ما حدث في مطار الخرطوم مساء الخميس يستحق وقفة طويلة ومساءلة حاسمة، لمعرفة كيف حدث ما حدث، من اقتحام المطار ووصول آلاف الشباب من الصبيان والصبايا الصغار إلى مدْرَجه لأول مرة في تاريخ البلاد بحجة استقبال جثمان الفنان محمود عبد العزيز رحمه الله والمشاركة في تشييعه. توقفت الرحلات الجوية وتعطلت حركة الطيران وحدث حرج بالغ في ملابسات هبوط طائرة الرئيس البنيني الزائر، وتعثر هبوط طائرات تقل وفوداً رسمية ولم تتمكن طائرات الخطوط العالمية وهي ترتبط بمواعيد دقيقة الوصول لمدرَج المطار، فعادت أدراجها أو حولت لمطارات أخرى متكبدة خسائر فادحة وضياع وقت ثمين لا يعوّض بثمن. الإجراءات المتبعة لحماية وتأمين المطار وتوقع حالات انفلات من جموع الفتيان والشباب، هي واجب القوات المنوط بها هذا العمل خاصة الشرطة والقوى الأمنية الأخرى، وواضح أنه لم تكن هناك خطة موضوعة أصلاً لتدارك هذا الحدث، ويبدو أنه لم يكن هناك تنسيق مسبق بين إدارة مطار الخرطوم والجهات الأمنية ذات الصلة، ولم تتم عملية تأمين محكمة للمداخل والمخارج بوابات الدخول للمطار، الأمر الذي أدى لوصول الآلاف إلى مدرج المطار وحدوث فوضى لا حد لها كادت تؤدي لكارثة لولا لطف الله، ثم التدخل المتأخر لقوات الشرطة. وينبغي التفكير بجدية في عملية تأمين المنشآت والمرافق العامة والمطارات، لأن اقتحام مطار الخرطوم بهذه الكيفية التي حدثت أمس الأول ومعرفة مواطن الخطأ والتقصير ومحاسبة من تسبب في هذا الاختلال الخطير.. وأول ما يستحق الوقوف في تدابيره حول التخطيط السليم المبني على توقع أسوأ التوقعات في أي حدث كبير قبل أن يقع.. ما حدث فضيحة بكل المقاييس للضوابط والإجراءات الأمنية بالمطار وتزعزع الثقة في التحوطات الموضوعة فيه، وفضيحة أكبر للحكومة والمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية التي قضت «23» عاماً من الحكم ولم تستطع ملء فراغ الشباب وتطوير سلوكهم وترقية اهتماماتهم ،الفراغ القاتل هو سبب التعلُّق الطائش والأعمى بنجوم الفن، وجنون التعبير عن الحزن والانفلات في العواطف إلى هذه الدرجة الهستيرية الغريبة التي لم تكن مألوفة في السودان.. ومثل هذه الظواهر انتهت في عالم اليوم ومرت بها شعوب قبلنا لكن تجاوزتها بسبب الوعي بالقضايا الحقيقية للمجتمعات وهمومها، في وفاة عبد الحليم حافظ في مصر عام 1977م حدث هذا النوع من التفلُّت وحالات الحزن الهستيري وحدث مثله في مناطق كثيرة في العالم في وفاة ملك الريغي بوب مارلي، لكن لم تصل الأمور إلى ما وصلت إليه أول من أمس عندنا. أين هي وزارات الشباب والإرشاد والثقافة والإعلام والرعاية الاجتماعية واتحادات وأمانات الشباب وكل الجهات التي تعمل على صيانة شبابنا وتحصينهم؟؟؟ ألا يوجد من يتلفت لهذه الظاهرة؟؟ فهي تنذر بما هو أخطر وأجل وأكبر ... فلننتبه قبل فوات الأوان! لكل دولة حربها.. القوى الغربية تنطلق من قاعدة وأهداف ومطامع واحدة لا تتغير، فلكل دولة حربها والتقليعة الجيدة منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، وانتهاء الحرب الباردة، وبعد تدشين الحرب على الإرهاب التي استنها الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، صار لكل دولة غربية حربها التي تبدأها بحجة مكافحة الإرهاب، ثم تشاركها الأخريات .. بدأتها الولاياتالمتحدةبأفغانستان ثم العراق، وحاولتها بريطانيا وسعت لتسخين حرب لها في عدة مناطق إفريقية وفشلت مثل زيمبابوي، وجاء الدور على فرنسا التي بدأت حربها في جمهورية مالي مستعمرتها السابقة.. والغريب أن كل الدول التي تهب عليها رياح الحرب القاسية هي دول إسلامية وشعوبها مسلمة.. والحجج واحدة هي مكافحة الإرهاب والعملاء هم ذاتهم لا يتغيرون بل تتغير الأسماء والأشكال. حرب الرئيس هولاند الذي جاء تحت عباءة الاشتراكيين الفرنسيين، هو الوجه الأشد التصاقاً بالتوجهات الإمبريالية الأمريكية وخدمة أهداف التيارات المحافظة في الغرب.. لاك شعارات انتخابية لزجة وزار الدول الفرانكفونية في غرب إفريقيا، لكنه في النهاية غاص في وحل الحرب.. لأنها ببساطة ضد المجموعات التي مهما اختلفنا معها فهي ترفع شعارات إسلامية ولديها توجهات حضارية تريد إعادة مالي إلى حضن تاريخها الإسلامي الناصع، لا تخوض باريس حربها التي تؤازرها فيها حليفاتها الغربيات من أجل وحدة التراب المالي ولا الشرعية الدستورية فيه، إنما فقط الإحساس بخطورة الشعار الإسلامي الذي كان يشع لقرون طويلة قبل الحقبة الاستعمارية على كل إفريقيا جنوب الصحراء. هذه الحرب الفرنسية ستكون مأزقاً ووحلاً مثل مستنقع الحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق. وستزيد من الكراهية لفرنسا في إفريقيا والعالم الإسلامي وسيكون لها تداعيات غير محمودة العواقب عليها... كما حدث أمس في مدينة ليون الفرنسية التي توقفت فيها حركة قطارات المترو بعد ورود تهديدات بوجود قنبلة.. هذا الأجواء تفرِّخ العديد من العدائيات وتجعل فرنسا تواجه خطر الإرهاب لانغماسها في ما لا يعنيها واكتسابها عداوات لم تكن في حاجة إليها. ولهفي على مالي وعلى مدينتها التاريخية «تمبكتو» مهد العلم والفقه والعلوم الإسلامية في وسط وغرب إفريقيا!.. وما نعرفه أيضاً أن مالي عندما استقلت عن فرنسا كانت تريد تسمية نفسها السودان ..!!وظلت تسمى السودان الفرنسي حتى وقت قريب. القرض الصيني أجاز مجلس الوزراء في جلسته أول من أمس، اتفاقية القرض الصيني البالغ ملياراً ونصف المليار دولار، مع بنك التنمية الصيني، ويسدد على مدى خمس سنوات، بعد فترة سماح تمتد لخمسة أعوام، وظلت المباحثات جارية منذ فترة بين البلدين لإقرار هذا القرض، وكانت زيارة الرئيس البشير في العام 2011م تتويجاً لمرحلة من التعاون البنّاء بين البلدين في إطار علاقاتهما المتميزة الممتدة لعقود طويلة والسودان شريك أساسي للصين في إفريقيا. وقدمت الصين عدداً من القروض للسودان في الفترة الماضية وهي أكبر مستثمر في مجالات النفط والذهب والتعدين والطرق والبنى التحتية في البلاد، وتتعامل عدة بنوك ومؤسسات تمويلية رسمية صينية مع السودان في مختلف المجالات ويؤمل أن تؤدي هذه القروض خاصة القرض الأخير في إقالة عثرة الاقتصاد السوداني ومعالجة أدواءه أو التخفيف منها، ومن المفترض أن تستفيد قطاعات التنمية من هذا القرض الذي ستنعكس آثاره في الوضع الاقتصادي بوجه عام ومزيدًا من التوفيق. عرفات وجنون الجغرافيا.. ليس هناك ما هو أمتع في عالم الكتابة، مثل السير الذاتية أو المذكرات أو راصدات الوقائع، التي تخطها أقلام القيادات السياسية، ولأننا هنا في السودان نعاني من أزمة الصمت والذاكرة المثقوبة للسياسيين وتاريخهم الصامت المنسي، فإن متعة خاصة نفتقدها، لكننا نجدها عند الآخرين شرقاً وغرباً من العالم الفسيح. قبل أيام قلائل، أعلن القيادي والسياسي الفلسطيني، عضو المكتب المركزي لحركة فتح والوزير السابق، نبيل عمرو، عن كتاب طال انتظاره بعنوان: «ياسر عرفات وجنون الجغرافيا» وهو سيرة ذاتية لعرفات السياسي والقيادي بعيون أحد أقرب معاونيه. ما يهم في الكتاب تعلُّق عرفات بالجغرافيا وكيف هي نقطة حياته المركزية، كان الزعيم الفلسطيني الراحل متعلقاً بالجغرافيا سواءً كانت وطنه الذي يحلم بالعودة إليه أو البلاد العربية التي عاش فيها أو تنقلاته في العالم الفسيح بحثاً عن مكان يعمل ويناضل منه أو في النهاية قطعة صغيرة من وطنه يعيش عليها ويحكم منها في رام الله. الكتاب ممتع للغاية، فيه سرد دقيق لكاتب يعرف حرفة اقتياد اليراع واصطياد المفردات والتعابير.. من يقرأه يعرف عرفات عن قرب وفلسفة الأرض والتراب وجنون الجغرافيا.!!