يا لهول.. الحياة.. يا كثافة.. السواد.. يا لفزع حلوكة الظلام.. ومالحة الكلمات في فمي.. حزين أنا حدّ الفجيعة.. يا منوّر.. لماذا تغادرنا خلسة.. لماذا تنسحب من حياتنا.. كما يتسرّب الماء من الغرابيل.. لماذا إذن كنت وقبل أيام.. بل ساعات من رحيلك الفاجع المروّع.. تمازحنا وتضحكنا.. و (تعزمنا) على العشاء المستديم في دارك الوارفة الظلال.. التي تتفجّر أبداً ينابيع من كرم.. ودفء ومودة.. لماذا لم توفِ بعهدك لنا.. ونحن نتأهّب.. بل نستدني اليوم.. اقتراباً.. هل.. كنت تودعنا.. أو تفجعنا.. أو تدمينا.. أو تبكينا.. وقد كنت أبداً.. الابتسامة عندما يتجهّم الكون بالعبوس.. وقد كنت النسمة عندما تشوي الشمس الأرض بحرّ الهجير.. وقد كنت السند والعضد.. والملاذ عندما يعزّ الصديق، ويختفي الرفيق.. لماذا.. يا منوّر.. يا فيضاً.. دافقاً.. من مروءة.. وشهامة.. ورجالة وابتسامة.. وفضل. أحبّتي.. عذراً ومعذرة.. إذا تدفّقت دموعي.. وانفجرت.. ضلوعي.. بالبكاء والنحيب، وأنا أودّع صديقاً.. نعم، إنه حزن خاص.. وشأن خاصّ.. و(بكاء) خاص.. وفقد خاص.. ورحيل خاص.. لو كان فقط صديقي.. ولكن الأمر مختلف جداً.. إذا كان الصديق هو منور.. هو.. ملك عام.. لكل.. فرد عرف منوّر.. والآن عذراً.. صديقي.. وأنا أنتهك.. خصوصياتك.. التي كم حذّرتني.. من البوح.. بها.. لا يا صديقي.. أنا في حلّ من وعد.. أبرمته معك.. فأنت الآن، وبإذن الواحد الأحد.. في طلح منضود، وظل ممدود.. في فراديس الجنان.. وتجري من تحتك الأنهار.. جزاءً.. لما كانت أياديك البيضاء.. تفتح نوافذ من لا تعرف.. من فقراء بلادي.. عندما كنت الأمل.. في وجوه من انسدّ في أمام عيونهم.. كل طريق.. كنت الفرح الذي يضج في بيوت طينية متهالكة.. لا تعرف من ساكنيها.. اسماً ولا قرباً.. إلاّ وشيجة الإنسانيّة، التي كانت تفيض من جنباتك وتتدفّق.. يا لفداحة فقدي فيك يا منوّر.. إذاً.. بالله كلّمني.. أخبرني.. حدثني.. فأنا ما زلت.. منتظراً.. كلمات هامسة منك.. أستغفر الله العظيم.. نعم إنّ الموت حقّ.. ولكن.. فليكن عزائي.. هول الصدمة.. وفداحة النازلة.. إذا كنت أنا كذلك.. بالله كيف يكون حال الذين كنت.. محور حياتهم.. ودولاب.. حركاتهم من صلات الدم والقربى.. إذا كنت أنا كذلك.. كيف يكون.. حال.. أصدقائك الأحبّاء.. الذين ما طربوا.. وفرحوا.. و(تونسوا).. إلا وأنت.. ريحانة مجالسهم، وفاكهة بستانهم.. وروضة جنانهم.. ورذاذ.. أمطارهم.. والله يا منور.. لست أدري كيف تستقيم الحياة.. بل كيف يواصل.. معتصم.. ومصطفى وحاتم.. وعمار.. مشوار الحياة.. وأنت.. تصعد إلى أعلى حتى من دون وداع.. وما زلت في حيرة من أمري.. كيف.. تطيب.. الأيّام.. لنا.. وحتى مولانا حيدر.. مكمن الثبات، وركن مظانّ الوقار.. قد تحدرت الدموع.. من عينيه.. كشلالات نهر عربيد مجنون.. دعك يا منور منا.. كيف هو حال جيرانك.. الذين كم سعدوا.. بهبة الله الغالية وأنت لهم جار. صديقي.. أنا في حلّ من وعدي لك.. وتاللّه.. إنك ممّن قال فيهم الحديث النبوي الشريف: رجل تصدق بصدقة.. فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.. صديقي وحبيبي.. وأخي.. أنا في حلّ من وعدي لك.. وتاللّه.. إنّك تجسد حديث النبي المعصوم.. تقتفي آثاره الطاهرة.. وهو يقول.. أنا وكافل اليتيم.. كهاتين في الجنة.. فأنت.. مع اليتامى.. أكرر.. وأعنى.. اليتامي.. في الجنة.. بإذن الفرد الصمد.. نعم رحمة الله واسعة.. وأقدار الله نافذة.. ولكني في هلع.. وخوف.. ووجل.. وسؤال.. يجلجل في رأسي.. من لليتامى.. الذين كنت تكفلهم.. وأتذكّر.. كيف كنت تتحاشى.. كلّ حديث لي عن ذلك.. كنت فقط تضحك.. في عذوبة.. منتقلاً بي.. إلى شان آخر.. حتى لا أخدش تلك الوردة البضة.. التي انبعثت من بين حنايا.. غصونك الوارفة. يا منوّر.. كم تبدو الحياة موحشة.. رتيبة مليئة.. يا خير من عرفتهم من النبلاء.. وداعاً.. صديقي.. ولن أذكرك لحظة.. لأنّي لن أنساك لمحة.