رصد ومتابعة - سعيد الطيب معلوم بالضرورة ان التاريخ وقائع وحقائق لاتتغير ابدا الا اذا دخلت فيها ايادى بالتزوير والسرقة التاريخية بدون اختشاء علمى او اخلاقى ..والتاريخ نفسه لايرحم من يحاول تشويهه خاصة اذا كان شقيقك او اخوك بالتبنى حيث تبقى السرقة والحسد والغيرة الثقافية والحضارية مؤشر سلبى على الدناءة والابتذال والصفاقة والضعف . تتضمن صفحات التاريخ السودانى القديم قبل ميلاد سيدنا المسيح عليه السلام قيام حضارات وممالك عديدة تتابعت فى سلسلة زمنية تجسدت فى اسر حكمت السودان ثم فى ممالك قديمة حكمت ليس السودان الوطن العزيز بل امتد حكمها ليشمل الجارة الشمالية , ومن الشخصيات والرموز الوطنية السودانية الملك ترهاقا احد ملوك نبتة حيث لا يختلف إثنان في عراقة حضارتها وسودانيتها الخالصة . بعد موت الملك بعنخي المفاجئ ، خلفه على الحكم الملك كاتشا الذي كان من عامة الشعب ولم تكن تجري في عروقه دماء زرقاء ، بل كانت جل مكانته الاجتماعية أنه متزوج من إبنة كاهن مصري الأصل كان مستشارا مقربا في بلاط بعنخي وبعد موت الملك كاتشا تولى الحكم إبنه الملك شباكا وينطق أحيانا شباكون ثم خلفه بعد وفاته إبنه الملك شبتاكا وينطق احيانا كذلك شبيكون ثم قاد الملك ترهاقا انقلابا عسكريا عليه ,وعلى هذا النحو وصل ترهاقا إلى عرش مملكة نبتة.... وتربع فيما بعد على قلب أهل السودان ومصر وفلسطين على حد سواء ...... ويصنف ترهاقا من فئة الشخصيات الكارزمية التاريخية لمواهبه العسكرية وديناميكيته وشجاعته وعدم اعترافه بالهزيمة ووقوف ندا قويا ، في مواجهة آشور بانيبال أشهر ملوك العالم القديم في زمانه ، والذي كان يقاتل وفق تحالفات معقدة المصالح بحيث شملت جيوشه كتائب عسكرية من نصف قارة آسيا تقريبا. تولى ترهاقا مقاليد الحكم عام 690ق.م تقريبا و توجه إلى مدينة منف حيث انتزعها من يد اسطيفانيس وقضى بعد ذلك في زمن قياسي على جميع بؤر التمرد التي اشتعلت في مصر ابان حكم الملك شبتاكا استدعى الملك ترهاقا والدته من نبتة إلى الأقصر حيث توجها حاكمة على الوجه البحري والقبلي ، وخلع عليها لقب (سيدة الأمم)ونقش إسمها على جدران معبد جبل البركل..... كما نقش إسم مصر كدولة خاضعة لملكه ولأسباب تتعلق بخشية الاشوريين من احتمال تمدد سلطة مملكة نبتة في الشام ، وعلى نحو يشكل تهديدا مباشرا للسلطة في مملكتهم او مصالحهم الاقتصادية والتجارية في هذه المنطقة الحساسة ... وحتى لا يعيد التاريخ نفسه حين تحالف ملك نبتة شباكا مع بعض ملوك الشام من قبل .... فقد كان لابد للصدام ان يسفر عن وجهه بين مملكة آشور ونبتة ، فتعرضت مصر لغزو آشوري بقيادة الملك أسرحدون ، أعاد بعده نظام الحكم في مصر على نحو النسق الذي أقره الملك بعنخي من قبل ، حيث كانت مصر مقسمة إلى 20 ولاية مستقلة على راس كل ولاية امير مصري ... أما ترهاقا فقد تقهقر تكتيكيا إلى نبتة وظل بها إلى عام 669ق.م وحين مرض الملك أسرحدون زحف ترهاقا على الحاميات الاشورية التي تركها اسرحدون في مصر وقضى عليها واعاد بسط سلطته على مصر ثانية ,وحينما تولى اشور بانيبال عرش مملكة اشور 669ق م جعل اول مهامه غزو مصر وإبعاد ترهاقا فكان له ما اراد بعد انتصاره في موقعة قرنبيت التي كانت عام 667ق.م ، فعاد ترهاقا إلى نبتة تاركا مصر لحكم الآشوريين حيث أعاد بانيبال تنظيمها بتعيين ولاة آشوريين عليها ، ثم عاد قافلا إلى عاصمته نينوى,وكانت غلطته حينما ابطل في العاصمة الدينية (طيبة) عبادة آمون وغيره من الأوثان ، وجعل بدلا منهم إله الآشوريين العجل (ابيس) معبودا دون غيره ... فكان ذلك مدعاة لسخط الكهنة والمصريين بنحو عام ولأجل ذلك وقبل أن يلقي آشور بانيبال عصا الترحال ، ويطيب له المقام في قصره بنينوى ، إلا وكان ترهاقا قد زحف مرة أخرى إلى مصر فاسترجع طيبة إلى ملكه وابطل عبادة العجل (أبيس) ولكنه لم يستقر في (طيبة) بل عاد سريعا إلى عاصمته نبتة حيث توفى بها ودفن داخل هرمه المعروف في منطقة نوري كان ذلك التاريخ وصفحاته تشهد ان ترهاقا الفرعون السودانى الاسود اللون قد حكم مصر ردحا من الزمن ولاهمية هذه الشخصية وعظمةالتاريخ الكوشي الذى استرعى اهتمام الكثيرين من الكتاب والمخرجين وبعد صدور كتاب الصحفى الكندى هنرى اوبين عن انقاذ الآفارقة النوبيين بقيادة ترهاقا لاورشليم (القدس) يحاول اليوم الممثل الزنجى الامريكى ويل سميث الذى يعد من احد اشهر نجوم هوليوود تمثيل دور ترهاقا في اضخم عمل سينمائي يتناول الحملة العسكريه النوبيه التى قادها الملك النوبى ترهاقا لانقاذ بنى يعقوب فى اورشليم, ولاشك ان عرض فيلم ( الفرعون الاخير ) سيكتشف العالم قيمة حضارة كوش ودورها الكبير فى تاريخ البشر. لقد اثبتت كل الشواهد والاكتشافات الاخيرة ان الملوك الذين حكمو مصر كانو يحتلونها وليسوا من الاقباط وانما هم من شعب النوبه وبعد وفاة ترهاقا فإن مصر عادت بسرعة إلى حكم الاشوريين حيث جرى إعادة تقسيمها إلى عشرين ولاية ، وإعادة الحكم إلى امرائها العشرين على نفس النسق الذي تركها عليه بعنخي من قبل ، وأثبتت السنوات والأحداث فيما بعد انه النظام الأفضل لاستقرارها في ذلك الوقت على ان يكون ذلك مرهونا بعدم انفراد امير بقوة ومقدرات على نحو تجعله يشكل تهديدا لسلطات غيره من الأمراء في الولايات الأخرى . لم يك ترهاقا السودانى وحده الذى حكم مصر 750 ق.م فقد سبقه الهكسوس الذين احتلوها العام 1780 ق.م وبعدهم جاء الليبيين مصر واحتلوها ق.م 935 علي يد( شيشنق) (وتأسيس الأسرة الثانية والعشريين) ق.م671 ثم جاء العراقيين ( الآشوريين ) واحتلوها علي يد أشور اوبالت وحكموها لسنه 655 ق م ثم جاء الفرس( الاخمنيين ) علي يد كسري (خسرو بن هرمز ) وحكموها فى الفترة من 525- 405 ق م. ثم جاء الفرس ثانية يحتلون مصر علي يد( قمبيز) حتي 332 ق م ثم قام باحتلالها اليونانيين علي يد( الاسكندر الأكبر). وجاء الاحتلال البطلمي ( اليوناني ) وهو بداية عصر البطالمة علي يد ( بطليموس الأول ) 330ق.م وبعده مباشرة احتلها الرومان على يد 30ق.م (اوكتافيوس ) اما فى العصر الحديث فكان الاحتلال الفرنسى على يد نابليون بونابرت 1798م وبعده مباشرة جاء الاحتلال البريطانى 1882م والذى استمر حتى انقلال الضباط الاحرار العام 1952 ومجىء اول مواطن مصرى ليحكم مصر والمحلظ هنا انه منذ احتلال الهكسوس لمصر العام 1780ق.م وحتى ثورة جمال عبد الناصر العام 1952م كانت الشقيقة ولفترة قرنين متتابعين تحت نير الاحتلال.