المهندس إبراهيم محمود مادبو ذو الخبرة الواسعة في فن التفاوض وتكتيكاته قال في حوار له مع هذه الصحيفة نُشر بالأمس إن وفدنا المفاوض ليس له سقوفات عليا وإنه يقدم التنازلات فقط، وإن وفد دولة الجنوب يتكون من «صقور» أمثال باقان ودينق ألور، وأن ما نراه هو صقور يجلسون مع «حمائم» !!. و نقول للباشمهندس مادبو لقد صدقت وأصبت كبد الحقيقة وما قلته هو ما يهمس ويجهر به الشارع الآن، هذا الشارع الذي خرج في تلك الجمعة المباركة يوم تحرير هجليج دعماً للحكومة وسنداً لها وتعبيراً منه بأن ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، ولكن ما عسى هذا الشارع أن يفعل وقد تم تجاهله وتغييبه بإعادة إرسال الحمائم مرة أخرى لمنازلة الصقور، وقد صوّر بالأمس المبدع دوماً الكاريكاتيريست «فارس» في «آخر لحظة» المشهد في لوحة فنية لخص فيها عشرات المقالات كان يمكن أن تكتب، فقد رسم بفرشاته وفدنا المفاوض وهو يسير نحو أديس أبابا يجرجر خطاه وتبدو عليه سيماء التعب والإرهاق ويتوكأ على العصي وعلى الوجوه ضمادات وعلى الأيدي والأرجل لفافات الجبص!!! - لأنصار رفع الدعم عن المحروقات وعلى رأسهم وزير المالية الذي يفتأ يذكر ذلك آناء الليل وأطراف النهار حتى أشفقنا عليه أن يكون حرضاً أو يكون من الهالكين ولا يدع مناسبة إلا وذكّر الناس بهذا الحل الحتمي حتى أصبح «لازمة» تجري على لسانه بمناسبة وبدون مناسبة أحياناً، لهذا الوزير ولأنصار رفع الدعم نهدي إليهم ما نبّه إليه الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي «السوداني» نعم الحزب الشيوعي السوداني وليس الصيني في هذا الخصوص، فقد أشار إلى «خطورة» رفع الدعم عن المحروقات وقال إن ذلك يعد عاملاً إضافياً «للإسراع باندلاع» ثورة الشعب!!! وهذا التصريح من الشيوعي جد عجيب ومثير للدهشة لذلك نهديه للوزير وثلة من الحزب الحاكم الذين ينادون برفع الدعم عن المحروقات والذين ينبغي أن يكونوا اكثر حرصاً من غيرهم على تفادي كل ما يؤدي إلى «اندلاع» ثورة شعبية، فها هو الحزب الشيوعي السوداني العدو اللدود للحزب الحاكم والذي ظل طوال كل تلك السنوات يعمل بدأب من أجل إسقاط النظام بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، ها هو «يشفق» أكثر من أهل «الجلد والراس» على الحكومة من خطر ثورة شعبية تطيح بها!!! - خطوة تكتيكية ماكرة أقدم عليها النظام في جوبا، نرجو ألا تفوت على الحكومة فتفرح بها وتعدّها ضمن «إشارات حسن النوايا» من قبل جوبا، فتقابلها بأحسن منها كما عهدناها سباقة إلى الكرم والعطاء بلا من ولا أذى ودون انتظار الجزاء والشكر ودون أخذ مقابل. الخطوة الماكرة جاءت فيما حملته صحف الأمس من أن حكومة الجنوب وجهت قادة ما يسمى بالجبهة الثورية بالخروج من الحدود إلى داخل دارفور، وليس ذلك فحسب بل حددت لقوات الجبهة مناطق الارتكاز في جبل مرة وشمال وادي هور، والمكر السيء يتبدى هنا في أن جوبا تريد أن تبيع هذا الموقف إلى السودان وإلى الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة باعتباره بادرة حسن نوايا منها تقتضي مقابلاً من الجانب الآخر، وفي نفس الوقت فجوبا لن تخسر شيئاً إذا انهارت مفاوضات أديس ابابا فالجبهة الثورية دمية في يديها تحركها أنّى شاءت ولا تستطيع الجبهة الاستغناء عن دعم جوبا ومن ورائها الدوائر الصهيوصليبية، لذلك على الحكومة وعلى مفاوضينا «الأفذاذ» ألا يبالوا قط بهذه الخطوة الماكرة فهؤلاء القابضون على مقود القيادة في جوبا لا ينبغي الوثوق فيهم ولا في وعودهم وهم أبعد ما يكونون عن حسن النوايا والصدق وقد جربناهم من قبل وما غدرهم في هجليج ببعيد!!! - قرأت خبراً كان قاسماً مشتركاً لأخبار صحف الأمس، يقول الخبر: السجن «15» عاماً لمهربي ذرة لدولة الجنوب، قلت في نفسي لو ان هذا الخبر جاء قبل تلاحق وتطور الأحداث على صعيد علاقات السودان مع جنوب السودان والتي أفضت إلى إعادة الانتشار «اسم الدلع» للانسحاب من منطقة أبيي وذهاب وفد التفاوض «أللِّيلْنا» إلى أديس أبابا بتفويض كامل وقلب وعقل مفتوح واستئناف التفاوض هناك مع وفد دولة جنوب السودان وإعلان الخرطوم استعدادها لفتح صفحة جديدة مع جوبا، قلت لو أن هذا الخبر جاء قبل هذه التطورات لكان أوقع في النفس وأقرب إلى إنتاج الأثر المطلوب والمرتجى من ورائه، وتساءلت كيف سيكون حال هؤلاء المحكومين عندما يصبح اتفاق الحريات الاربع واقعاً يمشي على الأرض فتنفتح الحدود بين البلدين أمام الكل ويصبح انتقال السلع والبضائع والشجر والدواب وكثير من الناس هو الأصل، وحين يصير في القريب العاجل التهريب الحالي تجارة مشروعة تشجعها الدولة وحين تعطي الدولة الجنوبية الميزة التفضيلية في كل شيء تدعيماً ل «أواصر» الصلة و«وشائج» القربى ومنعاً لمعاناة شعبي البلدين بسبب الصراع والاحتراب!! - الكذب من أبشع الخصال بل هو أبشعها على الإطلاق والرسول صلى الله عليه وسلم نفى الإيمان عن الكذاب، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً. والكذاب مصيبته أنه يقرّب لك البعيد، ويبعد عنك القريب، والكذاب تجتمع عنده كل الصفات الأخرى السيئة فالكذب يهدي إلى الفجور وهو اول خصلة وأول وصف من أوصاف المنافق وهو يجمع باقي الصفات الأخرى فإذا أوتمن خان وإذا وعد أخلف، والرجل الكذاب يقول ما لا يفعل وهو من أمقت الصفات إلى الله، فحينما يكذب الرجل على أبنائه فلا تنتظر منهم خيراً وإذا كذب المعلم على تلاميذه فلا ترتجي منهم خيراً، وإذا كذب التاجر على زبائنه فذلك هو التطفيف وهكذا.. أما إذا كذب السادة والكبراء قومهم فتلك هي الطامة!!