في الحلقة الثالثة عن معبر إشكيد الذي تنازل السودان بقيامه عن قرانا في النتوء النوبي شمالي حلفا، وقفنا عند التغطية الصحفية الضعيفة للحدث، وقد كانت الوقفة مع المراسلين الصحفيين ..هنا تعالوا نقف مع تواطؤ صناع الرأي مع الاحتلال المصري ونتخذ يوسف عبد المنان في جريدة المجهر نموذجاً! *** هذا العنوان هو الخلاصة التي وصلت إليها بعد قراءاتي لرسالة تخصني كتبها يوسف عبد المنان صاحب العمود الراتب في جريدة (المجهر). كنت أود أن يكون العنوان (يوسف عبد المنان يبيع قضيتنا) !! ولكن خشيت أن يسألني أهلي: من هو يوسف عبد المنان هذا ليبيع أو يشتري؟ وبالفعل لا أملك رداً شافياً سوى فوضى القيم في سودان (الإنقاذ) الذي فيه بلغت نسبة الانتحار 22% ،وبلغ الإرهاق في وجدان هذا الشعب درجة بعيدة لم يعد يكترث لشيء! *** إحدى مصائب الكتابة الراتبة، أن الكاتب يضطر أحياناً لكتابة (لزوم أكل العيش) وهو تحت وطأة السأم أو الخواء الفكري نتيجة لعدم وجود قراءات راتبة تجدد عملية التفكير أو غياب المعلومة، نتيجة للتجربة الطويلة يصبح الكاتب كطاحونة هرمة أحجارها المسنونة تطحن الحجر إن لم تجد حبوباً في الوقت المناسب. ومعلوم أن (القلم) يأخذ من لحمك، إذا تعاملت معه دون استعداد. عندما لا يجد موضوعاً ينفع لإحداث إثارة صحفية مشروعة، يدخل يده في جروح القراء ويتلاعب بوجدان بعضهم لينتزع رضاء آخرين، وليرضي غروره، ثم لينفث خميرة أحقاد قديمة مترسبة من خلفيات تربوية !! هذا بالضبط هو ما قام به (يوسف عبد المنان) مع الحلفاويين وقضيتهم، ولكن قبل أن نقرأ هذه الرسالة حرفياً لحساب القاريء والوطن ، تعالوا نحاول أن نضع إطاراً (لنفسية) هذا الكاتب من خلال كتاباته. هو كاتب عمود صحفي شهير، شئنا أم أبينا له تأثيره في صناعة الرأي. من هذه الزاوية لا يجب أن نقلل من خطورة التشققات التي على (نظارته) التي يقرأ بها الأحداث. في الساحة الصحفية يلعب في خانة (الشكس المشاكس)، اقتطع لنفسه ركناً قصياً في منطقة معتمة على هامش (الحركة الإسلامية)، في مواقفه كمن يرقص على(السلم)، لا يحسون به في الحزب الحاكم (فوق) ولا يعترف به أحد (تحت) في المعارضة. نسخة معدلة من (حسين خوجلي) عنصري حتى النخاع ولكن يختبيء خلف شعارات إسلامية رافضة للعنصرية غير (العروبية)!! ولكن الفرق أن الأستاذ خوجلي ممتليء إحساساً بالعروبة، وصاحبنا (متورك أكثر من الاتراك)! ما زال متأثراً بشعارات شباب (جريدة الراية) الذين كانوا قبل ثلاثين سنة يعادون القوميات السودانية والثقافات المحلية غير العربية وعلى رأسها الثقافة النوبية. يحارب حتى الآن النوبيين دون هوادة باعتبارهم أقوى الكيانات التراثية التي حار أمامها أنصار (الحركة الإسلامية). ولكن الذي لم يستطع أن يدركه ود عبد المنان: أن أذكياء هذا التيار السياسي قد تجاوزوا هذا الغرور القديم بسبب النضج الفكري مثل الغنوشي في تونس أو بسبب فشل التجربة السياسية الإسلامية في السودان!! لا أعتقد أن أحداً يحمل ذرة من العقل من أنصار (الإنقاذ) سيصفق له حين يعلن بصريح العبارة (على الحلفاويين أن يحرروا أرضهم لوحدهم ولا يهمنا أمرهم)،رغم أنهم هم الحكومة العسكرية الثانية التي تبيع حلفا ! *** قبل أن نقرأ نص الرسالة دعوني أقدم لكم دليلاً واحداً تركه في ذاكرتنا منذ ست سنوات ، لأبين ما اقصده بثقافة العنصريين الإسلاميين التي توجه رؤيته. في عدد الجمعة (آخر لحظة) يوم 18/4/2008م. كتب يقول محرضاً الحكومة على جماهير كجبار في المحس التي رفضت السد الآتي ..(لماذا تجهد الحكومة نفسها وتهدر مالها ووقتها في إقناع مجموعة صغيرة جدًا من المناهضين لقيام السد قي كجبار .. ؟ولماذا لا تنصرف عنهم وتوجه طاقتها ومالها لمنطقة الدويم ببحر أبيض، لقيام سد يحيل المنطقة الممتدة من كوستي حتى المناقل لسنابل قمح..؟ وبحر أبيض خالية من الشيوعية لأنها منطقة أنصارية الماضي وإسلامية الحاضر والمستقبل ورهان المؤتمر الوطني على منطقة كجبار كرهان الشعبي على الناخبين في جنوب السودان ).