{ عبارة شهيرة ومتداولة في كل دواوين الخدمة العامة.. وإذا كان لك حاجة في أحدها، فما عليك إلا أن توطِّن نفسك على التعامل مع مثل هذه العبارة وتضع في الحسبان أنك ستمضي عليك يومان أو ثلاثة من السعي الدؤوب وراء إجراء معاملتك المأمولة بعد أن تستهلك مالك ووقتك وربما كرامتك!. { والمحزن أنك أثناء انتظارك هذا ستلاحظ حجم الوقت المُهدر في هذه المواقع في تفاصيل غير ضرورية يمكن تلافيها بقليل من التفاني ووضع الضمير في الحسبان والإخلاص في العمل الذي يؤخذ عليه الموظف أجره الذي يُصرِّف به شؤون حياته، وحبذا لو جعل كل واحد من العاملين في الخدمة المدنية نفسه في مكان طالب الخدمة فلربما أصبح أكثر ترفُّقاً ومراعاةً للظروف مع بعض البشاشه والكياسة. { والملاحظ أن كافة القوانين والضوابط التي وُضعت تباعاً على مر السنين لم تُفلح في أن تُلزم دواوين الخدمة العامة بشكل منضبط في التعامل مع المواطنين، ولازالت الخروقات غير الحضارية وغير الإنسانية حاصلة.. ولازال الموظف يتحجج بوجبة الإفطار ليغيب عن موقعه لساعتين أو أكثر، ولا يلبث أن يعود متراخياً حتى يتحجج من جديد بالغياب لأداء صلاة الظهر التي أصبحت للأسف ذريعة للتسيُّب، ولا يمكنك كصاحب حق الاحتجاج عليها أو التنديد بها، إنهم ببساطة يستغلون إيمانياتنا لتضييع حقوقنا. { والطريف في الأمر، أنهم لم يكتفوا بكل ما تقدم ولكنهم أيضاً يهرعون لأداء واجباتهم الاجتماعية وتصريف أمورهم الشخصية أثناء ساعات الدوام، حتى أصبح من المعتاد أن تقابلهم زرافات ووحدانا وهم في طريقهم لأداء واجب عزاء في وفاة أحد أقرباء زميل أو زميلة، مستغلين عربة المصلحة وأنت الذي أتيت تسعى لاهثاً لتلحق بهم مبكراً!! أوليس الحي أبقى من الميت أو لا يستطيعون صبراً حتى ينتهي دوام العمل الرسمي ومن ثم يذهبون إلى حيث يشاءون؟ وأحياناً قد تكون (المواجبة) في (سماية) أو زواج أو دعوة للغداء وأحياناً يبرح أحدهم مكانه دون توفير بديل ليذهب في مشوار خاص يقضي فيه بعض شأنه، لتأتي أنت (يا مسكين) وتجد المكاتب خاوية على عروشها، وليس أمامك سوى أن تدعو عليه بأن يلاقي ذات الذي تلاقيه منه حيث ذهب والدعوة على مثل هذا الموظف جائزة لا ضير فيها. { إذن.. كيف السبيل لترقية الخدمة المدينة ولا تُستثنى الخاصة أيضاً.. كيف السبيل لتطبيق كل آمال وطموحات السيد الوزير كمال عبداللطيف وزير التنمية البشرية الذي جعل شعار وزارته الوليدة منذ اليوم الأول (حان وقت التغيير) وكيف يُغيِّر الله ما بقوم ما لم يغيروا ما بأنفسهم؟ إن من ابتلاه ربي بالتواكُل واللامبالاة والاستهتار لن تجدي معه كل قوانين الردع والجزاءات ولوائح الانضباط والمحاسبة. إننا في حاجة ماسة لثورة لإيقاظ الضمائر من سُباتها، ولا أعلم هل الرتابة في بيئة العمل هي السبب وراء التسويف والبطء والاستياء وحتى (صرّة الوش) التي يتميز بها غالبية الموظفين، أم أن السبب يكمن في ضعف الرواتب وتكالب هموم المعيشة وغلاء الأسعار؟ ولو سلمنا بأن هذا وذاك يشكلان معاناة الموظف، فهل يكون هذا مبرراً كافياً للموظف ليُفرغ كبته وهمومه وضيقه في هذا المواطن المغلوب على أمره مثله تماماً إن لم يكن أكثر؟! ولماذا علينا أن نحتمل كل هذا الصلف والغرور، وتجدنا (نتراشق) مستميتين في محاولة إرضاء هذا الذي لدينا عنده حاجة ونناديه يا سيدي مُهدرين كرامتنا وليته يرضى عنا ويستلطفنا ويمرر معاملتنا بسلام، بل أن الأمر يذهب أبعد من هذا إلى حيث باتت سياسة (الإكراميات) التي تُعرف شرعياً بالرشوة ولكننا نحاول تجميلها باتت واقعاً معترفاً به ومقبولاً ومُعلناً دون استحياء أو خوف، وأحياناً يكون الاتفاق صريحاً ومؤمّناً عليه من الطرفين لنُساهم بدورنا في المزيد من تردي الخدمة المدنية لأن كل منا يفكر في ذاته ولا ينظر أبعد من تحت قدميه، وكل القيم الأصيلة حولنا تتهاوى ونحن نُكذّب الحقائق وندعي أننا لازلنا أهل الشهامة والمروة والنُّبل لنكون مثل الذي اخترع الكذبة ثم صدقها.. وعجبي!. تلويح: لن تُصلِح (التنمية البشرية) ما أفسده الدهر وليتها تفعل.