التعاون كقيمة اجتماعية ظل يمثل مكوناً أساسياً من مكوِّنات الشخصية السودانية مما انعكس على طبيعة الشعب في أمثاله التي عرفت الفزع والختة والشوبش والنفير والتكافل فوجدت الفكرة قبولاً شعبياً متنامياً فقد اعتبر الكثيرون البرنامج الذي قادته حكومة ولاية القضارف خلال الفترة الماضية لتخفيف حدة ارتفاع الأسعار جنون نيرانها اللاهب ورفع المعاناة عن كاهل المواطن الخطوة الأكثر توفيقاً لارتباطها بالمعاناة اليومية التي تواجه كل فئات المجتمع، وكانت محصلة تلك الجهود التي أسهمت فيها وزارة المالية والاتحاد التعاوني بالولاية عبر برنامج تخفيف أعباء المعيشة في تصدي التجربة لعوامل الجشع واحتكار السلع الاستهلاكية فقد بدأت الولاية تجربتها منذ مارس الماضي عبر لجنة تحت إشراف وزير المالية، معتصم هارون عبرالإدارة العامة للاقتصاد والاتحاد التعاوني وممثلين لاتحادات الرعاة والعمال والمزارعين بالإضافة إلى منسق اللجان الشعبية ببلدية القضارف مما أعطى التجربة بُعدها الشعبي الحقيقي وتجربة تخفيف أعباء المعيشة التي قادتها القضارف وحسب خطة اللجنة تمضي وفق برنامج تم الإعداد له عبر مراكز توزيع منتشرة بكافة محليات الولاية بلغت في مجملها «156» مركزاً وجمعية تعاونية توزع فيها السلع الاستهلاكية بأسعار معقولة وقد خلقت التجربة نوعاً من توازن الأسعار في السوق المحلي وأعطت المستهلك مؤشراً حقيقياً لأسعار السلع أسهم ذلك في نشر الوعي والثقافة الاستهلاكية وشكَّلت التجربة قراءة حقيقية لحركة السلع من حيث النوعية والطلب، وقال وزير المالية والاقتصاد والقوى العاملة بولاية القضارف معتصم هارون موسى ل«الإنتباهة» إن وزارته وإيمانًا منها بالدور المتعاظم في المحافظة على توازن أسعار السلع الاستهلاكية والسوق المحلي في ظل وجود سياسة التحرير الاقتصادي فقد أشركت في التجربة الاتحاد التعاوني لكي تستمد التجربة بُعدها الشعبي باعتبار أن الاتحاد التعاوني مؤسسة شعبية تقدم خدماتها للمواطنين ولا تسعى للربحية إضافة إلى وجود التنظيم القانوني والبناء المؤسسي والهياكل الإدارية للاتحاد على مستوى الولاية والمحلية والوحدات الإدارية والأحياء، مشيراً إلى أن الوزارة تعمل عبر منظومة أخرى لتحقيق التوازن الاقتصادي في الحركة التعاونية عبر الجمعيات الزراعية النسوية التي أعطتها حكومة الولاية أولوية قصوى لتشجيع ذلك القطاع العريض على الإنتاج وأشار موسى إلى أن العمل يحتاج إلى جدية وعزائم أكبر بوضع سياسات تكون هي الهم الأول للمموِّلين والمنفِّذين والمستفيدين مع تمكين أجهزة المتابعة والرقابة ولكن تظل مافيا السكر هي الخنجر المسموم في هذه المعادلة مشيرًا إلى أن شركات تعبئة السكر تتلاعب في الحصص المخصصة للولايات وتتعمد تسريب السكر بالأوزان القديمة بجانب اتهامه لبعض الجهات في الخرطوم لم يسمِّها باحتكار السلعة الأمر الذي أسهم بصورة سالبة في غلاء السلعة واختفائها فضلاً عن سوء الإدارة في توزيعها، وقال إن سيناريو اختفاء السلعة بات مكرراً سنوياً مما جعله مسخاً مشوهاً ودليل قاطعًا على التخبط وسوء إدارة التوزيع، قاطعاً بالقول إن هناك وفرة في السلعة ومع ذلك لا تصل للمواطن ولا تغطي الندرة المصطنعة والمفتعلة من بعض الجهات، وتابع هارون أن حصة القضارف مع قلتها ومحدوديتها لا تصل للولاية في وقتها مما يخلق فجوة في الحصول عليها على الرغم من تميز الولاية على رصيفاتها بحسبان أنها ولاية زراعية يقصدها العمال من كل الولايات ودول الجوار، وتابع هارون أن حصة الولاية لا تتجاوز ألفي طن في الشهر غير أنها لا تكفي حاجة المواطن ولا تتناسب مع الكثافة السكانية للولاية في الوقت الذي تستلم فيه بعض الولايات ذات الحصة في يوم واحد لغياب العدالة في التوزيع، ولم يخفِ وزير مالية القضارف استياءه من الأمر بقوله: لقد تركنا أعمالنا وأصبحنا نركض وراء توفير حصة السكر، كاشفاً في الوقت نفسه عن لقاءات مع شركة السكر لحل الأزمة التي لم تراوح مكانها، مبدياً امتعاضه من ضعف الرقابة على السلعة على كل المستويات، مطالباً الجهات ذات الصلة بالمركز بالتدخل السريع ووقف من وصفهم بالمستنفعين من الأمر، مؤكداً أن التجربة بالقضارف أسهمت بشكل واضح في التقليل من الضغط على المواطن في توفير السلع الأساسية، وأوضح أن الحركة التعاونية بالولاية كان لها قصب السبق في هذا المنحى لما لها من خبرات وإمكانات وبنيات وأصول مكَّنتها من دخول التجربة بنجاح وتؤهلها مستقبلاً لقيادة دور كبير ومميَّز في الإنتاج والاستهلاك وتقديم خدماتها لكافة القطاعات بالولاية خاصة وأن الأممالمتحدة قد أعلنت العام 2012م عاماً للتعاون وأطلقت نداء لكل الدول الأعضاء للعمل بصورة إيجابية لتفعيل العمل التعاوني، وأبان هارون أن الولاية يمكن أن تستفيد من الفرص المتاحة للنهضة بالتعاون على تكوين المجلس الأعلى للحركة التعاونية للتخطيط للنهضة التعاونية ووصل البرامج التعاونية بخطط حكومة الولاية ليتم دعم التعاون من خلال السياسات الكلية والبرامج إضافة إلى أن تكون البرامج التعاونية حاضرة في الأنشطة السياسية والاجتماعية والثقافية بالولاية، وبعد أن تجاوزت التجربة نحو ستين عاماً هاهي الحركة التعاونية التي قامت على ثقافة مرتبطة بقيم الدين وتراث الأمة لم تستقر من حيث التشريعات ولا البُعد التخطيطي والإستراتيجي لذلك نجدها قد حققت أهدافًا مرحلية، في وقت كان فيه دور التعاون الخدمي والإنتاجى والحرفي والزراعي والاستهلاكي والتسويقي بكل السودان دوراً أصيلاً لا يمكن إنكاره أو تجاوزه فقد حقق الكثير وكان من الممكن أن تستمر إسهاماته في دعم الاقتصاد بصورة أفضل إذا ماتم استصحابه في الخطط فهل من عودة؟