أيها الأحبة الأحباب.. وبالأمس حدثتكم عن فرحي وزهوي وعربدتي وأنا ضيف أتقلب على كفوف الراحة.. وأستلقي على مخدات الترف في صالون الأنيق البديع السفير أبوبكر عثمان محمد صالح ووجبة دسمة مترفة و«تحلية» مدهشة وكوب شاي منعنع كانت كلها تحت عنوان كتاب اليوم يا أحبة وقبل أن أتلو لكم صفحات الكتاب صفحة.. صفحة.. وقبل أن «أباري» سعادة السفير حلاً وترحالاً وهو يحمل الوطن على ظهره حقيقةً ومجازًا.. معنى ومبنى.. فكرةً وحساً.. يحمل الوطن كل الوطن يطوف به عاصمة.. عاصمة.. ويحمله حساً وعلم الوطن الجميل أبدًا فوق رأسه.. يحكي نبل أمة وتاريخ شعب.. وأمام المنضدة لافتة تحمل اسم السودان العظيم.. قبل كل ذلك ولأن الأمر أمر تاريخ وطن دعوني أشطر عمر السودان وهو على عتبات القرن الحادي والعشرين الى شطرين.. خمسون أو كم وخمسين سنة كانت البلاد بأسرها تحت ظل الحكم الاستعماري الذي توكأ على عصاه ورحل عام 1956م. ثم حكم وطني امتد من ذاك التاريخ وحتى يوم الناس هذا.. وذلك يعني ببساطة وفي عملية حسابية يسيرة وسهلة إن قرناً من الزمان انسلخ من عمر الوطن نصفه كان في ظلال حكم استعماري والنصف الآخر تحت حكم وطني.. لايهم إن كان ديمقراطياً أو عسكرياً أو شمولياً.. ولأن كل صفحات كتاب سعادة السفير أبو بكر تتحدث فقط عن فترة الحكم الوطني.. وذاك الابهار الذي انطلق من أركان وطن جميل بل كان جميلاً بهياً مشرقاً ووضيئاً لأننا سوف نتوقف طويلاً في محطات تضج بالابداع والابهار والجمال.. قبل ذلك ارجو أن تمنحوني إذناً بالتطواف مسرعاً على النصف الأول من عمر الوطن وهو تحت ظل الحكم الاستعماري. والحكم الاستعماري بدأ قبل أن تغرب شمس يوم في العام 1898م بعد أن انتصر الجيش الغازي على المقاتلين في كرري شمال أم درمان وأبدأ بالسؤال: بل دعوني أصدمكم بالسؤال.. هل ظلم الاستعمار السودان؟.. هل نهب الاستعمار ثروات وأموال السودان؟ هل انتهك أفراد وقادة وحكام الاستعمار حرمات الوطن؟.. هل «غرفوا» كل أموال الوطن وأرسلوها بالباخرات والقطارات الى خزائن لندن عاصمة الامبراطورية التي كانت لا تغرب عنها الشمس .. وهل أحجم الانجليز عن إقامة أي مشروع على أرض الوطن؟.. قبل الاجابة عن هذه الأسئلة ثم الانطلاق منها- أي من حكم الاستعمار الى فترات عهد الحكم الوطني حيث يصطحبنا السفير أبو بكر عبر كتابه الرهيب والرفيع.. في بلاط الدبلوماسية والسلطة.. اقول إن التاريخ لا يكذب ولا يتجمل.. وان التاريخ لا يغفو ولا ينام.. وإن أشد الوقائع مرارة بل حنظلاً لن تلغي وجودها مطلقاً.. ولأنني أنوي التجول في غابة يربض فيها الشيطان.. وأبحر في بحر يعج بالمفترس من الحيتان.. وأسبح عامدًا في الأمازون الذي تستعمره التماسيح ولأنني أدرك ذلك أرجو من المزايدين باسم الوطن والهتيفة باسم الوطن والمانحين لصكوك الوطنية والموزعون لصحائف التخوين أقول اني لا أرى في كل هذا الوطن من يسبقني وطنية.. أحمل ارثاً حافلاً وأمتلك كتاباً باهرًا في الانتماء الحديدي للوطن.. ومن يملك سيرتي الذاتية فقد امتلك فؤاد الوطن.. جدي لوالدي حصدته مدافع السردار وهو يدافع عن الوطن في كرري.. لا أعرف إن كان له قبر أو هو من لون النهر الذي طفح بالدماء القانية أو هو جمجمة تلعب فيها الريح أسفل جبل كرري.. ثم والدي الذي اشترك في معركة حوادث أول مارس 1954 هاتفاً ومقاتلاً ليسمع «نجيب» و«روبرت هاو» الاستقلال والسودان للسودانيين أما أنا ولله الحمد فقد كنت وسط التظاهرة التي قذفت الملكة اليزابيث بالطماطم والبيض الفاسد في قلب الخرطوم.