حكومة جنوب السودان أو الوزراء القوميين أو أي من شاغلي المناصب الدستورية والتنفيذية الأخرى، مزاولة أي مهنة خاصة أو ممارسة أي عمل تجاري أو صناعي أو مالي أثناء توليهم لمناصبهم)، ومنظمة الشفافية العالمية المهتمة بتتبع الفساد وأسبابه تحذر مما تسميه (تضارب المصلحة) الذي يكون أحد منافذ الفساد المالي في المؤسسات العامة، فهو- أي تضارب المصلحة- أحد المفاهيم المركزية في مفاهيم شغل الوظائف، وعرفته المنظمة ب(الوضعية، حيث يُواجه الافراد أو الوحدات التي يعملون بها – سواء في الحكومة أو القطاع الخاص أو الاعلام او في منظمة مجتمع مدني- يُواجهون بالاختيار بين مسؤوليات ومطلوبات مواقعهم الوظيفية ومابين مصالحهم الخاصة أنفسهم). وكتب أستاذ الحاج وراق تعليقا على احتفاء المشير البشير بتصرفات المتعافي قائلا: (ربما كان المشير البشير على غير اطلاع كاف بمفهوم تضارب المصلحة وبالدستور، ولكن ان تكون كذلك الحال لدى مستشاريه الكثر، خصوصا مستشاريه القانونيين، فهذا مما لايمكن التغاضي عنه)، و(اذ يُنصب المتعافي – المتورط في تضارب المصلحة والمخالف للدستور- كأنموذج معلن للوزير الناجح، فهذا انما يعبر عما آلت اليه اوضاع البلاد، بل واوضاع الانقاذ نفسها,فيما يتعلق بمواصفات ومقاييس شغل الوظيفة الدستورية! وصلت الاوضاع الى تتمتها ومنتهاها! تتحول المخالفة الى فعل مشروع, ثم الى بداهة، ثم الى معيار وانموذج! في السابق كانت استثمارات المتعافي في الظل، يدور الحديث عنها بالهمس والخفاء، ثم طال الزمن، فجرؤ وهو والٍ في لقاءات صحفية الى الحديث العلني عنها، ثم صار يفخر بها، وكالمعتاد، اندفعت حينها عديد من (الكتابات) للاشادة بشطارة الوالي في الجمع بين التجارة والامارة! والخطوة الاخيرة، تحول ما كان ينظر إليه كمخالفة، الى استثناء محمود، ثم الى قاعدة عامة، والى معيار لقياس المسؤول الناجح!! وانه لدليل ما بعده دليل الا يجرؤ مستشار واحد، ولا وزير واحد، ولا المحكمة الدستورية، على الاعتراض على هذا، دليل ليس فقط على تدهور مواصفات ومقاييس الوظيفة العمومية، وانما كذلك دليل على المآل الذي ينتظر البلاد!)