الخرطوم/9/5/2013/ - العادات الاجتماعية التي كانت تمارس من قبل السودانيين الذين يعيشون على طول نهر النيل أو بالقرب منه في السودان على مدى القرن الماضي تغير بعضها بسبب متغيرات الزمان وتقلبات العصر ومستجداته ، ولا يزال بعضها يمارس حتى اليوم في بعض أجزاء من السودان وخاصة في ريفه، كما يقول العلامة الأستاذ عبد الله الطيب الذي جمع وكتب العديد من المقالات عن هذه العادات في مجلة (السودان في مدونات و مذكرات)، وهي مجلة تعنى بتوثيق حياة وتاريخ السودان. وأوضح البروفيسور عبد الله الطيب في هذه المقالات التي كتبها في السنوات 1955 -1956-1964-1998 ، عادات وتقاليد إنسان السودان في وادي النيل منذ أن تحمل به أمه وهنا على وهن وحتى زواجه. وقد قام معهد عبد الله الطيب للغة العربية، جامعة الخرطوم، مؤخرا بنشر هذه المجموعة من المقالات بعد أن ترجمها الأستاذ محمد عثمان مكي. مدير المعهد د. الصديق عمر الصديق قال إن أهمية هذه المقالات ومكانتها في دراسة الفولكلور السوداني هو ما دفعنا لترجمتها إلى العربية. مضيفاً انها واحدة من المعارف الجليلة التي أستأثرت بقدر وافر من بحث عبد الله الطيب الذي صنف من قبل (الأحاجي السودانية ) بالعربية ثم ما لبث أن ترجمها إلى الأنجليزية هذا عدا ما كتبه من بحوث موصولة بالعامية السودانية لمجمع اللغة العربية . وكان بروفيسور عبد الله الطيب قد قال، "وحتى الآن وأنا أكتب هذه الورقة، يلاحظ الكثير منا ملامح التغير السريع الذي تحولت بفضله الحياة السودانية من مجتمع العصر الوسيط ، الذي تتعمق فيه التقاليد الراسخة إلى أمة أفريقية عربية حديثة متأثرة بالحضارة الغربية . لقد اختفت تماما العديد من أنماط الحياة وصيغها -التي عهدتها في صباي- كما أن العديد من الأنماط الأخرى في سبيلها إلى الزوال. أما باقي العادات والتي هي في الواقع قليلة جدا مازالت تسود القرى النائية والبيئات التقليدية. هذه ظاهرة جديرة باهتمام طلاب وعلماء الاجتماع والأنثروبولوجيا والتاريخ،علهم يقومون بتوثيق هذه العادات قبل أن تزول تماما وتضيع العديد من أنماط الحياة القديمة وتطويها أساليب الحياة الحديثة وسلوكياتها.ومعظمنا على معرفة بالتغيير السريع الذي بؤدي الى تغيير الحياة اليومية السودانية وبالتالي التفاليد التي كانت سائدة منذ مجتمع القرون الوسطى ، إلا أن وجود الأمة العربية الأفريقية المولودة حديثا تحت تأثير أنماط الحضارة الغربية، والعديد من وسائل الحياة كما كنت أعرف أنه في بلدي الصبا، قد اختفت تماما، في كثير من عملية تتلاشى، وبعض، وعدد قليل جدا في الواقع، لا يزال من الممكن وصفها في القرى البعيدة وبين البيوت التقليدية، ويصب في مصلحة الطلاب من الانثروبولوجيا وعلم الاجتماع والتاريخ لجعل رقما قياسيا من كل ذلك، قبل المباراة النهائية تفكك الأنماط القديمة يحدث والموضات الجديدة وسبل المعيشة والسلوك يسود . من هذه العادات طقوس الزواج وأهمها طقوس قطع الرحط . في السودان - كما في أي بلد في العالم - تعامل العروس وكأنها ملكة - علي الأقل أثناء حفلات الزواج. قبل فترة طويلة نسبيا ، يتم تدريب العروس علي الرقص، وتقوم بالتدريب امرأة ذات خبرة واسعة في هذه المهارات ، وهي لا تنال أجرا علي ذلك والآن أصبح تدريب العروس علي مهارات الرقص حرفة معترفا بها تمتهنها بعض المغنيات.كما يذكر بروفسور عبد الله الطيب. في السابق كانت أول خطوة في تجهيز العروس هي (المشاط) (تجديل الشعر) - نتذكر أن بعضا من شعرها كان قد قدم هدية لأحد أولياء الله الصالحين عند ميلادها- المشاط تقوم به امرأة محترفة أسمها (المشاطة) ، يتم أولا تسريح الشعر ثم تجديله في ضفائر صغيرة متعددة، ويدهن الشعر قبل التجديل بالكركار والمحلبية وبعض العطور الأخرى . يسمي الشعر عندئذ (الرشاش) وذلك لأن الشعر يرش بالعطور الزكية ، عندما تعطي العروس (الشبال) . الآن تذهب العروس لمصفف الشعر (الكوافير ) بعد إدخال الرئيس الأسق جعفر نميري لقانون الشريعة في سبتمبر 1983، تم منع النساء من الذهاب للكوافير ، ولكن النساء فرضن الكوافير بالقوة بعد سقوط نظام نميري والآن أصبح الذهاب للكوافير أمرا أكثر من عادي ولأن العاملين اصحبن من النساء . تذهب العروس مع صديقاتها للكوافير، وبعد ذلك مباشرة لاستوديوهات التصوير، وهي ترتدي زي العروس الأوروبية وتتحلي بالمجوهرات الأوروبية ، ولكن لا زالت عادة ( قطع الرحط) سارية . العريس له (وزير) بينما إخوته وأقاربه يساعدون في (الوزارة) ،أي الإحاطة بالعريس . وتقديم كل المساعدات له وتشجيعه علي حضور (قطع الرحط) والذي تحضره كل النساء . بعض الأسر المتعصبة دينيا ترفض وجود أي رجل في (قطع الرحط) باستثناء العريس ، يلبس العريس (الشيوم) ولكن كان ذلك في السابق ، الآن العريس يرتدي الزي الأوروبي ، أو مجرد جلابية وعمامة ، يجلس العريس وسط الدائرة محاطا بالنساء ، تعلن زغاريد النساء حضور العروس والتي تأتي متثاقلة مع (الوزيرة ) وهي مغطاه بثوب من (القرمصيص) . يقف العريس أمام عروسه والتي ينزع منها (القرمصيص) . (ولكنها تكون مغمضة العينين وتغطي وجهها بيديها وهنا يبدأ الغناء . ترقص العروس مغطية وجهها باليد اليمني وتضع اليسري علي أردافها ، يقوم العريس برفع يدها، خائفا من حدوث (القون) وهو أن تسقط العروس علي الأرض في غفلة منه وكلمة (القون) مستمدة من لعبة كرة القدم وتعني (الهدف). تلبس العروس (الرحط) تحت الفستان و(الرحط) هو عبارة عن لباس داخلي من الخيوط الجلدية المتفرقة ، تلبسه الفتيات يقوم العريس بقطع الدائرة التي تحيط بها هذه الخيوط ويقع الرحط ويقذف به العريس ، حيث تتناثر خيوطه ، وتعمل الفتيات علي الاحتفاظ بهذه الخيوط، لأنها تجلب لهن الحظ ، في السابق كانت العروس تلبس الرحط فقط بدون أي ملابس. عند قطع الرحط تكون عارية تماما ، ومن ثم تسقط علي الأرض وتغطي بثوب القرمصيص . تلقيت هذه المعلومة من ثلاثة شيوخ أجلاء ، ومن امرأة تبلغ السبعين من عمرها قالت بأنها نفسها عاشت هذه التجربة ، قال لي علماء الدين الثلاثة بأن الرحط هو من مخلفات الجاهلية .. أما المرأة العجوز فقد قالت لي بأن وقوف العروس عارية يشير إلي متانة صحتها ، وأنها غير مصابة بداء (الزهري) (الذي كان منتشرا في ذلك الوقت نتيجة لضعف الخدمات الطبية) . ولم تر العجوز غضاضة في وقوف العروس عارية . الجرتق: جرتق الزواج لا يختلف عن جرتق الختان ، وفي الواقع فإن العريس في الجرتق والضفيرة والصندل والمحلب علي رأسه وبالعقد الذهبي والهلال الذهبي علي رأسه ، وهو يحمل سيفه أو سوطه يشبه ملوك مروي القديمة في معبد الشمس في مصورات النقعة. يتم الجرتق ظهرا بعد (الدخلة) و(قطع الرحط) بعد الجرتق يذهب العريس إلي منزل والدته ثم بعد ذلك تذهب معه أخواته وقريباته وجاراته لمنزل العروس ، أثناء الجرتق تغني النساء (البنينة) وهي كلمة إيقاعية تحاكي الحركة بترداد الحروف. (البنينة ) التقليدية تقوم بالثناء علي العريس واصله العرقي ، يجلس العريس علي (العنقريب) مزينا وتفوح منه روائح الدلكة والبخور ، ثم يقف رافعا سيفه المجلد بجلد التمساح، سوطه المصنوع من جلد الخرتيت ، وينال وزيره قليلا من الجرتق بالصندل والمحلب ، وهو يحمل أيضا سيفا وسوطا ، بعد ذلك ترتفع أصوات الضرب علي (الدلوكة) و(الشتم) ، وتبدأ النساء في الرقص ، تدخل الحلقة الأولي ثلاث أو أربع فتيات من أهل العريس لابتداء الرقص ، ثم يتبعهن عدد مساو من أهل العروس ، تكشف كل فتاة راقصة عن رأسها لتعطي (الرشة) . يدخل الرجال الحلقة بعصيهم ، وأحيانا بسيوفهم وهم يتقافزون علي أنغام الدلوكة، هذا التقافز هو رقصة تسمي (الصقرية) (من الصقر) . تقترب الراقصة من أحد الرجال المتقافزين وتهز له رأسها (رشتها ) و(يسمي ذلك (الشبال ) و(الشبال ) هدية يفرح لها الشباب ، ويعلن عن استعداده لتلقي ضربات من السوط علي ظهره العاري ليجلده بها العريس ، والذي يملك حق جلد الناس لأنه (ملك). الجلد بالسوط ويسمى ( البطان) كان جزءا أساسيا في حفلات الزواج في السابق و(الشبال) (يستحق احتمال الضرب بالسياط يقف الشبان - وأحيانا الرجال المتزوجون - لتلقي ضربات السوط تعبيرا عن مؤازرتهم للعريس، وهذه الضربات بمثابة دين علي العريس ، ويقوم بسداده عند زواج أصدقائه الذي تلقوا سياطه. وحفل الزواج يشكل فرصة ذهبية للشبان والشابات لرؤية بعضهم البعض ، الفتيات يرقصن لإظهار جمالهن ، والرجال يتلقون السياط لإظهار شجاعتهم. ينتهي الجرتق بسيرة إلي منزل العريس، وتستمر الاحتفالات والرقص و(الشبال) و(الجلد بالسياط ) حتى (السبوع) (اليوم السابع). بعد ذلك توضع العروس في (الكجرة) وترسلها صديقاتها خلسة إلي حجرة العريس كل ليلة ويم ذلك لزمن غير محدد ، ثم بعد ذلك تنتهي الحفلات. البيوت السودانية كانت لها أسوار عالية ، ولم تكن توجد بها نوافذ ، وإنما مجرد فتحات صغيرة للتهوية تسمي(الطاقة) . أثناء السبوع يحاول الفضوليون التجسس علي العريس والعروس في غرفتهم الخاصة ، ولكن الوزير يقف حائلا دون ذلك. (الجرتق) الآن عملية رمزية - قليل من الحناء، وأحيانا بعض الدلكة ، لم تعد (الكجرة ) موجودة العرسان يذهبون الآن إلي الفندق وفي زمن سابق كانت أركويت هي المكان المفضل لقضاء شهر العسل ، وكان السفر يتم في عربات السكة الحديدية في (عربة النوم) والتي كانت دائما تفوح منها رائحة (الخمرة) . في هذه الأيام فإن العرسان الجدد غالبا ما يغادرون إلي المطار لأغراض الدراسة أو التوظيف بالخارج بعد ليلة (الدخلة ) تاركين الفطور التقليدي المكون من الشعيرية ليأكله الآخرين. ع أ