تمتاز حياة الإنسان المسلم بأنها زاخرةٌ بالأعمال الصالحة، والعبادات المشروعة التي تجعل المسلم في عبادةٍ مُستمرةٍ، وتحوِّل حياته كلَّها إلى قولٍ حسنٍ ، وعملٍ صالحٍ ، وسعيٍ دؤوبٍ إلى الله جل في عُلاه، دونما كللٍ أو مللٍ أو فتورٍ أو انقطاع يُقربه من الله تعالى ، ويصِلُه بخالقه العظيم جل في عُلاه في كل جزئيةٍ من جزئيات حياته . من هنا فإن حياة الإنسان المسلم لا تكاد تنقطع من أداء نوعٍ من أنواع العبادة التي تُمثل له منهج حياةٍ شاملٍ مُتكامل؛ فهو على سبيل المثال مكلفٌ بخمس صلواتٍ تتوزع أوقاتها على ساعات اليوم والليلة ، وصلاة الجمعة في الأسبوع مرةً واحدة ، وصيام شهر رمضان المبارك في كل عام ، وما أن يفرغ من ذلك حتى يُستحب له صيام ستةِ أيامٍ من شهر شوال ، وهناك صيام يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع ، وصيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر ، ثم تأتي الأيام العشرة الأولى من شهر ذي الحجة فيكون للعمل الصالح فيها قبولٌ عظيمٌ عند الله تعالى . وفيما يلي نشير إلى فضل أحد مواسم الخير المُتجدد في حياة الإنسان المسلم ، والمُتمثل في الأيام العشرة الأولى من شهر ذي الحجة وما لها من الفضل والخصائص ، وبيان أنواع العبادات والطاعات المشروعة فيها . فقد وردت الإشارة إلى فضل هذه الأيام العشرة في بعض آيات القرآن الكريم ، ومنها قوله تعالى : { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } ( سورة الحج : الآيتان 27 -28 ) . و أورد ابن كثير في تفسير هذه الآية قوله : " عن ابن عباس رضي الله عنهما : الأيام المعلومات أيام العشر . وهنا يُمكن القول : إن فضل الأيام العشر من شهر ذي الحجة قد جاء صريحاً في القرآن الكريم الذي سماها بالأيام المعلومات لعظيم فضلها وشريف منزلتها. كما ورد ذكر الأيام العشر من ذي الحجة في بعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فقد ورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال : يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيامِ ( يعني أيامَ العشر ) . قالوا : يا رسول الله ، ولا الجهادُ في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهادُ في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء . و للأيام العشر الأول من شهر ذي الحجة خصائص كثيرة ، نذكرُ منها ما يلي : أن الله سبحانه وتعالى أقسم بها في كتابه الكريم وأنه سماها الأيام المعلومات وقد جاء في بعض التفاسير أن الأيام المعلومات هي الأيام العشر الأول من شهر ذي الحجة ، وفيها أن الأعمال الصالحة في هذه الأيام أحب إلى الله تعالى منها في غيرها؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من أيام أعظم عند الله ، ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التكبير والتهليل والتحميد " وفيها أيضا ( يوم التروية ) ، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة الذي تبدأ فيه أعمال الحج . ، و فيها ( يوم عرفة ) ، وهو يومٌ عظيم يُعد من مفاخر الإسلام ، وله فضائل عظيمة ، لأنه يوم مغفرة الذنوب والتجاوز عنها ، ويوم العتق من النار ، ويوم المُباهاة فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-أنها قالت : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من يومٍ أكثر من أن يُعتق الله عز وجل فيه عبداً من النار ، من يوم عرفة ، وإنه ليدنو ثم يُباهي بهم الملائكة . و فيها فريضة الحج الذي هو الركن الخامس من أركان الإسلام وفيها ( يوم النحر ) وهو يوم العاشر من ذي الحجة ، الذي يُعد أعظم أيام الدُنيا. وجعلها الله تعالى ميقاتاً للتقرُب إليه سبحانه بذبح القرابين كالهدي الخاص بالحاج ، وكالأضاحي التي يشترك فيها الحاج مع غيره من المسلمين . كما تعد هذه الأيام المباركات مناسبةً سنويةً مُتكررة تجتمع فيها أُمهات العبادات كما أشار إلى ذلك ابن حجر بقوله : " والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أُمهات العبادة فيها ، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ، ولا يتأتى ذلك في غيره " ( فتح الباري ) . و من العبادات والطاعات المشروعة في الأيام العشر فقد أشارت بعض آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية إلى بعض تلك العبادات على سبيل الاستحباب ، ومن ذلك ما يلي: الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى ودعائه وتلاوة القرآن الكريم والتكبير ، والتهليل ، والتحميد ، و الإكثار من صلاة النوافل فهي من أسباب محبة الله لعبده وإجابة دعائه وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الإكثار منها قولاً وعملاً ، و ذبح الأضاحي لأنها من العبادات المشروعة التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى في يوم النحر أو خلال أيام التشريق و الإكثار من الصدقات المادية والمعنوية : لما فيها من التقرب إلى الله تعالى وابتغاء الأجر والثواب منه سبحانه ، ولما يترتب على ذلك من تأكيد الروابط الاجتماعية في المجتمع المسلم من خلال تفقد أحوال الفقراء والمساكين واليتامى والمُحتاجين وسد حاجتهم ، و الصيام لكونه من أفضل العبادات الصالحة التي على المسلم أن يحرص عليها لعظيم أجرها وجزيل ثوابها . وليس هذا فحسب فالصيام من العبادات التي يُتقرب بها العباد إلى الله تعالى والتي لها أجرٌ عظيم فقد روي عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال : " يُكفِّر السنة الماضية والباقية " ( رواه مسلم). و قيام الليل و أداء و زيارة المسجد النبوي في المدينةالمنورة وهي من الأعمال الصالحة المُستحبة للمسلم لعظيم أجر الصلاة في المسجد النبوي الذي ورد أن الصلاة فيه خيرٌ من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام و التوبة والإنابة إلى الله فهي بذلك أيام يشترك في خيرها وفضلها الحُجاج إلى بيت الله الحرام ، والمُقيمون في أوطانهم لأن فضلها غير مرتبطٍ بمكانٍ مُعينٍ إلا للحاج. ع ش