يختتم مؤتمر الاتحاد الافريقى الرابع لوزراء الاتصالات والمعلومات اعماله اليوم ويصدر اعلان الخرطوم الذى يتضمن الرؤية الافريقية الشاملة لمسألة الاتصالات والمعلومات للعامين القادمين. ومنذ اليوم الاول لانطلاق فعاليات المؤتمر أشاد وزير التعليم العالي والبحث العلمي بجمهورية إفريقيا الوسطى د. جان ساكو بالتقدم الكبير الذي حققه السودان في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات مشيرا عقب لقائه وزير العلوم والاتصالات الدكتور عيسى بشرى في إطار البرنامج المصاحب لاعمال المؤتمر أشار إلى أن السودان بما أحرزه من تقدم كبير وملحوظ في هذا المجال أصبح يمثل الدولة الأكثر تطوراً في هذا المجال بين دول القارة وكشف عن اجتماع سيعقد بين خبراء الدولتين يعقبه اجتماع لوزراء الاتصالات في إفريقيا الوسطى والسودان لبحث سبل وآفاق التعاون المشترك واستفادة بلاده من الخبرات والتجارب السودانية. كما ان النهوض السودانى فى قطاع الاتصالات شهد واعترف به العديد من الدول والمنظمات والشركات والمعاهد الدولية وهو يحسب بالتالى كمكسب للقطاع على مستوى افريقيا. واكد المشير البشير رئيس الجمهورية فى كلمته امام هذا المؤتمر بأن السودان يولي اهتماماً خاصاً لقطاع الاتصالات والمعلومات باعتباره تحديث للحاضر واستشرافاً للمستقبل في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية وفي تنفيذ عدد من البرامج الطموحة التي يؤمل في تحقيقها خلال الفترة المقبلة ومن أهمها نشر خدمات الاتصالات وتنظيمها في كل أنحاء البلاد والنفاذ الشامل للمعلومات، والحفاظ على خصوصية المعلومات والاتصالات وتأمينها وتقوية البنيات التحتية لمؤسسات الدولة في مجال المعلومات والاستفادة من تطبيقاتها في تشجيع الاستثمار وتحقيق التنمية الاقتصادية في الولايات وفى تطوير وترقية خدمات الصحة والتعليم، ويأتي على رأس كل هذه المشاريع الاهتمام بالعنصر البشري وتدريبه وتأهيله وإكسابه القدرة على التعامل مع كل أنواع التقانات. وبالرجوع لتاريخ الاتصالات في السودان نجد ان الاتصالات بين مناطق السودان المختلفة كانت تتم عبر مقاسم قديمة استجلبها الإنجليز معهم عند غزوهم للسودان في عام 1899م، ولم تخضع للتغيير أو الاستبدال إلا في مرات نادرة، بينما كانت الحرارة الهاتفية تقع في الغالب تحت رحمة أية "نسمة هواء" تهدد بإطاحة الأسلاك العتيقة الممدودة عبر أعمدة خشبية. وكان مجرد الاتصال بين الخرطوم وأم درمان اللتين يفرق بينهما النيل فقط على سبيل المثال، يحتاج إلى معجزة، بينما يبدو التحادث مع مدينة بور تسودان الواقعة في أقصى الشرق ضربا من ضروب المستحيل أن لم يكن المستحيل بعينه. وعندما دخلت الشركة السودانية للهاتف "سوداتل" سوق الاتصالات في عام 1994 قامت بالاستغناء عن كامل شبكة الاتصالات السابقة وأقامت محلها شبكة ألياف بصرية حديثة ربطت أنحاء السودان بشكل كامل وفعال، كما قامت باستبدال المقاسم العتيقة التي تعامل بالنظام التماثلي بأخرى رقمية حديثة. وفي نفس ذلك العام (1994 ) بدأ السودان يجني ثمار ثورة اتصالات حقيقية بعيدا عن الشعارات النظرية وبدأت معرفته واشتراكه بشبكة الإنترنت، وقامت الدولة بتأسيس شبكة داخلية للإنترنت عرفت باسم "سودانت". وبينما كانت أحلام المواطنين لا تتجاوز هاتفاً يريحها عناء الانتقال، وخطوط واضحة العبارات لا تتقاطع أو تشوه وجدوا أنفسهم يجلسون على شاشات الكمبيوتر ويتصفحون الوسائل الإعلامية عبر الإنترنت. و بادرت هيئتا الإذاعة والتلفزيون بالاشتراك في الشبكة مرسلة ومستقبلة لخدمات الإنترنت كما قامت وكالة السودان للأنباء بالدخول في الإنترنت في عام 1997 عن طريق إدارة المعلومات والبحوث، وسجلت "ألوان" كأول صحيفة تعاملت مع الإنترنت في عام 1997م. لقد قاربت ثورة الاتصالات بين أطراف السودان المتباعدة بعد أن احدثت "سوداتل" ثورة هائلة في مجال الاتصالات وأعادت الروح إلى جسد الاتصالات المتهالك الذي كان يترنح منذ عقود من فرط الإهمال وقلة الإمكانيات. كان مجيء "سوداتل" قد حقق فوائد غير منظورة للاقتصاد السوداني، وأسهم في توفير كميات مقدرة من الوقود ومن زمن الناس الذين كانوا في السابق يسارعون لركوب سياراتهم أو حتى استقلال المواصلات العامة لقضاء أعمال يتم الآن قضاؤها عبر الهاتف ببساطة. اما على مستوى افريقيا فقد شهد العِقد الماضي ثورة في قطاع اتصالات الجوال اجتاحت قارة أفريقيا بأسرها. فقد قامت شركات الاتصالات بالاستثمار في شبكات الجوال ونطاق تغطيتها، كما أطلقت خدمات جديدة، في الوقت الذي قامت فيه الحكومات والجهات المحلية المُنظمة بترخيص شركات اتصالات وإنشاء أسواق لها والعمل على تنظيمها، وهو الأمر الذي أدى إلى ازدهار سوق اتصالات الجوال في غضون عشر سنوات لا أكثر، مما أثمر عن وجود أكثر من 500 مليون عميل، كما نجحت الحكومات في تحصيل مبالغ مالية طائلة نظير إصدار التراخيص وتقديم الخدمات. وقد ساهم هذا النمو القوي في تلبية معظم احتياجات شركات الاتصالات والحكومات حيث حققت مجموعات الاتصالات الأفريقية والعالمية عائدات نمو عالية بفضل الدعم المقدم لها من الحكومات والجهات المُنظمة، التي استفادت بدورها من فرص الضرائب المربحة. ويقول دافيد توسا احد خبراء الاتصالات "إذا ظلت العلاقة بين شركات الاتصالات والحكومات على استقرارها، ستزدهر قصة نجاح قطاع الاتصالات في القارة، أما إذا أخفقت تلك العلاقة، فسوف تفقد أفريقيا فرصة منقطعة النظير للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما يؤدي إلى انتقال قطاع الاتصالات ومستثمريه إلى أسواق أكثر ملاءمة لهم". و في الوقت الحاضر انتشرت الهواتف الجوالة بشكل كبير على مستوى القارة، مع انخفاض أسعار أجهزة الجوال ويرجع ذلك إلى النمو المتسارع الذي شهده العِقد الأول من الألفية. كما ساعد انخفاض أسعار تجهيزات شبكات الجوال شركات الاتصالات على بناء سعة الشبكات ونطاق تغطيتها مع القدرة على الدخول إلى أسواق جديدة، وهو الأمر الذي أدى إلى تقوية مكانة شركات الاتصالات في السوق وجعلها قادرة على المنافسة لجذب المشتركين. وساهمت العديد من شركات الاتصالات في دفع طفرة النمو التي شهدتها القارة وحصدت النصيب الأكبر من منافعها، وتأتي في الطليعة شركة MTN التي تعتبر شركة الجوال المهيمنة في السوق بفضل محفظة تضم 21 شركةً عاملةً قدمت خدماتها إلى 141 مليون مشترك بنهاية عام 2010. وتمتلك الشركة التي يقع مقرها في جنوب أفريقيا، والتي سجلت إيرادات تقارب 16,7 مليار دولار أمريكي وهوامش ربح بلغت نسبة 44 بالمئة في عام 2010 قبل خصم الفوائد والضريبة والاستهلاك، قاعدة عملاء تصل إلى 20 مليون مشترك في جنوب أفريقيا وحدها وما يقرب من 40 مليون مشترك في نيجيريا. أن تسارع توجه أفريقيا نحو تبني اتصالات الجوال هو أحد أكثر قصص النمو تميزًا في تاريخ القطاع. وبالرغم من كون التعاون القائم بين الحكومات وشركات الاتصالات أحد العوامل التي ساهمت بشكل كبير في هذه الطفرة، فليس ثمة ضمان لدوام هذا التعاون، حيث سيكون لأي انقسام ينشأ في هذه الديناميكية ثمنًا باهظًا تتحمله الدول الأفريقية، مع استعداداها لترخيص إنترنت الهاتف الجوال، الذي من شأنه تحفيز الاستثمار في تقنية النطاق العريض والتنمية الاقتصادية. وختاما، حتى تستفيد افريقيا من قطاع الاتصالات والمعلومات لصالح الإنسان ورفاهيته، لا بد من وضع السياسات والتشريعات وإيجاد التقنيات الفنية المحفزة للنهضة والتطور في مجال الاتصالات والمعلومات وفي نفس الوقت تحقيق الحماية والأمن لكل مصادر المعلومات وحفظ خصوصية الاتصالات، والحد من الاختراقات في هذه المجالات. كم لا بد من تعزيز وتقوية بحوث الفضاء والاتصالات والمعلوماتية وتقوية البرمجيات المصاحبة للاستقبال ومعالجة الصور و تطبيقات الاستشعار عن بعد وصولاً إلى تحقيق المشروع الكبير بقيام (وكالة الفضاء الإفريقية) وسرعة انجاز هذا المشروع الحيوي الهام الذي سيساعد في التحرر من التبعية والسيطرة التقنية. ايضا لا بد من الاستفادة من المعلومات والاتصالات في تعزيز دور البحوث العلمية والابتكارات والاستفادة من نتائجها في بناء اقتصاد المعرفة القائم على تحسين نوعية المنتجات وإيجاد وسائل ونظم تساعد في الاستخدام الأمثل لمدخلات الإنتاج وتقليل الفاقد، وتحقيق القيمة المضافة للسلع والخدمات لإكسابها القدرة على المنافسة في الأسواق العالمية وتجاوز كل القضايا التي تحول دون الوصول لهذه الغايات. كذلك من الضرورى تقوية وتعزيز آليات التنسيق بين الدول الإفريقية في مجال المعلومات والاتصالات وتبادل الخبرات والاستفادة من تجارب الآخرين والدخول في مشاريع وبرامج مشتركة في شكل ثنائي أو في إطار التجمعات الإقليمية أو على مستوى الاتحاد الإفريقي. ع س