ظلت وزارة الثقافة الاتحادية منذ أن تولي أمرها الأستاذ الطيب حسن بدوي في حالة حراك دائم بدءا بتنظيم هيكلها الداخلي ومن ثم الاضطلاع بدورها في ظل تحديات كثيرة واجهتها ما بين مواكبة التحولات السياسية وشح الإمكانات سيما بعد فك ارتباطها بوزارة الإعلام وعودتها لتكون رأس الرمح في توفير السند الثقافي لمشاريع الدولة الإستراتيجية . طرح وزير الثقافة منذ توليه مهامه سؤالا تشكل إجابته نقطة انطلاق لعمل ثقافي ضخم وهو "ماذا تريد الدولة من الثقافة وماذا تريد الثقافة من الدولة ؟" فكانت الزيارات الميدانية للمبدعين الأحياء ولأهالي الذين رحلوا وتفعيل بعض الأذرع الثقافية وإقامة الحوارات الثقافية الجامعة إضافة الي رعاية المهرجانات الثقافية وتم إعلان الجنينة عاصمة للثقافة السودانية عام 2014 وكادوقلي عاصمة للتراث السوداني 2014 وسنار عاصمة للثقافة الإسلامية 2017 . وفي الفترة من 22 - 23 الجاري انعقد الملتقي التنسيقي الثالث لوزراء ومديرى الثقافة بالسودان وجاء يحمل شعار " الثقافة طريقنا للوحدة والسلام والتنمية الشاملة " برعاية النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق أول ركن بكري حسن صالح بقاعة مجلس الوزراء الاتحادي ، تنادي للملتقي وزراء 16 ولاية وعدد من الخبراء والمهتمين بالشأن الثقافي وأهل الفن ووزراء سابقون للوزارة فكان واحدا من أهم الملتقيات والتجمعات . اشتمل الملتقي علي فعاليات عدة أهمها ورقة الحوار الثقافي الشامل التي قدمها الأستاذ عبد الإله أبو سن وكيل الوزارة والتي تناولت أهم مرتكزات وأهداف الحوار الثقافي وآلياته ، مؤكدا أن قضية الثقافة في السودان من القضايا التي أخذت وما زالت تأخذ حيزا في الحوار الاجتماعي الأكاديمي والسياسي مشيرا الي أنها تمثل واحدة من القضايا التي يتوجب الإشتغال عليها بذهن مفتوح ووعي ورسالية ، وتناولت الورقة موضوع الهوية موضحة أنه من الأنسب تجميع المشتركات بين مكونات النسيج السوداني علي المستوي الاجتماعي والتي أظهرت قدرا عاليا من التراضي والقبول والتعايش الذي أفضي في نهاية المطاف الي هذه التركيبة الإثنية والثقافية السودانية التي شكلت نسقا ذات امتدادات واسعة في جواره الحدودي ومنتوجه الاجتماعي والثقافي بل وحتي الاقتصادي ، وشهدت الجلسة حوارا ثرا من الحضور وتناول وزراء ومديرو الثقافة بالولايات والخبراء والمثقفون من أهل الفن قضايا ثقافية مؤكدين بأن الهوية السودانية موجودة وطالبوا بالبحث عن سبل تعزيزها وأجمع الحضور علي ضعف الإمكانات التي تحول دون تنفيذ برامجهم الثقافية . وقدم الأستاذ محمد عبد السلام مدير مسئولية المؤسسات بمجموعة دال ورقة عن المسئولية المجتمعية والشراكات متناولا مبادئها ومفهومها وفوائدها ، وتناول د. سيد حريز معوقات التنفيذ والحلول في الخارطة الثقافية وناقش الملتقي ورقة إستراتيجيات العمل الثقافي التي قدمها الأستاذ البشير سهل جمعة وقدم د. يوسف فضل حسن تنويرا عن مشروع سنار عاصمة للثقافة الإسلامية للعام 2017 . وأوصي الملتقي بمشاركة كافة الجهات المختصة بضرورة بناء شراكات حقيقية بين مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني لإحداث حراك ثقافي واسع يدعم ويعزز مفهوم الهوية الوطنية مؤكدا على ضرورة التنسيق مع الأجهزة الإعلامية لنشر المنتوج الثقافي السوداني عبر وسائط الإعلام المختلفة والترويج له داخلياً وخارجياً . ودعا الملتقي إلي ضرورة التوسع في إنشاء المكتبات الوطنية ودعمها وإنشاء مكتبات موازية لها في كافة ولايات البلاد ، والعمل علي رعاية المواهب الثقافية وتهيئة بيئة الإبداع وحماية حقوق المبدعين وإنشاء صناديق لرعايتهم بالولايات . وأمن الملتقي علي دعم الوثبة الوطنية التي أعلنها رئيس الجمهورية في السابع والعشرين من يناير الماضي بالتركيز علي المحور الثقافي وبناء الهوية الوطنية بجانب دعم المبادرات الثقافية والاستفادة من الشراكة بين وزارة الثقافة الاتحادية ووزارة الثقافة بولاية الخرطوم . وأكدت التوصيات علي أهمية دعم الإستراتيجية الثقافية والعمل علي إنزالها علي أرض الواقع مع الاهتمام بثقافة السلام ونبذ القبلية والجهوية . ودعت التوصيات إلي أهمية تعزيز علاقات السودان الثقافية مع الدول الصديقة والشقيقة والتعاون في مجال تبادل الخبرات في مجال العمل الثقافي . كما دعا الملتقي الي العمل علي تطوير القوانين المختصة بالثقافة. وأمن الملتقي علي ضرورة بعث نهضة ثقافية سودانية شاملة وتوظيفها نحو تحقيق السلام والتنمية المستدامة بالبلاد . وفي جلسة الملتقي الختامية أكد الأستاذ محمد يوسف الدقير وزير الثقافة بولاية الخرطوم بأن الملتقي الثالث لوزراء الثقافة سيكون له ما بعده لتزامنه مع اتجاه الدولة نحو الحوار مؤكدا بأن المرحلة الآنية هي مرحلة الثقافة . ودعا الي دعم العمل الثقافي ورسم خارطة تحفظ موروث السودان وتحدد مساره الثقافي ، وأكد علي ضرورة تسيير قوافل ثقافية وإقامة الفعاليات الثقافية لتسهم في وحدة أهل السودان . وقال الدقير أن لغة الثقافة ستسهم في الحوار السياسي الذي انتظم البلاد مؤخرا مشيرا الي أنها الأصدق لمخاطبتها وجدان أهل السودان مبينا أن استقرار العمل الثقافي يتأتي باستقرار الوزارة نفسها . ودعا وزراء الثقافة بالولايات الي المزيد من الاهتمام وتنفيذ توصيات الملتقي الثالث . وأكد راعي الملتقي التنسيقي الثالث لوزراء الثقافة الفريق أول ركن بكري حسن صالح النائب الأول لرئيس الجمهورية ضرورة توسيع الحوار الثقافي ليشمل الجميع دون استثناء. وقال إن عودة وزارة الثقافة الي منظومة التشكيل الوزاري جاء عن قناعة من قبل القيادة السياسية بالبلاد مشيرا للدور الكبير الذي يمكن ان تلعبه في تعزيز وبناء الهوية الوطنية وأضاف " الامم تبني بالمعرفة والثقافة " . وأكد النائب الأول حرص الدولة علي تنفيذ توصيات الملتقي وذلك للوصول الي إكمال مشروع الخارطة الثقافية للبلاد مبينا أن الملتقي هدف الي تقوية التنسيق بين المركز والولايات لتنفيذ المشروعات الثقافية ، وذكر جملة شرحت الصدر وكانت بمثابة مؤشر لانفراج قادم لأهل الثقافة عندما قال " وزارة الثقافة الآن في الترتيب الأول من حيث الأداء بين الوزارات ".