روسيا ترفض لتدخلات الأجنبية في السودان ومخططات تمزيقه    البرهان يودع سفيري السودان لمصر واثيوبيا "الفريق أول ركن مهندس عماد الدين عدوي والسفير الزين إبراهين حسين"    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. الناشط صلاح سندالة يسخر من المطربة المصرية "جواهر" بعد ترديدها الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله) خلال حفل بالقاهرة    طباخ لجنة التسيير جاب ضقلها بكركب!    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    وزير الصحة: الجيش الأبيض يخدم بشجاعة في كل ولايات السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    الانتفاضات الطلابية مجدداً    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    السودان..البرهان يصدر قراراً    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في إطار تغطية سونا للاحتفالات: إعادة قراءة خطاب ذكرى الاستقلال عبر الحقب

بقلم: محمد أزرق سعيد - مدير عام الإدارة العامة للتقنية والتوثيق - دار الوثائق القومية الخرطوم، 2/ 1/ 2014 (سونا) تعتبر المناسبات الوطنية والقومية الكبرى في حياة الأمم والشعوب محطات للدول والكيانات السياسية لرصد إنجازاتها واستدعاء تاريخها ومساراتها وإعادة قراءة سجل اخفاقاتها بغرض استنتاج الدروس التي تعين على استشراف المستقبل وتحاشي العقبات التي تعترض مسيرتها. وصادف يوم أمس الأربعاء الذكرى الثامنة والخمسين لاستقلال البلاد افي الأول من يناير 1956م مما يستوجب إعادة قراءة هذا السجل الطويل من تاريخ السودان في الحقب المختلفة من خلال إعادة قراءة خطاب الاستقلال والقضايا التي ركز عليها هذا الخطاب والوقوف على التحولات التي طبعت فترات الحكم الوطني والقضايا والهموم التي استحوذت على اهتمام قادة السودان خلال أعوام الاستقلال. إن أول من ابتدر خطاب الاستقلال في السودان الزعيم إسماعيل الأزهري رئيس مجلس الوزراء في صبيحة الأول من يناير 1956م بمناسبة إعلان الاستقلال ورفع علم السودان بالقصر الجمهوري. ولقد جاء خطاب الزعيم الأزهري مفعماً بروح الانتصار والحرية بتتويج مجاهدات ونضال الشعب السوداني وباستكمال الاستقلال مما هيأ له جميع مقومات الدولة ذات السيادة بإعلان مولد جمهورية (السودان الأولى) الديمقراطية المستقلة. وأشار الخطاب إلى أنه برفع العلم وإعلان الاستقلال انتهى واجب الكفاح التحريري وبدأ واجب حماية الاستقلال وصيانة الحرية وبناء نهضة السودان الشاملة التي تستهدف خير الأمة ورفعة شأنها بطرح الماضي والإقبال على هذا الواجب الجسيم إخوة متعاونين وبنياناً مرصوصاً ومواجهة تشكيل وبناء أمة واحدة متماسكة. الخطاب ثمّن جهاد الشعب السوداني وإيمانه الذي أثمر هذا الاستقلال. وسجل الخطاب الشكر لدولتي الحكم الثنائي لالتزامهما باتفاقية الحكم الذاتي 1953م وقبول استقلال البلاد بعد 56 عاماً. وسجَّل شكر السودانيين لدولتي الهند وباكستان اللتين شاركتا في جهود لجنة الحاكم العام وكذلك لجنة السودنة والدول السبع التي قبلت الاشتراك في اللجنة الدولية التي كان مقرراً أن تشرف على إجراءات تقرير المصير. وأكد لخطاب على احترام إرادة الشعب التي تمثل دستوراً يجب الالتزام به. وحيا الزعيم الأزهري المجاهدين الأبرار الذين بذلوا التضحيات من أجل هذا اليوم المشهود الذي كان حلماً لولا صمود الرجال وإيمانهم بهذا الوطن. ودعا إلى استخلاص الدروس والعبر من الخصائص التي مكَّنت هذا الشعب الأعزل من مصارعة الاستعمار والفوز عليه باعتبار هذه الخصائص درعاً واقياً لصيانة الاستقلال وسيادة الوطن لتثبيت النهضة والوقوف مع دول العالم الحر في صف واحد لأداء واجبها نحو تقدم البشرية وخير الإنسانية وإرساء قواعد السلام في الأرض. وشدد الخطاب على ضرورة الاستفادة من إمكانات السودان الطبيعية وثرواته وموقعه لإحراز قصب السبق في مضمار التعمير لرفع قدر السودان بين الأمم. وتعهد الأزهري بألا يربط السودان بأحلاف ولا معاهدات ومراعاة حق إجارة الغير وحق الجوار في إخاء وصداقة. أما الخطاب الذي ألقاه السيد/ عبد الله خليل رئيس مجلس الوزراء بمناسبة العيد الأول للاستقلال في يناير 1957م فقد ركز على تمجيد مجاهدات قطاعات الشعب السوداني كافة ضد الاستعمار إلى أن نال استقلاله وحريته بتضامنه وبراعة قيادته السياسية، والدعوة إلى صيانة هذا الاستقلال والحرية والإسهام في إسعاد الشعب والبشرية والنهوض بمستوى المعيشة في البلاد وتوفير أسباب العناية الصحية. ودعا سيادته إلى صيانة الجهاز الحكومي والبعد به عن التيارات الحزبية والحفاظ على الخدمة المدنية في أعلى مستوياتها مع الحفاظ على الأمن والنظام. وتعهد سيادته بإصدار الدستور والحفاظ على تنفيذ أحكام القانون مع العمل على تطوير الاقتصاد دعامة للاستقلال وصيانته بزيادة الإنتاج والتسويق والتصنيع وزيادة المساحات المزروعة. وتضمن الخطاب إنجازات السودان على مستوى علاقاته الدولية والحصول على عضوية المنظمات الإقليمية والأمم المتحدة والانتباه إلى حساسية الموقع الجغرافي للسودان خاصة إزاء الدول الأفريقية. وفي احتفال البلاد بالعيد الثاني للاستقلال (والذي كان لحكومة عبد الله خليل فضل الخروج بهذه المناسبات القومية إلى الأقاليم) عدد رئيس مجلس الوزراء في الخطاب الذي ألقاه في ميدان المجلس البلدي بمدينة الفاشر عدداً من المشاريع الجديدة التي تزمع الحكومة إنشاءها بغرض استنباط الثروات الكامنة في الأرض، والعمل على تقوية القوات المسلحة لحماية البلاد. وفي عهد نظام الفريق إبراهيم عبود رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة وفي مناسبة الاحتفال بالعيد الثالث للاستقلال في يناير 1959م تركز خطاب الاستقلال حول الترحيب الذي قابلت به الدوائر العالمية سياسة حكومة 17 نوفمبر الداخلية والخارجية والذي أكسب السودان المزيد من الصداقة والثقة والاطمئنان لأهداف السودان في حياة مليئة بالرخاء والبناء ومفعمة بالسلم. وتضمن خطاب الفريق عبود في مناسبات أعياد الاستقلال والتي كان آخرها العيد السابع للاستقلال في يناير 1964م وعوداً بتحقيق الرخاء ورفع مستوى معيشة المواطنين وإعادة بناء الاقتصاد القومي بخلق الجو الكفيل بتوحيد الأمة وتعميق مبدأ الحكم الصالح بترسيخ قواعد الحكومة المحلية والاهتمام بالخدمة المدنية عصب الأداء الحكومي، وتنظيمها وذلك من خلال اللجنة التي كونتها لإعادة النظر في توزيع مهام المجموعات المختلفة، واعتماد اللغة العربية كلغة رسمية للتعامل في دواوين الحكومة. وحول إنجازات الحكومة تضمن خطاب الاستقلال في عهد حكومة الفريق عبود تنفيذ مشروع كهرباء سنار، وإجراء مفاوضات لإنشاء مصانع السكر وزراعة البن في الجنوب وتكوين نواة لأسطول تجاري بجانب إصدار قانوني البترول والثروة الحيوانية بغرض استنباط ثروات البلاد الكامنة في الأرض. والعمل على تقوية القوات المسلحة لحماية البلاد، وفي المجال الخارجي أكد الخطاب على إرتياد الحكومة لسياسة التعايش السلمي وتطوير علاقات السودان الخارجية لخدمة مصالح الشعب السوداني الذي وحدته عناصر الجغرافيا والتاريخ. وأكد الفريق عبود مراراً في خطاباته للأمة السودانية في مناسبات الاستقلال أن الاستقلال غاية ووسيلة، أي غاية للتحرر من الاستعمار الأجنبي، ووسيلة إلى بناء قومية ونهضة السودان وتخطيط مستقبل الأجيال القادمة في مسئولية بناء الاقتصاد ورفع مستوى التعليم والخدمات للمواطنين وتحمل مسئولية تحقيق سلام العالم الذي نعيش فيه وذلك من خلال القيام بدور فعّال في المنظمات الدولية وتحقيق وحدة القارة الأفريقية ودعم العالم العربي واستعادة فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي. وفي خطابه الأول والأخير بمناسبة العيد التاسع للاستقلال في يناير 1965م أكد السيد/ سر الختم الخليفة رئيس وزراء حكومة أكتوبر الانتقالية على اعتماد سياسة حكومته وفقاً لمصالح الشعب السوداني التي تحددها الأهداف والمبادئ التي تستوجبها ظروف البلاد وتقاليدها والمعتقدات الشعبية والميثاق الوطني الذي حدد مهمة وخطط الحكومة التي جاءت جراء انتفاضة شعبية مباركة حققت وحدة الشعب السوداني كافة، وتضمن خطاب سر الختم الخليفة في هذه المناسبة خطط حكومته التي ركزت على إزالة الوضع العسكري وقيام حكومة قومية انتقالية تمثل هيئات الشعب المختلفة لإدارة البلاد وإعدادها لمجتمع ديمقراطي وإطلاق الحريات العامة وإلغاء جميع القوانين المقيدة للحريات مع تأمين استقلال القضاء وإستقلال الجامعة، وإطلاق السجناء السياسيين واتخاذ سياسة خارجية مناهضة للاستعمار والأحلاف وحكم البلاد خلال هذه الفترة الانتقالية وفقاً للدستور المؤقت وإجراء انتخابات حرة تشرف عليها لجنة مستقلة وإعادة تنظيم الهيئة القضائية ومؤسسات العدل المختلفة. ومن القضايا التي تضمنها خطاب الاستقلال في ظل حكومة السيد/ سر الختم الخليفة تنفيذ (عملية التطهير في الخدمة المدنية) مع توخي العدالة في الإجراءات الخاصة بذلك وإعلان دستور 1956م المعدل لسنة 1964م وإلغاء قانون دفاع السودان الذي عطل الدستور في ظل حكومة الفريق عبود. وحول مشكلة الجنوب التي لم تتضمنها خطب (الاستقلال خلال فترات الحكم السابقة) أشار سر الختم الخليفة للاعتراف بالمشكلة في واقعية وإعلان العفو العام الذي فتح الطريق لعودة العديد من جماعات المتمردين. وحول المشكلات التي تواجه حكومة أكتوبر الانتقالية تضمن الخطاب الضائقة المالية الخانقة التي خلقها النظام السابق بجانب أزمة العطالة الطاحنة التي اتجهت الحكومة لمعالجتها والأزمة المالية بعدد من الإجراءات والسياسات الاقتصادية وتدعيم علاقات البلاد مع المؤسسات العالمية الدولية، وتنمية القطاعات الصناعية والزراعية والتجارية ودعم خدمات الصحة والتعليم والمياه وترقية الإعلام، وثمّن الخطاب الوحدة الوطنية التي أسهمت في تحقيق الاستقلال والانتفاضة الشعبية في أكتوبر 1964م. وتضمن خطابات السيد/ إسماعيل الأزهري رئيس مجلس السيادة إبان فترة الديمقراطية الثانية في الفترة من يناير 1968م وحتى يناير 1969م عدداً من القضايا المحورية التي كشفت سياسات الاستعمار التي قامت على التفرقة بين أبناء الوطن الواحد وزرع بذور الفتنة وعرقلة الاندماج القومي واستنزاف مقدرات البلاد الاقتصادية وطمس هوية شعبه، إضافة إلى مشكلات التنازع السياسي التي أعاقت استثمار الاستقلال لتحقيق غايات وأهداف الشعب السوداني في التطور والنمو والتنمية واللحاق بالأمم والشعوب الأخرى. وتضمن خطاب الاستقلال في الديمقراطية الثانية إكمال الجمعية التأسيسية التي شرعت في مناقشة الدستور الدائم لجمهورية السودان الذي ظل مطلباً للجماهير منذ فجر الاستقلال بجانب الاستعدادات الجارية لإجراء الانتخابات إضافة إلى الجهود التي بذلتها الحكومة السودانية في عقد مؤتمر القمة العربية وتحقيق الوفاق العربي بعد نكسة يونيو 1967م وتأكيد حق الشعب الفلسطيني ودعم كفاحه المشروع ضد الاحتلال الإسرائيلي. كما تضمن الخطاب مؤتمر الإصلاح الإداري للارتقاء بالخدمة المدنية والنتائج الإيجابية التي تحققت في جنوب السودان بتحقيق الاستقرار الناجم عن قانون العفو العام. وأعلن الزعيم الأزهري تأييد السودان المطلق لحركات التحرير في العالم والنأي بالبلاد عن الأحلاف والالتزام بالحياد وعدم الانحياز. وأكد رئيس مجلس السيادة على ضرورة تضافر جهود المواطنين جميعاً لتحقيق نهضة السودان الذي ستظل السيادة فيه للشعب السوداني. وفي عهد مايو الذي انطلق في 25 مايو 1969م اتسم خطاب الاستقلال في يناير 1970م بالانحياز الكامل لمبادئ الثورة العربية التي يقودها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي شرّف احتفالات البلاد بالاستقلال في يناير 1970م وثمّن الخطاب مجاهدات الشعب السوداني منذ الثورة المهدية والذي أكد حقيقة السودان الحديث كنموذج للوجود العربي المسلم منفتحاً على العالم العربي. كما أن الاستقلال صار حقيقة عبر حركات المقاومة المستمرة ضد الغزو الأجنبي في أنحاء السودان كافة. وتضمن خطاب الرئيس نميري في مناسبات الاستقلال الإشارة إلى التوجه الإشتراكي لثورة مايو وانحيازه لقوى الشعب العاملة ركيزة الإنتاج والعطاء في البلاد رغم الظروف الإقتصادية الصعبة التي ورثها النظام عن الحكومات السابقة وتراكم الديون وتردي الخدمة المدنية العامة واستمرار الحرب في جنوب البلاد. وحول إنجازات حكومة مايو تضمن خطاب الاستقلال الحل السلمي لقضية الجنوب وتحقيق الوحدة الوطنية وتحرير الاقتصاد الوطني واتفاقيات التعاون مع الإتحاد السوفيتي الرامية لتنفيذ المشروعات الإنتاجية الكبرى. وحول السياسة الخارجية أكد الرئيس الراحل جعفر نميري في خطاباته بمناسبة الاستقلال التي درجت مايو على الاحتفال بها في العديد من عواصم الأقاليم إدانة الشعب السوداني للتفرقة العنصرية ومناصرة الشعب الفلسطيني ومناصرة الثورات الأفريقية، والسعي لتحقيق التكامل بين السودان ومصر وليبيا كنواة للوحدة العربية الشاملة في محتوى وطني يلبي مصالح الجماهير الشعبية. وكانت مناسبات الاحتفال بأعياد مايو سوانح لإعلان إنطلاق العمل الشعبي المنظم وتطوير الريف والانفتاح نحو القوى الوطنية وتصفية الإدارة الأهلية وتنفيذ سياسات التأميم والمصادرة وإعلان قيام المؤتمر التأسيسي للإتحاد الاشتراكي السوداني
الذي صادف الاحتفال بالعيد السادس عشر للاستقلال بود مدني في يناير 1972م. وفي احتفالات العيد السابع عشر بمدينة كسلا وجه الرئيس نميري بإعادة كتابة تاريخ السودان السياسي لتخليد مساهمات الرعيل الأول للاستقلال ومجاهدات الشعب السوداني في الحقب المختلفة، وإقامة محكمة للشعب لممارسة واجباته في وضع وإقرار الدستور الدائم ومراقبة وترشيد السلطة التنفيذية والتشريع بروح الوطنية والمسئولة الكاملة ووضع السلطة في يد الجماهير بتدعيم مجالس الحكم الشعبي المحلي وتعبئة طاقات التنمية. وكرّس خطاب الاستقلال في عهد مايو العون الذاتي سنداً لجهود الثورة في مجال التنمية وتوفير الخدمات للجماهير، وتخفيف الأعباء المعيشية عنها، وترقية أداء الخدمة المدنية وتمكينها من الاضطلاع بدورها في مستقبل التنمية في السودان ومستقبل أهله في إطار برنامج العمل الوطني الذي اختطته الحكومة، ومضاعفة الإنتاج وتنويع صادرات البلاد والتوسع في مشروعات الري الجديدة خاصة مشروع (خزان مروي وستيت وأعالي نهر عطبرة) وتوفير التمويل لمشروع الرهد الزراعي وإعلان ميلاد مديرية البحر الأحمر في إطار الاهتمام والعناية بالمناطق المتخلفة. وأعلن الرئيس نميري بمناسبة الاحتفال بالعيد السابع عشر للاستقلال بكسلا عاماً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية واستكمال بناء الإتحاد الإشتراكي السوداني وعاماً للدستور الذي سيضع السلطة في يد الجماهير. وفي مدينة الفاشر بمناسبة الإحتفال بالعيد الثامن عشر للإستقلال في يناير 1976م أعلن النميري أنه إذا كان عام 1972م عاماً للوحدة الوطنية بحل مشكلة الجنوب وتحقيق السلام فإنّ العام 1973م عام تكريس الديمقراطية والوحدة الوطنية. ومن أبرز القضايا التي تناولها خطاب الاستقلال في العهد المايوي ما أعلنه من تحرير الاقتصاد الوطني من سيطرة البيوتات الأجنبية وتحرير المجتمع من التجزئة والتمييز وتحقيق المساواة الدستورية والقانونية الكاملة للمرأة والاضطلاع بمهام الوحدة الوطنية والإنماء والعمران ودعم التضامن العربي والأفريقي ومناصرة القضية الفلسطينية وقضايا التحرر كافة والتوسع في الزراعة والصناعة والتعدين والبترول والخدمات الصحية والتعليمية وغيرها، وتطوير وتنمية القوى البشرية والريف والتصدي للمؤامرات الرامية للنيل من أمن وسلامة الوطن في الداخل والخارج بجانب إعلان تطبيق الشريعة الإسلامية وإرساء النظام الرئاسي والحكم الراشد وتحقيق المصالحة الوطنية وترسيخ الحكم المحلي والإقليمي والارتقاء بقدرات القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى، وتنمية علاقات التعاون مع المجموعات الإقليمية والدولية لخير شعب السودان. واختتم الرئيس نميري خطاب الاستقلال في الاحتفال الذي أقيم بمدينة جوبا في يناير 1985م بالتأكيد على أهداف إعادة تقسيم الإقليم الجنوبي وفتح الحوار الوطني الشامل مع كافة القوى الوطنية وحماية السلام ودعا المنظمات الإقليمية والدولية لدعم السودان لمواجهة ويلات المجاعة في مناطق الجفاف والتصحر. وفي احتفال البلاد بالعيد الثلاثين للاستقلال في يناير 1986م، في الفترة التي أعقبت الإطاحة بنظام الرئيس النميري، اعلن الفريق أول/ عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب رئيس المجلس العسكري الإنتقالي تكوين لجنة قومية لإعداد سجل شرف بأسماء المجاهدين الذين انتزعوا للسودان الحرية والاستقلال معدداً مراحل النضال والجهاد الوطني من أجل الوصول إلى هذه الغاية. ودعا سوار الذهب الشعب السوداني إلى مواصلة المسيرة وتوحيد الصفوف والارتقاء فوق الخلافات ومضاعفة الإنتاج والنهوض إلى مستوى المسئولية الوطنية. وفي ذكرى العيد الحادي والثلاثين للاستقلال في يناير 1987م دعا السيد/ أحمد الميرغني رئيس مجلس رأس الدولة إلى دراسة تاريخ السودان الحديث للحيلولة دون طمر التراث السوداني الذي يجب أن نفخر به عن قادة ورجال الحركات الوطنية التي صنعت هذا الاستقلال. وأعلن سيادته عن مساعي مجلس رأس الدولة والحكومة في تحقيق التضامن العربي والأفريقي ووقف حرب الخليج وتحقيق الوحدة الوطنية صمام أمان الإستقلال ومواجهة المؤامرات التي تُحاك ضد البلاد من خلال التعبئة الشاملة لقدرات الأمة. وأعلن السيد/ أحمد الميرغني أن قضية تحقيق السلام في السودان قضية محورية تحظى باهتمام الدولة، وأن السودان مع إحلال السلام في المنطقة العربية والعالم أجمع وتحرير القارة من الاستعمار خاصة في ناميبيا وجنوب أفريقيا. وفي أول خطاب له في العيد الرابع والثلاثين للاستقلال في يناير 1990م ثمّن الفريق الركن/ عمر حسن أحمد البشير رئيس مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني مجاهدات الرعيل الأول من رجال الاستقلال ومساهمات الحكومات المتعاقبة وبأقدار متفاوتة في تعزيز معنى الاستقلال. وأعلن أن حرب الجنوب التي اندلعت قبل الاستقلال كانت عاملاً في إحباط مشروعنا الوطني لتحقيق الاستقلال الكامل. وأكد الفريق البشير أن السلام هو أول هموم الثورة وأن العام 1990م سيكون عام السلام في السودان لتمكين البلاد من استشراف دورة القرن بوجه جديد للسودان. وتضمن خطاب الإنقاذ في الإستقلال جهود تحقيق الأمن الاقتصادي وفق ضوابط اقتصادية صارمة وتحقيق عدالة التوزيع، وإعلان قانون الخدمة الوطنية الإلزامية لتنظيم مشاركة الشباب في المشاريع الإنتاجية والبرامج الاقتصادية والثقافية والإجتماعية السياسية وتحقيق التلاحم مع الشعب والجيش عبر قانون الدفاع الشعبي ذوداً عن الوطن ومقدراته. وأكد البشير على ضرورة إرساء فلسفة سياسية واقتصادية وتربوية واجتماعية شاملة باستنهاض كل مؤسسات المجتمع لترسيخ عقائد الإيمان والتوكل والاعتماد على النفس وزيادة الإنتاج وتحقيق الطُهر في إدارة شئون الدولة وأعلن عن قيام المجلس الأعلى للغلال الذي سيساعد في تحديد المساحات المزروعة ووضع السياسات الزراعية لتحقيق الاستفادة القصوى من الإنتاج الزراعي. وركز خطاب الاستقلال في عهد الإنقاذ على ضرورة امتلاك القرار السياسي وأعمار العلاقات الخارجية وتأصيل منهج إدارة الدولة والمجتمع وإعلاء قيم الجهاد والدفاع عن الوطن وتحقيق الاكتفاء الذاتي في الزراعة والصناعة وتحقيق العدالة الإجتماعية وتوسيع المشاركة لأبناء الوطن كافة، وتحقيق الإصلاح القانوني وتطبيق الشريعة الإسلامية ومواءمة القوانين لها. وإرساء علاقات حُسن الجوار وتوسيع دائرة الشورى، وإصدار قانون مؤسسة السلام والتنمية لبسط روح الإخاء والتعايش السلمي، وإعداد الإستراتيجية الشاملة للانتقال بالسودان إلى مصاف الدول الحديثة التي تعتمد على التخطيط العلمي في بناء النهضة. وفي خطاب الاستقلال في العيد السادس والثلاثين تم إعلان تطبيق النظام الفيدرالي، تلا ذلك الدعوة للحوار بين الحكومة وحملة السلاح لتحقيق السلام. وإعلان تعلية خزان الروصيرص وتحقيق إنجازات مشهودة في مجالات التعليم والطرق وتحرير الاقتصاد السوداني وإقامة خزان الحمداب لتوفير الطاقة وتطوير الإنتاج في القطاعات المختلفة. ومن الإنجازات التي تضمنها خطاب الاستقلال في عهد الإنقاذ توقيع اتفاقية الخرطوم للسلام، وتحقيق الوفاق الوطني وإصدار المرسوم الدستوري الثالث عشر الذي يحدد البناء الدستوري في البلاد وانتخاب المجلس الوطني ورئيس الجمهورية وإقرار الدستور الدائم وترسيخ الحريات العامة وإصدار قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية ومواصلة الحوار مع كافة القوى السياسية لتوحيد الرؤية حول مضمون القانون، ومواصلة مساعي إعمار علاقات السودان الخارجية على المستوى الإقليمي والدولي والسعي لتحقيق السلام الشامل في البلاد والموافقة على مبادرة الإيقاد والمقترحات الأمريكية الخاصة بتحقيق السلام في الجنوب، وإنشاء صندوق تنمية الجنوب والمناطق المتأثرة بالحرب، والتوصل إلى إتفاق مشاكوس الإطاري في إتجاه السلام والوفاق الشامل في السودان. وفي الذكرى الخمسين للاستقلال في يناير 2005م حيّا المشير البشير صُناع السلام الشامل في نيفاشا الذي قال أنه جاء بجهد سوداني خالص وبإرادة موحدة تحفظ وحدة الشعب والوطن ودعا الأسرة الدولية للإضطلاع بدورها في التنمية والإعمار في الجنوب وأشار إلى أن السلام الشامل لن يكتمل إلا بوحدة وطنية تجمع أهل السودان كافة. وفي عيد الاستقلال الحادي والخمسين جدد رئيس الجمهورية الالتزام باتفاقية السلام الشامل وتنفيذها بشكل كامل والسعي لتحقيق الوحدة الجاذبة والإلتزام بتحقيق السلام في دارفور وإكمال مؤسسات اتفافية نيفاشا كما تضمن خطاب الإنقاذ في أعياد الاستقلال التالية القبول بنتائج الاستفتاء في الجنوب وتطوير علاقات الجوار السلمي مع دولة الجنوب حفاظاً على المصالح المشتركة للشعبين والحفاظ على استقلال القرار السياسي وترقية الإنتاج وضمان وفرة السلع ودعم الشرائح الضعيفة بجانب دعوة القوى الوطنية والمفكرين لإعداد دستور السودان الجديد ودعوة حملة السلاح في دارفور للحوار واللحاق بمساعي السلام الجارية في الدوحة ووقف نزيف الدم في المناطق الأخرى حفاظاً على أرواح المواطنين وجمعاً وتوحيداً لكلمة أبناء الوطن كافة حفاظاً على استقلال الوطن وسيادته. ولم يخل خطاب الاستقلال في حِقب الحكم الوطني المتعاقبة من المشكلات التي واجهت هذه الحكومات في مجالات علاقاتها بالكُتل الإقليمية والدولية ودول الجوار، وانعكاسات الأحداث الدولية على مصالح السودان الداخلية والخارجية، وعن مسئولية كل حقبة في المصاعب التي واجهت البلاد، فيما ظلت النوايا الخاصة بتحقيق الوحدة الوطنية والسلام والرفاه الإقتصادي والتنمية والحفاظ على سيادة الوطن القاسم المشترك في خطاب الاستقلال خلال هذه الحقب. ع س

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.